رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سيرة حياة القديسة تقلا سيرَةُ حياة القدِّيسَةُ تَقلا أولى الشَّهيدات إِنَّ اسمَ القدِّيسَةِ تَقلا، تِلميذَةِ بولُسَ الرَّسولِ وابنَتِهِ الرُّوحِيَّة، شَهيرٌ جِدًّا في الكَنيسَةِ الجامِعَة. وإِكرامَها وعِبادَتَها مُنتَشِرانِ فيها، شَرقًا وَغَربًا، إِنتِشارًا عَظيمًا مِن أقدَمِ عُصورِها. فَهِيَ مِثالُ العَذارى وَقُدوَةُ جَميعِ الفَتَياتِ المسيحِيَّات. هِيَ بَطَلَةُ البُتولِيَّةِ المسيحِيَّةِ وَالشَّهامَةِ النِّسائِيَّة. هِيَ تِلكَ الصَّبِيَّةُ الشَّريفَةُ الَّتي شَغفَت بِحُبِّ المُعَلِّمِ الإِلهيِّ الَّذي بَشَّرَها بولُس بِهِ، فاحتَمَلَت لأجلِهِ مِن صُنوفِ الآلامِ ما تَهلَعُ لِمُجَرَّدِ ذِكرِهِ قُلوبُ الجَبابِرَةِ الأبطال. هِيَ تِلكَ القدِّيسَةُ الَّتي كانَت حَياتُها الطَّويلَةُ سِلسِلَةً مِنَ العَجائِبِ الباهِرَةِ ومِنَ المُعجِزاتِ الَّتي لمَ نألَفْ سَماعَها إلاَّ في سِيَرِ عُظماء القِدِّيسين. هِيَ الأولى بَينَ شهيداتِ المَسيحِ كَما أنَّ القِدِّيسَ اسطفانوس هُوَ أَوَّلُ شُهدائِهِ وحامِلةُ عَلَمِ حُبِّهِ في طَليعَةِ جَيشِ البَناتِ الأبكارِ القدِّيسات. مَنشَأُ القِدِّيسَة تقلا وُلِدَت تَقلا وعاشَت في مَدينَةِ أيقونيَة عاصِمَةُ ليكأونيَة. ومِن أشرافِ تِلكَ المَدينَةِ الوَثَنيَّةِ، وأجمَلِ بَناتِها خَلقًا، وأكرَمِهِنَّ خُلُقًا، وأنبَلِهِنَّ عاطِفة. وكانَت ذات عَقلٍ ثاقِبٍ، شَديدَةَ الرَّغبَةِ في العُلومِ والمعارِف. فانكَبَّت على الدَّرسِ، وَبَرَعَت في عِلمِ الفَلسَفَةِ الوَثَنِيَّةِ وفي حُسنِ الخَطِّ والشِّعر. وَكانَت فَصيحَةَ اللِّسانِ، يزينُ عِلمَها وفَصاحَتَها احتِشامٌ بَليغ، كَما قالَ القِدِّيسُ ماتوديوس وَقَد خُطِبَت وعُمرها 18 سَنَة لأميرٍ وَثَنيٍّ شابٍّ اسمهُ تاماريوس لا يَقُلُّ عَنها شَرَفًا وَجاهًا وَنَسَبًا. تَقلا تِلميذَةُ بولُسَ الرَّسول وَكانَت تَقلا على هَذِهِ الحالِ حينَما خَرَجَ القِدِّيسُ بولُسَ الرَّسول مِن إنطاكيَة وَوَصَلَ إلى أيقونيَة في جَولَتِهِ الأولى الرَّسوليَّة( اع 14: 1 – 6) نَحوَ السَّنَةِ الـ 45 م. فَبَشَّرَ اليَهودَ والأُمَمَ بِإِنجيلِ الرَّب. سَمِعَت تَقلا وَعظَهُ مِن نافِذَةِ بَيتِها، فَسَحَرَها جَمالُ تعاليمِهِ وعذوبَةُ نيرِ المَسيحِ الَّذي يُبَشِّرُ بِهِ، فآمَنَت بالمَسيحِ وصارَت البِنتُ البِكرُ لِبولُسَ الرَّسول وأحَبَّت البكارَةَ والبَتولِيَّةَ وزَهَدَت بالزَّواج. واعتَمَدَت وَنَذَرَت لله بتولِيَّتَها لِكَي تَتَفَرَّغَ لِعِبادَةِ سَيِّدِنا