أنتم نور العالم
وأما أن نفوس الأبرار تصير نورًا سماويًا، فهذا هو ما أعلنه الرب للرسل، عندما قال " أنتم نور العالم" (متى 14:5) لأنه صيّرهم نوراً أولاً، ثم بعد ذلك أمر بأن يستنير بهم العالم إذ يقول " لا يوقدون سراجاً ويضعونه تحت المكيال، بل على المنارة فيضئ لكل من في البيت، فليضئ نوركم هكذا قدام الناس" (متى 5: 16،15).
وبمعنى آخر، لا تخفوا الموهبة التي قبلتموها منى، بل أعطوا لكل الذين يرغبون أن ينالوها. وقال أيضًا " سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً. فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون" (متى 23،22:6 ، لوقا 34:11)، فكما أن العينين هما نور الجسد ـ وطالما هما بحالة جيدة ـ فالجسد كله يكون نيراً، ولكن إن حدث لهما حادث فأظلمتا، يصير الجسد كله في ظلمة، هكذا قد جعل الرسل ليكونوا عيوناً ونوراً للعالم كله.
لذلك فإن الرب أمرهم بهذا القول: فأنتم الذين هم بمثابة نور الجسد، إن كنتم تثبتون ولا تنصرفون عنى، فحينئذ يستنير جسد العالم كله، وأما إن كنتم وأنتم النور تكونون مظلمين فما أعظم تلك الظلمة، التي هي ليست شيئًا سوى ظلمة العالم. وهكذا فإن الرسل، إذ كانوا هم أنفسهم نوراً، فقد أعطوا النور لأولئك الذين آمنوا، إذ أناروا قلوبهم بذلك النور السماوي ـ نور الروح الذي كانوا هم أنفسهم مستنيرين به.