منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
  رقم المشاركة : ( 1 )  
قديم 16 - 06 - 2013, 05:08 AM
الصورة الرمزية Haia
 
Haia Female
..::| مشرفة |::..

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو
  Haia غير متواجد حالياً  
الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 230
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : مصر
المشاركـــــــات : 7,368

"ليكونوا هم واحداً كما أنّنا نحن واحدٌ"


البارحة صعد يسوع عنّا، وغداً ينـزل الروح القدس إلينا. البارحة عيّدنا لتكليل وتتويج عمل المسيح، وغداً سنعيِّد لافتتاح عمل الروح. البارحة اختتم المسيح عمله على الأرض، والذي كانت غايته أن "يجمع المتفرّقين إلى واحد" (أف 2، 14)، وغداً يبدأ الروح القدس متابعة عمل يسوع فيوحِّد الألسنة التي كانت قد تبلبلت.


وبين هذين الحدثين نقرأ اليوم صلاة يسوع الوداعيّة وتوسُّله إلى الآب فيها من أجل وحدتنا أي من أجل أن نكون واحداً كما أنَّ الثالوث الأقدس واحدٌ.


قراءة سريعة للتاريخ، توضح أنّ يسوع كان على حقّ في هذا الطلب، إذ لم تهدّد كنيستَه على الأرض أخطارٌ أكثر من الانشقاقات الداخليّة. لقد كان يسوع، قبل مغادرته تلاميذَه وتركِهم يتابعون الرسالة مع الروح القدس، قلقاً جداً على وحدة رسله والذين سيؤمنون به بواسطتهم.


خلق الله العالم في تنوّع، ومواهب عديدة، وتمايز، إلاَّ أنَّ ذلك كله كان في وحدة متكاملة. بعد السقوط غدت النتيجة الحتميّة للخطيئة هي دخول التمزّق إلى الكون. تمزّقت العلاقة بين الإنسان والله، بين الإنســان والكون، والإنســـان اليوم يحيا في عالــم يحاول فيه المثابرة على حياته، وصراع الحياة عنده قاسٍ. تمزّقت العلاقة بين الإنسان والإنسان أيضاً. أوّل تفكّك في هذه العلاقة كان بين الرجل وامرأته، ثمَّ بين الأخ وأخيه؛ وقتل الأخ الأكبر من هو أصغر سِنّاً منه. عالمنا يتمزّق بفعل الخطيئة، بينما كان الله قد خلقه في تنوّع ووحدة. وتابع اللهُ عمله في توحيد الكل لمَّا كان الكل يتمزّق ويمزِّق. الانشقاق هو خطيئة دائماً. إنَّ قداسة الكنيسة تُبرهَن من وحدتها. لا بل إنَّ وحدة الكنيسة هي دليل أرثوذكسيّتها، لأنَّ هذه الوحدة هي دليل صفاء منشئِها الإلهيّ وتجرّدها عن الخليط البشريّ الخاطئ.


كلّ شيء في الدنيا نراه يُفرّق؛ ولو بدا أنّه يجمع في مجموعات صغيرة. السياسة تجمع أناساً على أناس، فهي بذلك تجمع لتفرق. الأحزاب كذلك. الطائفية جريمة مضاعفة لأنَّها كذلك، والمطلوب عكس ذلك تماماً. كلّ التجمعات التي تحصل اليوم في دنيانا تربطها غالباً روابط غيرُ حقيقيّة، وتسيِّرها غاياتٌ متباينة، إن لم تكن متضاربة. الجمعيات، والشركات، والقرابة، والمصلحة، والاجتماعيّات، هذه كلّها روابط أو تجمعات لا تمزّق فرداً عن فرد وحسب، بل مجتمعاً عن غيره، وكتلة عن سواها إلخ...


والدين أيضاً، غالباً ما ينقلب إلى بلاهة لتمزيق الناس، بينما يُفترض به أن يكون واحة تجمع الإنسان بأخيه الإنسان. في زمن اليهود فرّق السامريين عن اليهود دينٌ. وفي دهرنا طالما يمزّق جسدَ المسيح "التديّن" بين الطوائف. الطروباريّات في صلوات الأحد تشير إلى أنَّ الانشقاق هو تمزيق لجسد المسيح. فهل يُقسَّم جسمُ المسيح؟ وأين نحن من تحقيق صلاته وطلبته؟


الكلام عن الوحدة كثير. ولقد طال الزمن ولم يتحقّق منه حتّى القليل! إن كان ذلك على صعيد الإنسان عموماً أو حتّى على صعيد الكنيسة خصوصاً. المسيح في صلاته من أجل وحدة كنيسته، يذكر صِيَغاً توضحُ الصيغةَ التي يجب أن نبني على أساسها كلّ محاولاتنا من أجل الوحدة. فما هي ميزات هذه الوحدة التي يصلّي من أجلها يسوع، والتي يقع على مسؤوليتنا قَدَرُ تحقيقها.