يَسوعَ المسيح على أَكمَلِ وَجه. طَرَحَت عَنها اللآلىءَ وَالزِّينَةَ الباطِلَة، وَعَكَفَت على الصَّلاةِ والتَّأمُّلِ وَالإِماتَةِ وَمُمارَسَةِ أكمَلِ الفَضائِلِ الإِنجيلِيَّةِ بإيمانٍ وَحَرارَة. وَكانَ نَعيمُها وَلَذَّةُ صِباها أَن تُصغي إلى أقوالِ ذَلِكَ الرَّسولِ النَّاريِّ الإِلهيِّ فَتَملأَ قَلبَها مِن تَعاليمِهِ وتَضرِمَ جَوارِحَها بِسعيرِ قَلبهِ ولمَا رَأَت الرَّسولَ مُرشِدَها مَسجونًا لِكَونِهِ مَسيحِيًا باعَت حالاً ما لهَا مِنَ الحُليِّ الثَّمينَةِ لِكَي تُغيثَهُ في ضيقِه. هَذا ما رَواهُ القِدِّيسُ يوحنَّا فَمِ الذَّهّب حَيث قالَ للشَّعبِ القِسطَنطينيّ في مَقالَتِهِ الخامِسَةِ والعِشرين على أعمالِ الرُّسُل: "ها إنَّ القدِّيسَةَ تَقلا في ابتِداءِ تَنَصُّرِها قَدَّمَت ما عِندَها مِنَ الجواهِرِ على وَجهِ الإِسعافِ لِبولُسَ الرَّسول وَأَنتُم القُدَماءُ في هَذِهِ الدِّيانَةِ وَالمفتَخِرينَ بالإِسمِ المسيحيِّ لا تُساعِدونَ المَسيحَ بِشَيءٍ تَتَصَدَّقونَ بِهِ على الفُقَراء". وَكانَت تَقضي زَمانَها مُنفَرِدَةً ومُناجِيَةً الله، جلَّ شَأنَهُ، ومُتَأَمِّلَةً حَقائِقَ الشَّريعةِ الإِنجيليَّة. لاحَظَت والِدَة تقلا تَبَدُّلاً في حَياةِ ابنَتها، أذ لَم تَعُد تِلكَ الفتاةَ المرحَةَ الطَّروبَ السَّاعِيَةَ وَراءَ زينَتِها الشَّغوفَةَ بالظُّهور، ولَم تَفهَم مَعنى ذلِكَ. فَسَأَلَتها: "مِن أَينَ لَكِ هَذا الإِحتِشامُ الجَديد وَكَيفَ انِفتِ ورَفضتِ التَّزيُّنِ بالحُلى خِلافًا لِجَميعِ العَذارى وأَلِفتِ الوِحدَةَ والإِنفِرادَ وَالصَّلاة؟ أجابَت تِلكَ الإِبنَةُ الحَكيمَة: "إِنِّي مُنذُ سَمِعتُ تَعليمَ الدِّيانَةِ المَسيحيَّةِ استَنَرتُ بِأنوارِ حَقائِقِها السَّاطِعَة وَتَحَقَّقَتُ بُطلانَ عِبادَةِ الأَوثان. فَأَسأَلُ الله أن يَصنَعَ بِكِ كما صَنَعَ بي". وَلمَا فاتَحَتها بِأَمرِ الزَّواجِ المُزمِعِ أن يُكمَّلَ رَأَت مِنها إِعراضًا وَتَمَنُّعًا، وَقالَت لهَا إِنهَّا وَقَفَت للرَّبِّ يَسوعَ بتوليَّتها فَصارَ مِنَ المُستَحيلِ أن تَرتَبِطَ بِزواجٍ فَثارَ ثائِرُ والدَتِها وَكادَت أن تُجَنَّ مِن غَيظِها. فَعَمِلَت على إقناعِها، وأَخَذَت تَتَضَرَّعُ إلَيها. لكنَّها لاصطَدَمَت بِثَباتٍ عَجيبٍ وَإِرادَةٍ جَبَّارَة وطارَ رُشدُها، إذ رَأَت في اغضاءِ ابنَتِها عَن عَريسِها مَساسًا بِكَرامَتِها. فآثَرَت مَوتَ تِلكَ الإِبنةِ على أن تَتَعَرَّضَ لإِحتِقارِ النَّاس وازدِرائِهِم لهَا وَلِكَلامِها وَمَواعيدِها. وَأَخبَرَت الأمُّ خطيبَ ابنَتِها بِكُلِّ مَا حصَل. فَأَخَذَ كِلاهُما وَجَميعُ الأَقارِب وَالأَصْدِقاءِ يَبْذُلُونَ كُلَّ الجُهْدِ حَتىّ يُرْجِعُوا تَقلا عَنْ عَزْمِها، فَلَمْ يَسْتَفيدُوا شَيئًاً، إِستِشهادُ تَقلا الأَوَّلُ في إِيقونِيَة أخبَرَ خطيبُها وأُمُّها واليَ المَدينَةِ وَاستَعانا بِهِ لإِقْناعِها. فَأَتى بِتَقْلا إِلى دِيوانِِهِ وَجَعَلَ يُقْنِعُها بِتَرْكِ الدِّيانَةِ المَسيحِيَّةِ والعَوْدَةِ إِلى الآلهَةِ وَإِلى عَريسِها، لكنَّ كَلامُهُ ذهبَ أَدراجَ الرِّياح. تَهَدَّدَها أَن يحُرِقَها حَيَّةً، فَلَمْ تَعبَأْ بِتَهْديداتِه. ولمّا أَمَرَ بِإضْرامِ نارٍ حامِيَةٍ وَبِطَرْحِها فيها، تَهَلَّلَت لِقُرْبِ اتحِّادِها بِعَريسِ نَفْسِها وَلم تَنْتَظِرْ أَنْ يَطْرَحُوها في تلْكَ النّيرانِ االمُسْتَعِرَة، بَل أَسرَعَت هِيَ وَزَجَّتْ نَفْسَها فيها، راسِمَةً إِشارَةَ الصَّليب، مُتَضَرِّعَةً إِلى اللهِ لِيُقَوِّيها وَيَسْتَقْبِل رُوحَها. لَكِنَّ الرَّبَّ يَسوع خَتَنَها كانَ قَدْ أَعَدَّ لهَا طَريقًا أُخرَى غيرَ طَريقِ الإِستِشهادِ العاجِل. كانَ يُريدُ أَن يُظْهِرَ فيها مجدَهُ وَقُدْرَتَهُ وَسُمُوِّ نِعْمَتِه. كانَ يُريدُ أَن تَعيشَ تِلكَ الفَتاةُ سِنينَ طَويلَةً أَيْضًا، مَثَلاً رائِعًا لمَن يَأتي بَعْدَها في الأَجيالِ المُقبِلَةِ مِنَ البَناتِ وَالبَتُولاتِ وَمِنَ الشَّهيداتِ البَطَلات. ما أَن دَخَلَتْ تَقلا تِلْكَ النّارَ حَتىّ حَدَثَ لِلوَقْتِ ريحٌ عاصِفَةٌ وَبَرْقٌ وَصَواعِقٌ وَمَطَرٌ غَزيرٌ جِدًّا. فَوَلىّ النّاسُ هَارِبينَ، وَلَجَأُوا إِلى بُيُوتهِا مَذْعُورينَ، وانْطَفَأَتِ النِّيرانُ وَخَرَجَتِ البَتول سالمَة، وَلم يحتَرِقْ خَيْطٌ مِن ثِيابهِا وَلا شَعْرَة واحِدَةٌ مِنْ شَعْرِها. حِينَئِذٍ ذَهَبَتْ إِلى حَيثُ كانَ بُولُسُ الرَّسولُ مُعَلِّمُها وَمَعَهُ مَسيحِيّونَ كَثيرونَ يُصَلُّونَ مِن أَجلِها نحوَ سِتَّةَ أَيّامٍ مُتَوالِيَةٍ فَفَرِحُوا بِقُدُومِها. ثمَّ خَرَجَ بُولُسُ مِنْ إِيقونِيَة مُنْطَلِقًا بَعْدَ أَن أَوصَى بِتِلميذَتِهِ تَقلا. إِستِشهادُ تَقلا الثاني في إِيقونِيَة وَبَعْدَ مُدَّةٍ أَمَرَ الوالي بإِحضارِ تَقلا إِلى ديوانِهِ، ثانِيَةً، ولمّا رَآها ثابِتَةً في إِيمانهِا أَمَرَ أنْ تُؤخَذَ إِلى إِنطاكِيَة وَتُطرَحَ لِلوُحوش. فَلَمّا وَصَلَت إِلى إِنطاكِيَة تَسَلَّمَتْها سَيِّدَةٌ شَريفَةٌ اسمُها طرُوفينا حَتىّ يَصِلَ الوَالي. فَلَمّا وَصَلَ، أَمَرَ أَنْ تُقَدَّمَ تَقلا إِلى مَيدانِ الوُحوشِ الضَّارِيَةِ وَاجْتَمَعَ الشَّعبُ في المَشْهَدِ حَوْلَ الميدان. حَيثُ أُدْخِلَتِ الشَّهيدَةُ. وَكانَت بِشَجاعَةٍ وَسُرورٍ تَنْتَظِرُ وُثوبَ تِلْكَ الوُحوشِ لِتَفْتَرِسَها. وَلمّا رَأَتْها أَقبَلَت نحوَها، رَسَمَت إِشارَةَ الصَّليبِ المُقَدَّس، مُبْتَهِلَةًً إِلى اللهِ أَن يَتَقَبَّلَ رُوحَها، فَوَصَلَت تِلْكَ الوُحوشُ وَرَبَضَتْ أَمامَها بِكُلِّ أُنسٍ، كَما يَقولُ القِدّيس أَمبروسيُوس وَأَخَذَت تَلْحَسُ قَدَمَيْها. فَتَعالَت أَصواتُ الشَّعبِ بِالصِّياح. فَمِنْهُم مَن كانَ يَطْلُبُ العَفْوَ عَنْها وَإطلاقَها، وَمِنْهُم مَن كانَ يُلِحُّ في الإنتقامِ مِنْها وَمِن شَعْوَذاتِ سِحْرِها لأَنهّم كانُوا يَنْسُبونَ إِلى أَعمالِ السِّحرِ تِلْكَ الفَضيلَةَ وَالبَسالَةَ وَالعَجائِبَ الباهِرَة. فَأَعادَها الوَالي إِلى السِّجن. وَفي اليَومِ التّالي تَقَاطَرَ النّاسُ مِنْ جَديدٍ إِلى المَشْهَدِ فَرَبَطَ الجُنُودُ تَقلا إِلى زَوْجٍ مِنَ الثّيرانِ البرِّيَّةِ المُخيفَة، وَأَثاروهُما وأَطلَقُوهُما، لِكَيْ يُهَشِّما جَسَدَ القِدّيسَة، فَلَمْ يَتَحَرَّكِ الثَّوران، مَعَ أَنهُم كانُوا يَنْخُسونَهما بمَناخِسَ حَديدٍ محمِيَّة. وَلم يُصِبْها أَذًى. حارَ الوَالي في أَمْرِ تِلْكَ الفَتاةِ العَجيبَةِ، وَأَرادَ أَن يَتَخَلَّصَ مِنْها، فَأَلقاها في هُوَّةٍ عَميقَةٍ مملُوءَةٍ حَيَّاتٍ سامَّة. فَانحَدَرَت نارٌ مِنَ السَّماءِ وَأَحرَقَتِ الأَفاعي وَنَجَتْ القِدّيسَة. فَآمَنَتْ حِينَئِذٍ المَرأَةُ الشَّريفَةُ طروفينا الَّتي كانَت قد تَسَلَّمَتْها وَآمَنَ مَعَها قَوْمٌ كَثيرُون. دُهِشَ الوَالي وَالجَميعُ لِتِلْكَ المُعْجِزاتِ البَاهِرَة المُتَكَرِّرَة، وَخافَ مِن هِياجِ الشَّعبِ، فَاستَدْعَى تَقلا وَقالَ لهَا بِصَوْتٍ لَطيف: "مَنْ أَنْتِ أَيَّتُها الفَتاةِ وَما الّذي يَرُدُّ عَنْها هَذِهِ الوُحوشَ وَالحَيَواناتِ المُفْتَرِسَة؟ فَأَجابَتِ البَتولُ بِإحتِشامٍ وَوَقار: أَنا تَقلا أمَةُ يَسوعَ المَسيح ابنِ اللهِ الحَيّ. وَهْوَ وَحْدَهُ الطَّريقُ وَالحَقُّ وَالحَياةُ وَخَلاصُ النُّفُوسِ، وَهْوَ نجاةُ المَأسورِينَ وَتَعْزِيَةُ الحَزانى، وَهْوَ الّذي أَنْقَذَني مِنَ الوُحوشِ وَالمَوْتِ، وَهْوَ الّذي يحفَظُني بِنِعْمَتِهِ لِئَّلاّ أَعثُرَ فَلَهُ المجدُ وَالكَرامَةُ إِلى الأَبَد". حينَئِذٍ أَعْلَنَ الوالي أَمامَ الجَميع ِوَقالَ: "أَنا تَقْلا أمَةَ يَسوع المَسيح هِيَ طَليقَةٌ حُرَّة". فَتَعالَتْ أَصواتُ الفَرَحِ وَالإِستِحْسانِ مِنْ كُلِّ صَوْبٍ وخَرَجَتِ البَتولُ مِنَ المَشْهَدِ وَذَهَبَت إِلى بَيْتِ السَّيِّدَةِ الشَّريفَةِ طرُوفينا الّتي كانَت