رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
انسيمس العبد الهارب سار أنسيمس من كولوسى إلى روما فى رحلة ألف ميل ، وسنتابع مشاعره وأحاسيسه ، وهو ينطلق إلى المدينة الكبيرة روما ، ... ولعله فى حياته القديمة يبدو أمامناً أولا : العبد الحاقد ، وقد خلا من كل مشاعر المودة والحب تجاه سيده فليمون ، بل تجاه الدنيا بأكملها التى صنعت منه عبداً يعانى الضيق والتعب والمشقة والاستعباد شأنه شأن كل العبيد ، ومع أننا نثق أن معاملة فليمون المسيحى له كانت معاملة طيبة متميزة ، .. إلا أن العداوات الضارية بين الأحرار والعبيد، والتفرقة القائمة بينهما تجعل من الطبيعى أن تنمو عاطفة الكراهية والحقد والبغضاء وتترعرع فى القلوب ، ... ومع أن العالم ألغى الرق ، إلا أن التفرقة العنصرية بأسبابها المختلفة ما تزال إلى اليوم واحدة من أهم أسباب الكراهية بين الناس ، .. جلست سيدة مسيحية أرستقراطية مع عدة سيدات ثريات ، وكن يتحدثن عن الخدم ومشاركهم ومتاعبهم ، وأنهم لا يمكن أن يستقروا بهدوء وسلام فى البيوت فترة طويلة ، .. وقالت السيدة : ولكن الخادم التى عندى لها فى بيتى أربعة عشر عاماً ، وصاحت الأخريات : هل هى بيضاء أم زنجية ، وأجابت السيدة الكريمة بأنها صاحبة قلب أبيض !! .. ولقد تحدثنا فى مواطن كثيرة سابقة عن المعاناة والمتاعب والأحقاد المتسببة عن مثل هذه الأوضاع فى الأرض ، .. منذ سنوات قليلة نجحت جراحة القلب ، وحدثت المعجزة فى نقل قلب إنسان إلى آخر ، وبدأت هذه الجراحة فى جنوب أفريقيا حيث التفرقة العنصرية ، وحيث يبدو الرجل الأبيض يحمل قلباً قاسياً عنيفاً أشد فحمة من سواد الليل ، ولكنها الخطية التى فعلت كل هذا فى الأرض ، وقد سئل أحد الأطباء المشهورين فى جراحة القلب عن أنسب قلب حيوانى للإنسان ، وكان إجابته : قلب الخنزير ، وقد صدق الرجل وهو لا يدرى أن قلب الإنسان المتمرغ فى الخطية ، هو قلب الخنزيرة المغتسلة عندما تعود إلى مراغة الحمأة . وذهب أنسيمس - ثانياً - فى رحلة الانحراف ، .. فهو شخص منحرف خرج من بيت سيده سارقاً أو ظالماً ، وهو يمثل الإنسان الخاطئ الذى تنحرف به الخطية عن خط الحياة المستقيم، والخطية دائماً تفعل هكذا، لأن الكلمة خطية في أصلها اللغوى تعنى القصور أو الانحراف ، فإذا رمى الإنسان سهماً نحو هدف لا يبلغه فهو مقصر ، ومن ثم قال الوحى : « من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له » !! .. ( يع 4 : 17 ) خطية التقصير أو القصور أو عدم الوصول إلى الهدف من الحياة !! .. أما إذا انحرف السهم فى هذا الجانب أو ذاك فقد انحرف وأخطأ الهدف ، وقد انحرف أنسيمس بما سرق أو فعل من شر ، وهو صورة للمنحرفين فى الأرض !! .. بل صورة البشر لأن « الجميع زاغوا وفسدوا معاً . ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحــــد » !! .. ( رو 3 : 12 ) . وذهب - ثالثاً - فى رحلة الانحدار ، لقد قطع ما يقرب من ألف ميل بين كولوسى وروما ، ولنا أن نتأكد أنه فى كل ميل من الرحلة كان يزداد سوءاً وانحداراً ، .. والخطية تدفع أبناءها دائماً إلى الكورة البعيدة ، .. كانت الكاتبة المشهورة جورج اليوت فى بدء طريقها مع الحياة ، رقيقة العواطف ، مترعة المشاعر ، حساسة القلب ، وعندما كانت تكتب عن الإيمان أو عن غيره من الصور الكريمة فى الحياة ، كانت تبلل كتاباتها بالدموع ، .. لكنها وقد سارت إلى الكورة البعيدة، لم تظل على الصورة القديمة الجليلة ، لأنها استقرت هناك فى الكورة البعيدة ، . والشاعر مايثور أرنولدز وهو ينحنى على إيمانه الضائع يبكيه ، كان صورة للإنسان الذى يسير فى طريق الانحدار فى الرحلة القاسية مع الخطية فى الأرض !!.. وذهب - رابعاً - فى رحلة الضياع . إن الاسم « أنسيمس » يعنى « نافع » وهذا هو الأمل الذى راود من أسماه بهذا الاسم ، سواء أكان أبوه أم سيده ، ولكن الحقد والانحراف والانحدار جعلته كما قال بولس غير نافع ، وربما سخط عليه فليمون مرات ، وقال له : أنت غير نافع بالمرة ، والحيوان أفضل منك لأنه نافع ، وهكذا تفعل الخطية فى حياة الإنسان ، إذ تهوى به لتجعله أحط من الحيوان وأقل فائدة ، .. لقد خلق اللّه كل واحد منا ليكون نافعاً صالحاً معيناً ، ولكن الخطية تدفعه فى الخط العكسى تماماً ، فتجعله يعيش لنفسه ، يؤذى بدلا من أن ينفع ، يحطم بدلا من أن يعاون ، وما أكثر الناس الذين لا يرتفعون حتى إلى مستوى الحيوان الذى ينفع ويقدم مقابل ما يأخذ دون أن يفسد ويؤذى ويضر !! وذهب - خامساً - فى رحلة الاختفاء .. لقد قصد روما بالذات ، وقطع هذه الرحلة الطويلة ، لأن روما كانت مدينة الاختفاء ، والذاهب إليها - كما يقولون - مفقود ، ... والخاطئ فى العادة يود أن يعيش فى الظلام كقول السيد : « وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة » ( يو 3 : 19 ) .. وما الكبت - كما يقول علماء النفس - إلا محاولة طرد الإنسان الكثير من عقله الواعى إلى عقله الباطن ، حتى لا يتأمله أو يذكره ، ولكننا نعلم أن هذه المحاولة تنتهى عند حد ما ، عندما يثور العقل الباطن وينفجر ، لكثرة ما يختزن من إثم وفساد ، وكثيراً ما أصيب الناس بالجنون لأنهم أرادوا أن يخبئوا كل شئ فعجزوا عن ذلك !! .. وكانت الرحلة أخيراً رحلة الفزع والخوف العذاب ، ولا شبهة فى أنه عاش فى روما خائفاً معذباً ، وهو يتصور عند أقل حركة من إنسان ، أنه اكتشف ، وأنهم جاءوا ليقبضوا عليه ، إنه مجرم هارب ينتظره حكم الموت والإعدام ، والخطية دائماً تترك صاحبها معذباً ، لو علم الذين يرتكبون الخطية أنها لا يمكن أن تتركهم فى راحة ، لترددوا آلاف المرات قبل الإسراع إليها ، والانكباب على شهوتها الفاسدة المحرمة !! ولا فرق فى ذلك غنى أو فقير ، بين متعلم أو جاهل، بين قوى أو ضعيف .. عندما ذهب مودى فى رحلته التبشيرية إلى بلاد الإنجليز .. قال له أحدهم: يامستر مودى أرجو أن تفعل شيئاً من أجل الفقراء المعذبين .. فأنصت مودى قليلا وقال : وأرجو أيضاً من أجل الأغنياء المعذبين .. إن الخطية دائمة مفزعة بالنســــبة للفقــــير والغنى على حد سواء !! .. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
اسكتش انسيمس (العبد الهارب) |
فيلم العبد الهارب القديس انسيمس |
فيلم العبد الهارب القديس انسيمس للموبايل |
انسيمس العبد النافع |
انسيمس العبد المذنب |