رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أسئلة وأجوبة عن والدة الإله من كِتاب "سألتني فأجبتُكَ" س 168 – ما هي عقيدة "الحبل بدون دنس" ولماذا ترفضها الكنيسة الأرثوذكسية؟ وما هو "الدنس" أصلاً؟وما علاقة هذه العقيدة بصعود العذراء إلى السماء؟ ج 168 -عُرِّف "الحبل بلا دنس" كعقيدة من قبل البابا بيوس التاسع في العام 1854 (في Ineffabilis Deus) أو "الدستور الرسولي". وبما أن الأرثوذكس عادة متَّهمون بسوء تمثيل هذه العقيدة، إليكم المقطع المتعلق بها في الموسوعة الكاثوليكية Catholic Encyclopedia: "في الدستور Ineffabilis Deusفي الثامن من كانون الأول، 1854، أعلن البابا بيوس التاسع وعرَّف أن المغبوطة العذراء مريم ’في أول لحظة من حبلها، وبميزة وحيدة ونعمة ممنوحة من الله، بسبب فضائل يسوع المسيح، مخلِّص الجنس البشري، قد حُفظت معفاة من كل لطخة من الخطية الأصلية‘. إن موضوع هذه المناعة ضد الخطية الأصلية[1] هو شخص مريم في لحظة خلق نفسها ونفخها في جسدها. إن تعبير الحبل لا يعني الحبل الفاعل أو المولِّد من قبل والديها. لقد شُكِّل جسدها في رحم والدتها، وكان للأب النصيب العادي في تشكيله. المسألة لا تتعلق بطهارة الفعل المولِّد لوالديها. ولا يتعلق بالحبل المنفعل بصورة مطلقة وببساطة (conceptio seminis carnis, inchoata)، والذي، بحسب نظام الطبيعة، يسبق نفخ النفس العاقلة. إن الشخص قد حُبل به حقاً عندما خُلقت النفس ونُفخت في الجسد. لقد حُفظت مريم معفاة من كل لطخة الخطية الأصلية في أول لحظة من إحيائها، وأُعطيت لها نعمة مقدِّسة قبل أن يمكن للخطيئة أن تفعل في نفسها. إن الجوهر الفعّال الأساسي للخطيئة الأصلية لم يُزَلْ من نفسها، كما يُزال من آخرين بالمعمودية؛ لقد تم استثناؤه. إن حالة القداسة الأصلية والبراءة والعدالة، المعاكسة للخطيئة الأصلية، قد مُنحت لها، وبهذه العطية فإن كل لطخة وخطأ، كل العواطف الفاسدة، والضعفات، المتعلقة بصورة أساسية في نفسها بالخطيئة الأصلية، قد تم استثناؤها. لكنها لم تُصيَّر معفاة من عقوبات آدم الزمنية: من الحزن، الضعفات الجسدية، والموت. المناعة ضد الخطيئة الأصلية قد أُعطيت إلى مريم باستثناء وحيد من الناموس الكوني بواسطة فضائل المسيح نفسها، والتي بها يُغسل أناسٌ آخرون من الخطيئة بالمعمودية. لقد احتاجت مريم إلى المخلِّص الفادي للحصول على هذا الاستثناء، وللانعتاق من الضرورة الكونية ومن الدَّيْن بسبب خضوعها للخطيئة الأصلية. إن شخص مريم، كنـتيجة لأصلها من آدم، كان يجب أن يكون خاضعاً للخطيئة. لكن، لكونها حواء الجديدة التي كانت ستكون أم آدم الجديد، فقد سُحبت من الناموس العام للخطيئة الأصلية بمشورة الله الأزلية وبفضائل المسيح. إن فداءها كان تحفة حكمة المسيح الفادية بالذات. إنه فادٍ يدفع الدَّيْن… أعظم من الذي يدفعه بعد أن يقع على المديون. هكذا هو معنى تعبير ’الحبل بلا دنس‘". هذه العقيدة رفضها في القرون الوسطى بعض أشهر علماء الكثلكة من مثل رهبان دير Cluny بباريس، والقديسين اللاتين،وبعض أشهر اللاهوتيين الكاثوليك البارزين من مثل Bernard، و Bonaventure، وألبير الكبيروتوما الأكويني، وكلهم مطوَّبون قديسين في الكنيسة الكاثوليكية. بينما المدافعون الأوائل عن هذه العقيدة ( مثل Eadmer و Duns Scotus) لم يكونوا مطوَّبين. وكانت هذه العقيدة مثار جدل في القرون الوسطى بين الدومينيكانيين (أتباع الأكويني) والفرنسيسكانيين (أتباع Duns Scotus). لا يرى الأرثوذكس أن هذا التعليم هو مجرد تطوّر مشروع في التعبير عن العقيدة، بل هو تغيّر في جوهر اللاهوت. ليس لأن الحبل بلا دنس هو ضلال لاهوتي وحسب، بل لأنه يفتح الباب للمزيد من "التطورات" هي أكثر ضلالاً. عقيدة "الحبل بلا دنس" البابوية هذه تعني أن الله قد استثنى مريم من ذنب الخطيئة الأصلية الموروث بالتعريف الكاثوليكي وذلك عندما تمَّ الحبل بها من قبل أمها حنّة. لأنه لو كانت مريم قد ورثت الخطيئة الأصلية وورثت الذنب معها، لما أمكن اختيارها لتحمل ابن الله المتجسد، لأن طفلها سيكون، في هذه الحالة، قد ورث منها الذنب نفسه ولصار تحت الدينونة الإلهية. ولكانت "فضائل" ذبيحته غير كافية للفداء أي لإرضاء العدالة الإلهية وإزالة الغضب الإلهي بالمفهوم الكاثوليكي. قبل استعراض الاحتجاجات الأرثوذكسية على هذه العقيدة، نورد هنا نقطة مهمة وهي أن الكثير من الكاثوليك المدافعين عن هذه العقيدة يحاولون التنقيب في المصادر الآبائية بحثاً وراء كلمة، جملة أو أي نص قد يقوّي موقفهم ويدعمه ولو بطريقة غير مباشرة، أو يحاولون استعمال النص الآبائي خارج إطاره الصحيح. على ضوء هذا تقول Hilda Graef وهي مؤلّفة كاثوليكية في كتابها "مريم: تاريخ العقيدة والتكريس": "بينما تطوّر في الغرب التعليم والتقوى المريميان بصورة مهمة ما بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر، فإنهما بقيا في الشرق أكثر جموداً في بعض الجوانب. لأن التأثيرات الثلاثة التي قرّرت بصورة رئيسية التطورات الغربية كانت غائبة هنا: التعليم الأوغسطيني عن الخطيئة الأصلية، والذي لعب دوراً حاسماً جداً في الجدال حول الحبل بلا دنس؛ والعلمانيون الأميّون وغالباً ما يزالون نصف بربريـين؛ والسكولاستيكية." "لكي أتجنّب التكرارات الكثيرة جداً فسوف أقول للحال أنه يبدو لي أن كامل المسألة كان تُرى من قبل اليونان بنور مختلف بالكلية عما كانت تُعتبر من قبل اللاهوتيين الغربيـين. ففي الكنيسة اليونانية لم تلعب الخطيئة الأصلية قط الدور الغالب (الراجح) نفسه كما في الفكر الغربي ما بعد أوغسطينوس. فمنذ أبكر الأزمنة قد اُفترض كحقيقة لا تُفنَّد أن مريم كانت أنقى خليقة يمكن تصوّرها، أعلى الملائكة بدون استثناء. حتى أن القديس يوحنا الدمشقي قد اعتبر حبلها الفاعل أنه بدون خطيئة، لكنه لم يشارك وجهة النظر الأوغسطينية عن الخطيئة الأصلية كذنب موروث ينـتقل بالفعل