تَعْطُفُ عَلَيْها. وَلمّا عَلِمَتْ تَقلا أَنَّ بُولُسَ الرَّسولَ في ميراليكيا ذَهَبَت إِلَيهِ وَقَصَّت كُلَّ ما حَدَثَ لهَا. فَمَجَّدَ اللهَ مَعَها وثَبَّتَها في الإِيمانِ وَشَجَّعَها عَلى مُتابَعَةِ أَعْمالِ الرِّسالَةِ الّتي بَدَأَت بهِا. عادَتْ تَقلا مِنْ هُناكَ إِلى إيقونِيَة تُبَشِّرُ مُواطِنيها بِإنجيلِ الرَّبِّ وَكانَ خَطيبُها قَد مات. أَمَّا أُمُّها فَكانَتْ لم تَزَلْ حَيَّة. فاجتَهَدَت في إِقْناعِها لِتُؤمِنَ بِاللهِ الحَيِّ الّذي صَنَعَ السَّماءَ وَالأَرْضَ وَأَنقَذَها مِنَ النَّارِ وَالوُحوشِ الضَّارِيَة. بَعد ذَلِكَ ذَهَبَتْ إِلى مَدينَةِ سلوقِيَة وَقَضَتْ باقي أَيّامِ حَياتهِا في مَنزلٍ مُنْفَرِد. وَآَمَنَ عَلى يَدِهَا خَلْقٌ لا يَكادُ يحُصَى لهُم عَدَدٌ لأَنَّ استِقامَةَ سيرَتِها كانَت لِكُلِّ مَنْ يَراها بُرْهانًا جَلِيًّا مُقْنِعًا يحَقِّقُ لهم الدِّيانَةَ المَسيحِيَّة. وَلِهَذا لَقَّبَها بَعْضُ الآباءِ بِرَسولِ سلُوقِيَة. مَوْتُ القِدّيسَة تَقلا الشَّهيدَة وَتمجيدها عاشَتْ تَقلا تِسعين سَنَة. كانَتْ أُعجوبَةَ دَهرِها وَمْوضوعَ إِكرامٍ واحتِرامِ الشُّعوبِ لهَا. رَقَدَتْ بِالرَّبّ، في مَدينَةِ سلُوقِيَة بِطُمَأنينَةٍ وَسَلام. وَطارَتْ نَفْسُها إِلى الأَخدارِ العُلوِيّة، وَإِلى المَسيحِ خَتَنِها، وَبُولُسَ الرَّسولِ مُعَلِّمِها، وَسائِرَ الرُّسُلِ وَالشُّهَدَاءِ الّذينَ مَثَلَّتْهُم في حَياتهِا وَغَيرَتهِا وَفَضائِلِها. وَدُفِنَت في مَدينَةِ سلوقِيَة حَيْثُ ماتَت. وَحَجَّ القِدّيس غريغُوريوس النزيَنزي لِزِيارَةِ ضَريحِها في سلوقِيَة. وفي عهدِ الملوكِ المسيحيّين بعدَ الإضطهاد الكبير، تمَّ بناءُ كنيسة تحمِلُ اسمَها، على قبرها، وَزارَتها القِدّيسَتانِ مارانا وَكورا الحَلَبِيَّتان. ذاعَ صيتُ قَداسَتِها وَعَجائِبِها وَما صَنَعَ اللهُ مِنَ المُعجِزات في سَبيلِها، فَمَلأَ الدُّنيا. وَلَمْ يَبْقَ خطيبٌ في الأَجيالِ الأُولى لِلكَنيسَةِ إِلاّ وفاضَ في مَديحِها، نَظيرَ باسيليُوس وَغرِيغوريُوس ويوحنا الذَّهَبِيّ الفَم وَامبروسْيوس وإِيرونيموس وَجميعِ الآباءِ القِدّيسينَ وَسائِرَ الكَتَبَةِ الأَقْدَمينَ الّذينَ تَكَلَّمُوا عَنْها واعتَبرُوها الأُولى بينَ الشّهيدات، وإن كانَ الرَّأيُ العامُ يُحقِّقُ أَنَّها لمَ تَمُت في عَذابٍ مِنَ العذاباتِ الَّتي قاسَتْها مِنَ المُضطَهَدينَ بَلْ أَنهَت حَياتَها بِسَلامٍ بِمَوتٍ طَبيعيّ. وَذَلِكَ لأَنَّها كانَتْ أوَّلُ مَن قاسى مِثلَ هَذِهِ العَذاباتِ مِن جِنسِ النِّساء. وَكانوا عِندَما يُريدونَ أَن يُعَظِّموا إِحدى القِدِّيساتِ يُشَبِّهونَها بِتَقلا، وَيَدعونَها تَقلا الجَديدَة. فأوسابيُوس يَدعو قِدِّيسَةً نالَتْ إِكليلَ الشَّهادَةِ في أيَّامِهِ، تَقلا الجَديدَة. وَكَذَلِكَ القِدِّيسُ إيُونيمُوس يَدعو القِدِّيسَةَ ميلاني الرُّومانِيَّةَ تَقلا الجَديدَة تَعظيمًا لهَا. وَالقِدِّيسَةُ إيليا وَالدَةُ القِدِّيس باسيليُوس الكبير اجتَهَدَت بِأَن تَخُصَّ ابنَتَها القِدِّيسَة ماكرينا بِهَذا الإِسم أي تَقلا الجَديدَة وَهَكَذا يَدعوها القِدِّيسُ غريغوريُوس الثَّاولوغوس. وَالقِدِّيس ماوديوس يَقول: مِثلَما فاقَت القِدِّيسَةُ تَقلا جَميعَ البَتولاتِ في إِتْقانِ الفَضائِلِ، هَكَذا سَمَت عَلَيهِنَّ في احتِمالِ الجِهاداتِ المُختَلِفَةِ بِشَجاعَةٍ لا تُغلَب. وَكانَت مَعَ لُطفِ جِسمِها وَضُعفِهِ حاصِلةً على غيرَةِ جَميعِ الشُّهداءِ وَبَسالَتِهِم وَبُطولَتِهِم. وَالقِدِّيسُ غريغُوريُوس النَّزينْزي يَقولُ على سَبيلِ الإِستِعارَة: إِنَّها كانَت تَستَخرِجُ العِطرَ الزَّكِيَّ مِن زَهرَةِ الزَّنبَقِ أَيْ تُضيفُ إلى حِفْظِ طَهارَتِها الكامِلَةِ مُمارَسَةَ الأعَمالِ الصَّالِحَةِ والإِماتاتِ وَالتَّقَشُّفاتِ وَقَهرِ الإِرادَةِ وَضَبطِ الحَواسِ باطِنًا وَظاهرًا. وَالقِدِّيسُ أبيفانيُوس يُشبِّهُ القِدِّيسةَ تَقلا بإيلِيَّا النَّبي وَبالقِدِّيسِ يُوحَنَّا الإِنجيلِيّ وبِأَعظَمِ القِدِّيسينَ الَّذينَ تُكَرِّمُهُم الكَنيسَةُ المُقَدَّسَة بِعِبادَةٍ خُصوصيَّة. وَالقِدِّيس امبروسيُوس يُقدِّمُ القِدِّيسةَ تَقلا لِجَميعِ العَذارى المَسيحيَّاتِ قُدوَةً ومِثالاً حَيًّا أَكمَل بَعدَ القِدِّيسَةِ والدَةِ الإِلَهِ مَلِكَةِ السَّماءِ وَالأَرضِ الكُليَّةِ الطّوبى وَسُلطانَةِ العَذارى. كَتَبَ القِدِّيسُ إيسيدورُس الدُّمياطيّ إلى راهِباتِ أَحَدِ الأَديارِ فَقال: "مِن بَعدِ يهوديت وَسوسَنَة العَفيفَة وَإِبنَةِ يفتاح لا يَحُقُّ لأَحَدٍ أن يَنسِبَ الضُّعفَ إلى جِنسِ النِّساء. لا سِيَّما عِندَما نَرى تَقلا، تِلكَ البَطَلَةَ المُتَقَدِّمَةَ بَينَ البَطَلاتِ مِنَ البَناتِ، البَتولَ الذَّائِعَةَ الصِّيتِ في الدُّنيا كلِّها، حامِلَةً عاليًا عَلمَ الطَّهارَةِ وَالبَرارَةِ، وَقَد فازَت فَوزًا باهِرًا في مَعارِكَ شَديدَة... نوقِنُ أنَّ قُلوبَ النِّساءِ يُمكِنُها أن تَكونَ جَبَّارَة". وَقَد أضحى قَبرُ هَذِهِ القِدِّيسَة الشَّهيدَة في سلوقيَة يُنبوعًا فائِضًا بالنِّعَمِ وَالبَرَكات. وَفي المَجمَعِ المَسكونيِّ السَّابِع المُنعَقِد سَنَة 788 ضِدَّ محارِبي الأَيقونات، تكلَّم