رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قدوس قدوس قدوسِ
عبارة نكرّرها عدّة مرّاتٍ في صلوات القدّاس بكلّ الليترجيّات: قدّوس، قدّوس، قدّوس (باليونانيّة آغيوس). نكرّرها من دون أن نفهم معناها، ولا أن تحرّك فينا مشاعر معيّنة أو تثير أفكارًا خاصّة. فهل وضع كتّاب الليترجيا هذه العبارة تذكارًا لنشيد الملائكة السرافيم القائمين أمام الحضرة الإلهيّة؟ أجل، ولكنّ هذا ليس السبب الوحيد، بل لنقل إنّه ليس الدافع إلى اختيارها من بين عباراتٍ أخرى قيلت أمام الحضرة الإلهيّة. إنّ معاني كلمة قدّوس متعدّدة، وأهمّها هو أنّ الكلمة تعني: مترفّع، منفصل، متعالٍ. ومنها اشتُقَّت كلمة قداسة وقدّيس، وتُطلَقُ على كلّ مَن ترفّع عن هذه الدنيا، وجعل مسافةً بينه وبين سائر المخلوقات، وترفّع عن الأرضيّات. ومن هنا أيضًا تأتي دعوة الله للمؤمنين به: كونوا قدّيسين كما أنّ أباكم السماويّ قدّوس، أي كونوا مترفّعين متسامين متعالين منزّهين عن كلّ ما ليس أبديّ، عن كلّ ما هو دنيويّ، مهما بلغت أهمّيّته في حياتكم. إنّ المشهد يصف رؤيا نالها النبيّ شاهد فيها البلاط السماويّ، وتنطلق نداءات الملائكة كالمنادي في سوق المدينة الّذي يتقدّم موكب الحاكم أو الملك ليبتعد الناس عن طريقه ولا يعيقوه. إنّه النداء الّذي تجعلنا الليترجيا نطلقه قبل كلام التقديس لتقول لنا: الربّ آتٍ، إفسح له الطريق إلى قلبك. إنزع عنك همومك، اطرح جانبًا كلّ ما يشغل بالك، ارتقِ بأفكارك، ركّز انتباهك، كن مستعدًّا، فالربّ آتٍ. قدّوس، قدّوس، قدّوس. هذا ليس نشيدًا بل نداءً: «وكان هذا ينادي ذاك» (أشعيا 6: 2). إنّه جلبة الخدم وارتباكهم حين يلوح موكب السيّد في الأفق. وإذا كنّا نقوله في القدّاس، فلكي ننادي بعضنا بعضًا لنستعدّ للسرّ العظيم، سرّ حلول الروح القدس على القربان وتحويله لما قدّمه البشر إلى جسد المسيح ودمه، سرّ حضور الله بيننا وفينا. هذه هي المشاعر الّتي ينبغي لها أن تنتابنا حين نطلق هذا النداء. مشاعر الاستعداد، مشاعر الهيبة، مشاعر الرهبة. ومن هذه المشاعر تنبع الخشية كما نبعت لدى أشعيا: «ويل لي، قد هلَكتُ، لأنّي رجل دنس الشفتين، وأنا مقيم بين شعبٍ دَنِسي الشفاه ...»، وكما نبعت لدى سمعان بطرس في الإنجيل الّذي تقرأه الكنيسة اليوم: «يا ربّ، تباعد عنّي، إنّي رجل خاطئ». وما هو الردّ على هذه الخشية: يقوم ملاك بتطهير شفتي أشعيا، ويقول يسوع لبطرس: لا تخف. بيد أنّ هذا الردّ لا يُقال إلّا لمَن أدرك في الحضرة الإلهيّة ضعفه وعدم استحقاقه؛ مَن انتبه إلى مقدار غوصه في الدنيا وتعلّقه بالأرضيّات وإهماله السماويّات؛ مَن انتبه إلى عجزه عن الترفّع والانفصال والتعالي، ليلبّي رغبة الله في أن يكون قدّوسًا كما أنّ أباه السماويّ قدّوس. بقلم الأب سامي حلاّق اليسوعيّ |
|