الجنسي، فالمسألة لم تطرح نفسها عليه أبداً بالطريقة التي فعلتها على اللاهوتيين اللاتين. فاليونانيون رأوا الخطيئة الأصلية أكثر مواتية مع كل تضمناتها، وأن والدة الإله كانت خاضعة لهذا، فهم لم يعفوها منها. ومن جهة أخرى، رغم أنهم قد أكّدوا على نقاوة مريم التامة، فقد كانوا أقل اهتماماً من اللاهوتيين الغربيين في مسألة اللحظة ذاتها عندما قد تـثبّت هذا. يمكننا القول تقريباً إن اللاتين قد اعتبروا المسألة من الوجهة التاريخية، أما اليونان فمن الوجهة ما وراء الطبيعية (الميتافيزيقية)؛ السابقون (اللاتين) كانوا مهتمّين بزمن بدء هذه النقاوة، أما اللاحقون (اليونان) فكانوا مهتمين فقط بحقيقة أنها كانت موجودة. لهذا السبب لا أظن أنه يستطيع أي واحد أن يطالب هؤلاء المؤلفين اليونان من جهة الحبل بلا دنس"[2]. نتعرف هنا إذاً بأنّ تراثنا اليوناني معاكس لعقيدة الحبل بلا دنس. معجم الروحانية الفرنسي الكاثوليكي في الفصل الخاص بمريم العذراء ذكر صراحة قول غريغوريوس اللاهوتي ويوحنا الدمشقي: حلَّ الروح القدس على مريم العذراء أثناء البشارة بالحبل وطهّرها. وقال بالاماس: " ... ليطّهر طبيعتي" (العظة على التجسد، 14:8). فمعاكسة روما لتقليدنا هذا وفي نقطة سطحية دليل على إمعانها في المجافاة والمقاطعة وتقطيع الأوصال. العيب الكبير في الموضوع هو انعدام أي نص في الكتاب المقدس والقرون الأولى يقول إِنّ الروح القدس حلَّ على حنة أم العذراء أثناء الحبل. المسألة إذاً تحاليل عقلية بدون أساس في الوحي الإلهي. وهي تعني أنّ مريم العذراء مختارة بموجب القضاء والقدر لا بسبب برِّها الذاتي. الكثلكة تحارب القضاء والقدر لدى الكلفينية وتقع فيه ههنا. اللاهوتي الكاثولكي d'Alès صرّح في كتابه "مجمع نيقية" بأنّ الأرثوذكسية أقرب إلى الكتاب المقدس. وبما أنّ تراثنا اليوناني يرفض هذه العقيدة فكان على روما أن لا تزيد اسفيناً في حسن علاقات الأرثوذكس بالكاثوليك. فعقيدتا الحبل بلا دنس والصعود إلى السماء بالجسد لا تتعلقان بخلاصنا. ولذلك هما رأي لا عقيدة. بموجب عقيدة الحبل بلا دنس يصبح الأرثوذكس في نظر العقائدية الكاثوليكية هراطقة. هذا ما لم نقدم عليه في مآخذنا على روما العزيزة ليبقى باب الوحدة والمحبة مفتوحاً بيننا. وسيرج بولغاكوف قال إنّ الأرثوذكسية لم تعقد أي مجمع مسكوني بعد انفصال روما لأنّه لا يجوز عقده بدونها[3]. نموذج أو استثناء؟ لاحظ الأب شميمان أن الحبل بلا دنس يجعل مريم العذراء "الاستثناء الأعظم" للبشرية، وليس "النموذج الأعظم". هذا هو الاعتراض الأرثوذكسي الأول على هذه العقيدة: إنها تضع أم الله على حدة بالنسبة للبشرية ، ليس فقط في درجة نقاوتها، بل أيضاً في النوعية. اللاهوتيون في الشرق والغرب معاً سبّحوا ورتّلوا لنقاوة العذراء. وبالفعل، بصورة عامة، إن التراتيل في الكنيسة الأرثوذكسية أغزر وأجمل. فكل واحد إذن موافق على أن العذراء كانت نقية، لكن كيف ومتى صارت هكذا، وأية معانٍ تحمل؟ إن نقطة البدء في الخلاف بين التقليد الشرقي والغربي قد ذكرته Graef أعلاه وهي التعريف الأوغسطيني للخطية الأصلية كذنب موروث أو تلوّث لخطيئة آدم والذي ينتقل بالتناسل الجنسي. هكذا، إن الخطيئة الأصلية تُرى أولاً وبالأغلب كذنب موروث. أنسلموسAnselm أسقف كانتربري سيعيد تعريف هذا كغياب العدالة الأصلية. ورغم أن أنسلموسAnselm لم يعلّم الحبل بلا دنس – قال بصورة خاصة إن مريم قد وُلدت بالخطيئة الأصلية – إلا أن Graef تلاحظ دور أنسلموسAnselm في تطوّر هذه الفكرة: "إذا كانت مريم أنقى كل الخلائق، وإذا كانت الخطيئة الأصلية ما هي سوى غياب العدالة الأصلية، عندئذ لا يحتاج الأمر أكثر من توقع نتائج آلام المسيح لصنع الحبل بلا دنس مقبولاً لاهوتياً"[4]. هذا الاستنتاج قد صنعه تلميذ أنسلموسAnselm وهو Eadmer، الذي كتب "أول تفسير مفصَّل لعقيدة الحبل بلا دنس". وحاجّ أنه إذا كان باستطاعة حبة الكستناء أن تنمو تحت الشوك بدون أن تتأذى به، فالله إذن كان باستطاعته أن يجعل الحبل بالعذراء من والدين خاطئين بدون أن تكون هي نفسها ممسوسة بالخطيئة. "يمكنه بالتأكيد أن يفعله؛ إذاً، إذا كان قد أراده، فقد فعله". بالطبع لن ينكر أي مسيحي أرثوذكسي أن الله يستطيع أن يفعل أي شيء يريده، لكن هذا يطرح السؤال وهو فيما إذا كان قد فعله بهذه الطريقة أم لا. فبالنسبة للأرثوذكس، لا يرث الإنسانُ الذنبَ عن خطيئة آدم، بل بالحري يرث نتائج تلك الخطيئة، أي طبيعة مستَعبدة للفساد والموت. ومن الملاحظ هنا أن الأرثوذكس لم يطوّرا أبداً إطاراً قضائياً لفهم الخطيئة والخلاص كما حدث في الغرب. فالقول إذاً بأن العذراء قد أُعفيت من الخطيئة الأصلية هو مساوٍ للقول بأنها معفية من كونها بشرية. لاحظ أنه في شرح العقيدة من الموسوعة الكاثوليكية أنه قد قيل إن الخطيئة الأصلية لم تُبعَد منها، بل تم استبعادها بالكامل (أي لم تقل إن الخطيئة الأصلية وجدت في مريم ومن ثم تمّت إزالتها، بل لم توجد فيها بالأصل أبداً). لقد أُعفيت من الخطيئة الأصلية ومن كل الأهواء التي تسير معها. حقاً هذا يجعل العذراء استثناءً للجنس البشري، وليس مجداً مكلّلاً. وبالتالي يلغي كل فضيلة وتقوى في العذراء قبل أن تصير أم الله، ويحوّلها إلى مجرد أداة منفعلة لله، ويهمّش التدبير الإلهي في العهد القديم الهادف إلى التهيئة لملء الزمان. بالنسبة للأرثوذكس، إن مجد مريم يكمن بالضبط في حقيقة أنها بشرية مثلنا، بما في ذلك الطبيعة البشرية الخاضعة للأهواء. القديس يوحنا مكسيموفيتش أسقف سان فرنسيسكو يقول: "هذا التعليم، والذي له ظاهرياً هدف إعلاء أم الله، ينكر في الحقيقة بالكلية كل فضائلها… إن برّ العذراء مريم وقداستها قد أُظهرا في حقيقة أنها، لكونها ’بشرية مع أهواء مثلنا‘ قد أحبت الله جداً ووهبت نفسها له، حتى بنقاوتها تُعلَّى فوق بقية الجنس البشري. لهذا، وقد تمت معرفة هذا سلفاً وانتخابه ، فقد مُنحت أن