رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
اللص وآلامه ليس من السهل على الإطلاق أن نتحدث عن آلام اللص التي لاشك كانت من أهم العوامل في تغير حياته، والاتيان به إلى السيد في اللحظة الأخيرة وقد يظن البعض أن آلام الصلب، هي كل آلام الرجل وتعاساته، لكنها في الواقع كانت أعمق الآلام، ونهاية مجرى النهر الطويل من المتاعب والأحزان التي عناها، وها هو الآن وشمس حياته تسرع في الأغوار إلى الغروب، وقطرات الدم النازفة منه لا تكويه فحسب، بل تعد له العد التنازلي للساعات الباقية له على الأرض، ها هو يستعرض تاريخه بأكمله الذي يبدو كشريط متلاحق أمام عينيه، ممتليء بالتعاسة والشقاء!! ترى ماذا كانت آلامه التياجترها وهو فوق الصليب!!؟ كانت آلام الذكرى الطفولة البريئة التي عاشها في حياته، قبل أن يخطو خطواته المتتابعة نحو الجريمة والشر!؟ وما أكثر الذين تمنوا أن يرجعوا إلى مهد امهاتهم، ليبدأوا القصة على نحو مغاير لما عاشوه، ومع أن طلبة اللص الآخر كانت العودة إلى الأرض، والتخلص من الصليب، لو أمكن ذلك وهو يجدف على المسيح، إلا أن اللص التائب لم يطلب هذا الطلب، وإن كان من المتصور أنه غرق في آهاته وآلامه، وهو يذكر سنواته الأولى صبيًا صغيرًا يشق طريقه في هدوء وأمن وسلام ووداعة بين الناس!؟ هل كانت الآلام هي آلام المخدوع الذي دخل الشباب بمثل عليا استهوته، وظن فيها الإنقاذ لوطنه وشعبه، وكان يحمل في مطلع الأمر، المباديء والقيم التي ظنها ستحكمه إلى النهاية، فإذا به كالسابح في المياه القوية يجرفه التيار إلى ما لم يكن يخطر له على بال!! وكم من شاب بدأ بأعلى المثل وأسماها، لينتهي على النقيض تماماً مما بدأ به،... أم هو التورط في الآثام والجرائم التي لم يجعلها قط في حسابه، ولكنه مع ذلك وجد نفسه في قلبها، وقد غاص في مستنقعها إلى الهامة وهو لا يدري!!؟ أم هي الحياة التي أدرك آخر الأمر أنها ضاعت وهي مقيدة بالمسامير في ساعاتها الأخيرة علىهذه الأرض!!؟ أم هو العذاب الذي يشويه شيًا بالعقوبة الرهيبة التي جعلته على الصليب معلقًا بين السماء والأر ض! قد تكون واحدة من هذه أو جمعيها هي التي نهضت أمام ذهنه في تلك اللحظة الدقيقة الحاسمة من حياته الأرضية!! على أنه أيا كان نوع الألم الذي سيطر على الرجل وهو فوق الصليب، إلا أنه من اللازم الإشارة إلى أن الألم وحده، كان من المستحيل أن يحكم الرجل أو يوجه أفكاره تجاه الحق الذي في المسيح يسوع، إذ أن هذا الألم كان مصحوبًا بما هو أعظم وأهم، ونعني به النعمة!! أليس من الغريب أن شيئًا واحدًا يحدث لاثنين على وجه كامل من لمشابهة، ومع ذلك فإن الأثرين الناتجين في كليهما يبعد أحدهما عن الآخر بعد السماء عن الأرض!... فالنار تذيب الشمع، ولكنها تحول الطين ليصبح قطعة من الأجر القاسي الشديد الصلابة، ... سار اللصان في الحياة على نهج واحد تقريبًا، وعاشا حياة اختلطت فيها الكثير من الأوضاع والأساليب والظروف، ومع ذلك فالألم الذي صعد بأحدهما إلى السماء، هوى بالآخر إلى الجحيم! قد تقول إن هذا هو اللغز العجيب! ولكنه مهما يكن مطمعًا بالأسرار الإلهية، إلا أنها النعمة ولاشك التي لا يستطيع الذهن البشري أن يدرك عمقها وكنهها في حياة الناس، وتشكيل قصة الحياة والموت على النحو المثير الذي نراه في الفارق الأبدي بين اللص التائب واللص الهالك، فإذا كان الظاهر في القصة أن الألم هو الذي قاد اللص إلى المسيح، فإن الحقيقة الخفية هي أنها النعمة المتفاضلة التي ربطت مصيره بنهر الحياة الأبدي، على نحو ليس من السهل كشفه في العالم الحاضر، ولعلنا نجد في الأبدية التفسير الكامل لما فاتنا فهمه في الحياة الدنيا، فإذا كان لنا أن نقنع الآن بالفحص الظاهري، فمن المحقق أن الألم هو الدافع الكبير الذي دفعه إلى التأمل والرؤية في قصة حياته بأكملها، وتقييمها دون زيف أو تصنع، ألم يفعل ذلك منسى الملك القديم الذي عاث في الأرض فسادًا وملأ أورشليم دمًا، وكان الألم هو الوسيلة العظمى التي استخدمها الله في إرجاعه إليه فقال الكتاب عنه : فلما تضايق طلب وجه الرب إلهه» (2 أخ 33 : 12) وهل يرجع يونان إلى الله، وهو يملك حريته في الهروب إلىترشيش، ألم يرجع إلى السيد بعد صلاته في بطن الحوت : «دعوت من ضيقي الرب فاستجابني صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار، فأحاط بي نهر، جازت فوق جميع تيارات ولججك، فقلت قد طردت من أمام عينيك، ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك. قد اكتنفتي مياه إلى النفس، أحاط بي غمر، التف عشب البحر برأسي، نزلت إلى أسافل الجبال، مغاليق الأرض عليّ إلى الأبد، ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي. حين أعيت في نفسي ذكرت الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك، الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك وأوفي بما نذرته للرب الخلاص» (يونان 2 : 1 - 9) عندما تمزقت يدا اللص وقدماه صاح في عمق الألم : «أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك» (لو 23 : 42). |
|