الواضح من صلاة يسوع أنَّ وحدة الكنيسة مرتبطة بحياة الله. فهي على مثال وحدة الثالوث "ليكونوا واحداً كما نحن واحدٌ". و"ليكون الجميع واحداً كما أنَّك أنت أيّها الآب فيَّ وأنا فيك". إنَّ الوحدة في الثالوث الأقدس قائمة على رباط المحبّة، فالآب هو مصدر الوحدة. الكلمة هي أزلياً مع الآب بمعنى انَّ الابن الكلمة يتجه نحو الآب أزلياً. والابن جاء إلى الأرض ليوحّد الناس، أي ليعرفهم على الآب "وهذه هي الحياة: أن يعرفوك أنَّك الإله الحقيقيّ ومن أرسلتَ هو يسوع المسيح". لقد جاء الابن ليوجّه الجميع نحو الآب. هذا كان عمل الربّ يسوع حتّى الصعود، وهذه هي صلاته الآن، وهذا هو عمل الروح بدءاً من العنصرة.


إنَّ الوحدة تكون بالمسيح، فكلام الربّ واضح، إذ وحدتُنا تكون حين يكون هو "فينا كما الآبُ فيه لنكون مكمَّلين إلى واحد". إنَّ كمالنا ونموّنا وشفاءنا من تمزيق الخطيئة، المنتشرة في كلّ مكان كعنصر تفريق، يتحقّق حين يكون الربّ يسوع فينا فنكمل به إلى واحد. وحدتنا إذن هي بالمسيح، فهو الذي يوحِّدنا، وذلك لأنَّ المسيح يوحِّد لنا الغايةَ والحياة. وهذا يتمّ دون أن يلغي المواهب والتنويع؛ فهذه الأخيرة يمكنها أن تخدم بانسجام الغاية الواحدة فتكون رابطاً وليس مفرقاً.


المسيح يضع أمامنا الغاية الحقيقيّة وهي أن نشترك في مجده "وأنا أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً…". مجد الابن هو إظهار مجد الآب. إنَّ اشتراكنا بمجد المسيح، وهو شهادتُه للآب التي أطاعه من أجلها حتّى الموت، موت الصليب، يعني اشتراكنا في آلامه ورسالته. إنَّ المسيح أعطانا موهبة المشاركة في مجده أي الاشتراك في رسالته لنصير نحن أيضاً شهوداً للآب، وبالتالي نتحوّل من أبناء هذا الدهر إلى أبناء الله، وندرك أنّنا جميعاً شركاء في الرسالة وشركاء في النعمة. نحن رسل الله في العالم وغايتنا واحدة، ونحن في الوقت نفسه أبناء لله وموهوبون بالحبّ نفسه من الآب، ولنا بالتالي الكرامةُ نفسها. هكذا يوحّدنا المسيح إذ وهبَنَا نعمةَ الشهادة والتبنّي. ونصرخ بالروح: أبا أيّها الآب! لقد كشف لنا الابنُ أنّ الآبَ هو الأبُ، وأنّنا نمتلك جميعُنا الحبّ ذاته منه.


والمسيح يوحّدنا حين يكون هو فينا فيعطينا الحياة عينها. إنّه يعلّمنا الحياة بالروح القدس. إنَّ وحدة الحياة هي التي تخلق وحدة التقليد. الإيمان والحياة ليسا متلازمين فقط بل إنَّ شكل الحياة هو وليد الإيمان. لذلك فإنَّ وحدة الحياة تعني أن نختبر الخبرات ذاتها، وبالتالي يأتي التعليم واحداً. والتقليد هنا لا يعني المعارف ولا التقاليد بل متابعة تقديم الذات، كما فعل الأسبقون، كإناءٍ مختار وقيثاراتٍ للروح القدس. هذا ما تسلمناه: أن ينطق الروح بنا. وهكذا، فإنَّ التعليم الأرثوذكسي يختلف عن الهرطقات في كونه تعبير حي للروح وليس تناسخاً أو تناقلاً لتقليد، أو تجديد لفلسفات منطقُها منطقُ إنسانٍ وليس منطق الروح.


هذا ما تُعيِّد له الكنيسة في هذا الأحد، أحد آباء المجمع الأوّل، الذي من بين المجامع جميعها يمتاز بأهمّية خاصّة. ليس لأنّه دافع عن ألوهية الابن وحسب، وإنّما لأنّه خطّ طريق المحافظة على الإيمان، وأشار إلى ضرورة وحدة الحياة والغايات، لتبقى التعاليم واحدة. آباء المجمع هم الجماعة الذين حملوا التقليد ودحضوا كلّ ما هو غريب؛ حملوا التقليد أي حملوا الروح القدس.


لهذا فالوحدة غير ممكنة إذا لم يكن الابن فينا، لأنّه هو الذي ينمو بنا إلى أبناء الله ويكملنا لنكون واحداً في الغاية والشهادة، وفي الحياة والتقليد، ويقودنا جميعاً إلى الآب متّحدين.آميــن

المطران بولس يازجي

رد مع اقتباس
 


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
عندما فَقَدَ كَرَمُ المسيحيّين اندفاعَه
ينبغي على المسيحيّين أن يعيشوا بهذه الطريقة
لأنّكِ أنتِ يا مريم خلاصٌ لجنس المسيحيّين
صلاة من أجل وحدة المسيحيّين
الدعاوى بين المسيحيّين


الساعة الآن 05:31 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024