تكون مطهَّرة بالروح القدس الذي حلَّ عليها، وأن تحبل به، بمخلِّص العالم ذاته. إن تعليم حالة اللاخطيئة الممنوحة بالنعمة للعذراء مريم تنكر انتصارها على التجارب؛ فبدل منتصرة مستحقة أن تُكلَّل بأكاليل المجد، يجعلها هذا أداة عمياء لعناية الله"[5]. يذكر القديس يوحنا هنا نقطة مهمة: إذا كانت مريم معفاة من الأهواء، عندئذ فإن قولها ليكن – قولها "ليكن لي بحسب كلمتك" – لا معنى له. أي أنها لم تكن سوى مجرد أداة منفعلة في خطة الخلاص. بالطبع سينكر الكاثوليك هذا؛ مع ذلك، فهو النـتيجة الحتمية لعقيدة الحبل بلا دنس. من المثير للاهتمام، أن منشور البابا يوحنا بولس الثاني Redemptoris Materقد طُبع في شكل كتاب في الولايات المتحدة بعنوان: مريم، نَعَم الله للإنسان Mary, God’s Yes to Man.[6] على كل، بالنسبة للأرثوذكس، فإن مريم تمثّل الجواب الحّر الأكثر كمالاً، جواب الإنسان لله. إن قولها "ليكن" هو "نعم" البشرية لله: مسار خاطئ بالإضافة إلى أن حقيقة الحبل بلا دنس مبنية على فهم خاطئ للخطيئة الأصلية (ولإطارها الحقوقي)، وبالإضافة إلى حقيقة أنه يجعل العذراء استثناءً للجنس البشري، فإن الأرثوذكس يعارضون أيضاً هذه العقيدة على أساس أنها ستؤدي بصورة طبيعية إلى إعلاء أم الله على قدم المساواة مع الله نفسه. صعود العذراء إلى السماء في العام 1950 أعلن البابا بيوس الثاني عشر في "الدستور الرسولي" عقيدة الإيمان بانتقال العذراء جسدياً إلى السماء. عقيدة الحبل بلا دنس أعفت العذراء، كما وجدنا، من "الخطيئة الأصلية" و"الذنب الموروث" (بالتعبير الكاثوليكي) وبالتالي من نتائج سقوط آدم. لهذا لا يمكن بحسب هذه العقيدة أن تموت العذراء (أن تترك روحُها جسدَها)، لأنه لا يمكن لله أن يعاقبها بالموت طالما لم ترث الخطيئة الأصلية، وطالما كان الموت في اللاهوت الأوغسطيني[7] عقاباً على الخطيئة الأصلية (وليس نتيجة لها كما في المفهوم الأرثوذكسي). ومن جهة أخرى لم يترك أوغسطينوس نفسه أي مجال "لامتياز أو نعمة فردية"وأي استثناءاتٍ للدينونة الإلهية. وحتى لا يظهر أي تناقض في التعليم البابوي فإن البابا بيوس قد صاغ تعليم "صعود العذراء" بأكثر طريقة غموضاً دون أن يذكر صراحة موتها: "بعد أن أتمّت مسيرة حياتها الأرضية، نُقلت مريم جسداً ونفساً إلى المجد السماوي". أما مسألة موتها (مغادرة روحها لجسدها) فقد تُركت للاهوت اللاتيني ليجيب عليها ضمن تعليمه بالحبل بلا دنس. البابا بيوس الثاني عشر ذكر في تعليمه بصعود العذراء إلى السماء إجماع آباء الكنيسة بأن العذراء قد انتقلت جسداً وروحاً إلى السماء. لكن ما أغفله البابا بيوس هو تعاليم الآباء المهمّة التالية: الله لم يخلق الموت (بل كان نتيجةً لسقوط آدم)، العذراء ماتت حقاً (روحها غادرت جسدها) والمسيح استقبل روحها البارّة. الرسل القديسون اجتمعوا من أنحاء المعمورة ليشتركوا بتجنيز أمّ الحياة؛ المسيح أصعد أمّه البارة من القبر بالجسد