أُسقُف سلوقيَة القِدِّيس بِفَصاحَةٍ وإِسهابٍ عَن القِدِّيسَةِ تَقلا وَعَنِ العَجائِبِ الَّتي يُجريها اللهُ على ضَريحِها فَقال: "إِنَّني أُؤَكِّدُ بِلا تَرَدُّد أنَّهُ ما مِن إِنسانٍ زارَ ضَريحَها وَطَلَبَ شَفاعَتَها وَعادَ خائِباً. بَل نَرى النَّاسَ يَعودونَ مِن تِلكَ الزِّيارَةِ وَهُم يُمَجِّدونَ اللهَ على ما نالوا بِشَفاعَتِها أكثَرَ مِمَّا كانوا يَرجون وَيُسَبِّحونَ تِلكَ البَتولَ المَلائِكيَّة". فعقَّبَ حضرة الأرشمندريت ميشال عسَّاف قائلاً: "وَأَنَّ بِلاد اسبانِيَة تَفتَخِرُ اليَومَ بِحُصولِها على ذَخائِرِ القِدِّيسَةِ تقلا أولى الشَّهيداتِ ومُعادَلَةِ الرُّسُل". وَمِمَّا جاءَ في كِتابِ البولانديِّين الصِّغار: وَأَنَّ بَعضَ الشُّهَداءِ في وَسَطِ العَذاباتِ كانوا يَبتَهِلونَ إلى الله أن يُنقِذَهُم مِنها كَما أَنقَذَ تَقلا مِنَ النَّارِ وَالوُحوشِ المُفتَرِسَةِ وَسائِرِ أَنواعِ العَذاباتِ، كَما يَظهَرُ ذَلِكَ مِن أَعمالِ استِشهادِ القِدِّيسِ تَرنسيُوس وَرفقَتِه. وَيقول القِدِّيسُ كبريانوس في إِحدى صَلَواتِهِ إلى الله: "أُعضُدنا يا الله وَكُن مَعَنا كَما كُنتَ مَعَ القِدِّيسِ بولُسَ في القُيودِ وَمَعَ القِدِّيسَةِ تَقلا في وَسَطِ اللَّهيب". وَقالَ يَومَ استِشهادِهِ بالذَّات: "أنقِذْني يا رَبُّ مِن هَذا العالَمِ كَما أنقَذتَ القِدِّيسَة تَقلا مِن وَسَطِ المَضايِق". وَالكَنيسَةُ في صَلَواتِها تَتَوَسَّلُ إلى اللهِ بِشَفاعَةِ القِدِّيسَة تَقلا لأَجلِ نُفوسِ المُنازِعينَ فَتَقول: "نَبتَهِلُ إلَيكَ يا رَبُّ كَما أَنقَذتَ القِدِّيسَة تَقلا مِن أعذبتِها الثَّلاثَةِ القاسِيَةِ أَن تُنقِذَ أيضًا هَذِهِ النَّفسَ وَتَجعَلَها تَتَمَتَّعُ مَعَكَ بالخَيراتِ السَّماوِيَّة". وَقَد بَنى لهَا الأمبراطورُ زَينون في سلوقِيَة كَنيسةً فَخمَةً شُكرًا لهَا لأَنَّها ساعَدَتهُ على استِرجاعِ مُلكِه. كَذَلِكَ شَيَّدَ يوستينانوس على اسمِها كَنيسةً فَخمَةً جِدًا في نيقيَة. يصِفُ القِدِّيس زَينون أُسقُف فيرونا الشَّهيد، في كِتابِهِ "المَخافَة" شَجاعَتَها وَشِدَّةَ عَذابِها وَصفًا بَديعًا. ويقولُ القِدِّيسُ يُوحَّنا فَمِ الذَّهَب ما خُلاصَته: يَلوحُ لي أنِّي أرى القِدِّيسَةَ تَقلا المَغبوطَةَ حامِلَةً بإِحدى يَدَيْها إِكليلَ الطَّهارَةِ وبِاليَدِ الأُخرى إِكليلَ الإِستِشهاد. كانَ القِدِّيسُ برنسيب أخو القِدِّيسِ ريمي مُتَعَبِدًا بِعِبادَةِ حارَّةٍ لِقدِّيسَتِنا، الَّتي بَنى لها كَنيسَةً خارِجَ المَدينَةِ. وجاءَ في كِتابِ البولانديِّينَ الصِّغارِ المَذكور: "أمَّا جُثمانَها، فَبَعدَ أن دُفِنَ في سلوقيَة، نُقِلَ إلى كاتِدرائِيَّة تراغونا في إسبانِيَا المُشَيَّدَة على إسمِها. وَيُروَى في تَقاليدِ تِلكَ البِلادِ أنَّ بُطرُسَ الخامِسَ مَلِكَ أراغوان أرادَ أن يَضُمَّ إلى أَملاكِهِ بِقُوَّةِ السِّلاحِ بَعضَ أملاكِ تِلكَ الكَنيسَةِ، فَكانَ عِقابُهُ أنَّ القِدِّيسَةَ صَفَعَتهُ صَفعَةً فَمَرَضَ وَمات. وَقَد اعتَرَفَ قَبْلَ مَوتِهِ أَنَّ ذَلِكَ القَصاص كانَ مِنَ اللهِ وَمِن ثَمَّ أَعادَ إِلى الكَنيسَةِ الأَملاكَ الَّتي اغتَصَبَها وَعَوَّضَ الأَضرارَ النَّاجِمَةِ مِن ذَلِكَ الإِغتِصاب". "وأَنَّ كَنائِسَ أخرى تَتَشَرَّف بِالحُصولِ على بَعضِ ذَخائِرِها، نَظيرَ مَدينَةِ شرتر في فرنسا، وَكَنيسَةِ السَّيِّدَة في فرنون على ضِفافِ نَهرِ السِّين، وَكنيسَةِ ميلانو أَيضًا في إيطاليا. لِذَلِكَ تُعتَبَرُ هَذِهِ الكَنائِسِ، القِدِّيسَةَ تَقلا شَفيعَةً خاصَّةً لهَا وَتُعَيِّدُ كلَّ سَنَةٍ عيدَها بإِحتِفالٍ على نَسَقِ الأعيادِ السَّيديَّةِ الكُبرى مُدَّة ثَمانِيَةِ أيَّام". طريقَةُ تَصويرِ القِدِّيسَة تَقلا:
كنائِسُ مار تَقلا ولِمار تَقلا كَنائِسٌ مُتَعَدِّدَةٌ في كافَّةِ أنحاءِ المَسكونَةِ، وَيُمكِنُنا القَولَ أنَّ عَدَدَها يَأتي في الرُّتبَةِ الثَّانِيَةِ بَعدَ الكَنائِسِ المَبنِيَّةِ على إسمِ السَّيِّدَةِ العَذراءِ والِدَةِ الإِلَه. وَلهَا، عَلَيها أشرَفُ السَّلام، في هَذِه الكَنائِسِ وفي كُلِّ جِوارِها حَوادِثٌ وَعَجائِبٌ واضِحَةٌ مُدهِشَةٌ، يُرَدِّدُ اخبارَها الَّذينَ جَرَت مَعَهُم وَعُمومُ النَّاس، قَديمَةًكانت أو حَديثَةً، بِكُلِّ سُرورٍ وابتِهاجٍ. وَكَما في كَنائِسِها بِوادي شَحرور وَالمروج وَزَحلِه وَبعَلبَك، وَحَوش الأُمَراء وَتربُل وَدَير عَين الجَوزِه صُغبين، وَفي غَزير وَشَدرا في بِلادِ عَكَّار، وَفي حَردين وجبَيل وَسمار جبَيل وَعَمشيت وَكفَرصيّادا وَمِشمِش وَالعاقورا وَشامات والبوار وبَسكِنتا وَزبّوغا وكفَرسِلوان وَحاصبَيَّا المَتن والعِربانيَّة وَعَين عار وقُرنَة شِهوان وَالفرَيكِه وَالبرَيج والمَسقا قُرب برمَّانا وبَيت مِري وبقنَّايا وَجَلّ الدِّيب وَسدّ البوشريِّة، وَفي الشّبانيِّة وَالمزارِع قِربَ بعَبدا وبَمريم ورِشمَيَّا ومَجْدلَيَّا وَدقّون وكفَرقَطرا وَبكاسين وَريمات والشَّقاديف وكفَرشيما وَالدَّامور وَقُربَ مَدينَة صور، وَفي جَبَلِ اللِّكام، وَمَعلولا، وفي مَصر الجَديدَة وَغَيرِها. وَيَصُحُّ أَنْ يُقالَ عَنها ما قالَهُ عَن ضَريحِها المُقَدَّسِ في مَدينَةِ سلوقيَة، أسقفها الجليل. |
|