رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"وبكرن جداً في أول الأسبوع (الأحد) وأتين القبر وقد طلعت الشمس" الجميع يحبّون. ولكن قلائل يجرؤون أن يحبّوا غيرهم حباً أكبر من حبهم لذاتهم. وهذا هو الحبّ الحقيقيّ. أن نجرؤ ونفضّل الآخر على ذواتِنا. أن نحبّ هذا أمر طبيعي. ولكن أن نحبّ كما يريد الربّ فهذا يعني أن نتجرأ ونحبّ حتّى لدرجة تعريض ذاتنا إلى البذل. حباً كهذا أحبّت النسوة حاملات الطيب، فبكّرن أول الأسبوع، أي صباح الأحد. انطلقن إلى القبر إلى الربّ الذي خدمنه وأحببنه ليطيّبنه غير خائفات أن يطلبن مَنْ حُكم عليه ووُضِع على قبره حجر عظيم وحراس من يجرؤ أن يحبّ مثل حاملات الطيب، أو مثل يوسف الذي من الرّامة الذي "اجترأ ودخل على بيلاطُس وطلب جسد يسوع" من يجرؤ على الحبّ الذي يمكنه أن يصادمهُ مع أقوياء هذا الدهر؟ من يعتني بمرذول أو يشتري كتاناً لمصلوب وينـزل فيلفّه ويضعه في قبر جديد؟ هناك محبّة ظاهريّة، وهي محبّة الغالبيّة، تلك التي تترك عند الصليب أو تلك التي تضعف عندما يحكم على المحبوب أو يحاكم فتتنكّر. "المحبّة" تتجرأ من أجل المحبوب وتعتني بهِ وتلازمه حتّى في أقصى مظاهر ضعفه كالموت والقبر ليست جرأة أن نحبّ العظماء. الجرأة هي أن نحبّ الضعفاء. لذلك غالباً ما تكون الصورة الأولى مراءاة ولكن الثانية فعلاً محبّة. الجرأة هي إذن مصداقية المحبّة. حبّ لا يحمل مخاطرة هو رياء. هذه المخاطرة قد تكون تحمل وهن المحبوب وقد تكون إمكانية خطئه تجاهي، أو تكون جرأة على المسامحة يوماً ما، أو للمخاطرة والبذل في يوم آخر. هذه هي "متعة المحبّة"؛ الجرأة. متعة المحبّة ليست استهلاك المحبوب من أجل الذات بل إهلاكها من أجله المحبّة تنطلق إلى الآخر حين تُملي هي علينا "الواجب"، وليس حين يُملي العقل علينا "الممكن". المحبّة تنطلق كحاملات الطيب حين يكون ما تريده غير ممكن أيضاً. إن كنّا نحبّ، فنحن نخرج بذواتِنا عندما يكون ذلك واجباً وليس فقط عندما يكون ممكناً. أي المحبّة تجرؤ ولا تأبه بغير الممكن لأنها لا يمكن أن تكسر الواجب الذي تمليه المحبّة تتصرّف بحكمة الإيمان التي يعتبرها الناس "جهالة" كونها تتحمل المجازفة بخسارة. المحبّة غير الكاملة لا تجرؤ على غير الممكن لأنها لا تريد أيّة خسارة. المحبّة الصادقة لا تهاب غير الممكن مهما كانت الخسارة، حتّى كلّ ذاتها. ألم يصرخ "الأول والآخر الذي كان ميّتاً فعاش" إلى ملاك سْمِيرْنا طالباً منه الحبّ الكافي قائلاً: "كنْ أميناً حتّى الموت فسأعطيك إكليل الحياة"، "من له أذنان للسمع فليسمع ما يقوله الروح للكنائس" (رؤيا 2، 10-11). فمن أنكر السيّد قدّام الناس سينكره هو أمام أبيه الذي في السماوات دون محبّة كهذه "تجرؤ" لا يمكن أن نبدّل أيّ واقع أليم في هذه الدنيا ثبت أركانه بالزيف والكذب. كيف فتحت المسيحيّة العالم الوثني الروماني المتسلّط؟ أليس بمحبّة كهذه، كمحبّة حاملات الطيب ويوسف؟ لا يواجه الباطلَ المستبدَّ إلاّ محبّة للحقّ كهذه. محبّة كمحبّة المعمدان للحقّ، تقف أمام الوالي لتقول: ليس لكَ الحقّ لقد وُضعت الأختام في عصرنا على مبادئ ومُثل فاسدة غير حقيقيّة. ويقبل دهرنا منطلقات وعموميّات لا يقبلها ضمير. ولكن مَنْ له المحبّة التي تجرؤ على دحرجة هذا الحجر أو الانطلاق إلى الحياة غير آبه بهذه الأختام الزائفة؟ الجميع يعترفون بقيامة المسيح! وأن المسيح هو الحقيقة. نعم، ولكن من يحبّ يسوع في أيّة حقيقة طمرها ودفنها سلطان هذا الدهر وختمها بالإرهاب ودحرج عليها حجراً كبيراً من الإعلام وتزييف المصالح؟ من ستدفعه محبّته إلى هذه الحقيقة الدفينة بجرأة غير هيّابة عصر الاستهلاك لا يحبّ أن ننبش حقوق الإنسان. الاستهلاك يريد أن يطمر حريّة الآخر ووجوده، لتبقى له الحريّة بألاّ يحسب للإنسان حسبان ولا يترك له على الساحة أي مكان. مَنْ له المحبّة الحقيقيّة ويجرؤ على المناداة والعمل من أجل المنسيّين والمهمّشين من ضعفاء ومظلومين، وذلك بوجه الاستبداد واستهلاك التجارة واستبداد المصلحة وسيطرة الربح على حساب الإنسان؟ الجرأة تكشف المحبّة الحقيقيّة عالمنا، حتّى المسيحيّ منه، يحسب لأدقّ الأمور حسباناً ويؤمّن لكلّ مسألة وقتاً ومكاناً لها، ولا يترك "للسيّد" إلاّ السماء والشعارات؛ وفي أحسن الأحوال عند بعض "الملتزمين" من الناس، يترك له "وقت الفراغ" ليرسل خلالها رسائل إلى السماء، أو ليتلقّى رسائل منها وهميّة؛ قاصراً علاقته مع الله بالمراسلات! من له محبّة كاملة تجعله يزحزح عن أرض الحياة والمجتمعات الكثير الكثير من الأمور ليترك للربّ في هذه الساحة حيّزاً أو أيّ مكان؟ الجرأة ستبرهن عن هذه المحبّة هناك محبّة تطلب الذات وهناك محبّة تبذلها. هناك محبّة باطمئنان الكسب وهناك محبّة بمجازفة البذل. الأولى لا تبدّل أي واقع سيّئ، الثانية لا تأبه بواقع وتحقّق إمكانيّات من المستحيلات. محبّة تجرؤ هي أداتنا الوحيدة لنشهد في عالم الماديّات عن الحياة. ومحبّة دون جرأة لن تطلب حياةً في قبر ولن يبلغها خبر القيامة ولن تتذكر قول السيد، ولو أنّه يبدو جهالة، "ثقوا أني قد غلبتُ العالم". لقد قال السيّد هذه الكلمة، قاصداً بها قيامته، عندما كان العالم ما يزال لا يؤمن بها. محبّة كتلك التي ليوسف وحاملات الطيب ستقبل كلّ لحظة، وحين يظهر الموت متسلّطاً، ستقبل خبر القيامة. محبّة كهذه "بجرأة"، هي فقط تستطيع أن تقيم كلّ حقيقة أسقطها الناس من حسبانهم فماتت عندهم، ولكن لا توجد حقيقة غير حيّة. ولكن سنحمل محبّة كهذه فقط عندما نقرّر أن نقبل بها حتّى لو كلفتنا كلّ ذاتنا المحبّة- بجرأة- هي الوحيدة التي تستحقّ خبر القيامة وستختبر فرح نهار ملك السيّد الذي لا يغرب أبداً آميــن بولس متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما |
|