في اليوم الثالث؛ جسد العذراء لم يعرف فساداً لأنه جسد أم الحياة المتألِّه. لم تستطع الكنيسة الكاثوليكية أن تعترف بأن العذراء قد ماتت فعلاً قبل صعودها إلى السماء وإلا لتعارض هذا التعليم مع تعليم "الحبل بلا دنس" ومع اللاهوت الأوغسطيني، ومع "عصمة البابا" ومع تعليم مجمع ترنت القائل بأن الله خلق الموت كقرارٍ قضائي غاضب لعقاب البشرية. لا يمكن القول ببساطة إن الأرثوذكس والكاثوليك يشتركون في التعليم الواحد بصعود العذراء إلى السماء. لأنه من المستحيل للإيمان الأرثوذكسي أن يعترف بصعود العذراء إلى السماء بالجسد قبل أن يؤمن بأنها ماتت فعلاً ودُفنت. لهذا السبب تفضّل الكنيسة الأرثوذكسية استعمال تعبير "رقاد العذراء" لعيدها في 15 آب (بالتقويم الجديد) بدلاً من تعبير "صعود العذراء". فتعبير "صعود العذراء" بدون موتها يرفعها إلى مستوى إلهة. لهذا يقول يوحنا الدمشقي: "نحن نحتفل برقادها. نحن لا ندعوها إلهة؛ لا سمح الله! أساطير كهذه تنـتمي إلى شعوذة وثنية، لأننا حتى نعلن موتها"[8]. ترتّل الكنيسة يوم عيد "رقاد العذراء": "في ميلادكِ حفظتِ البتولية وصنتها، وفي رقادكِ ما أهملتِ العالم وتركته يا والدة الإله، لأنكِ انتقلتِ إلى الحياة بما أنكِ أمّ الحياة، فبشفاعاتكِ أنقذي من الموت نفوسنا". (د. عدنان طرابلسي) س 178 - كيف تدعو الكنيسة الأرثوذكسية العذراء مريم "أم الله" أو "والدة الإله" مع أن المسيح قد أخذ من مريم طبيعة بشرية فقط؟ وكيف ولدت العذراء مريم اللهَ؟ ولماذا ترفض الفئات البروتستانتية استعمال هذا اللقب؟ ج 178 – العقيدة المريمية مؤسَّسة على العقيدة الخريستولوجية (التعليم عن شخص المسيح). حتى نفهم لقب "والدة الإله" المنسوب إلى العذراء يجب أولاً أن نفهم التعليم الصحيح المتعلّق بشخص المسيح المجيد. يسوع المسيح هو الله المتجسد. أي هو الله الكامل والإنسان الكامل. إنما هو شخص (أقنوم) واحد لا شخصان. شخصه الإلهي كان شخص طبيعته الإلهية (اللاهوت) قبل تجسده. في يوم التجسد (يوم بشارة العذراء)، أخذ الرب يسوع من العذراء طبيعة بشرية كاملة بعد أن حلَّ الروح القدس على العذراء وقدّسها وطهّرها (غريغوريوس اللاهوتي والدمشقي). فصار شخصه الإلهي الواحد شخص طبيعته الإلهية وطبيعته البشرية (الناسوت) معاً على حد سواء. إذاً يسوع هو شخصٌ واحد لا شخصان. العذراء مريم لم تلد ناسوت يسوع مجردّاً!أقنوم يسوع ضمّ إليه منها طبيعته البشرية.في دستور الإيمان نقول: "نزل من السماء وتجسّد ... وتأنّس". هو نفسه الواحد إله وإنسان بدون إمكان تجزئة أوانفصال، شخص واحد. نقول مريم أم الله لأنّ الأقنوم واحد لا ينفصل. فهي ولدت شخصَ يسوع بكامله، أي ولدت اللهَ المتجسد بالتعريف. من هنا فإن تسمية العذراء "أم الله" ليست تسمية صحيحة فقط بل يجب تسميتها هكذا وإلا شققنا شخص يسوع وطعنّا في الخريستولوجيا. في الإنجيل دُعيت العذراء أم ابن العلي وأم ابن الله (لو 1: 31 و32 و35) وأم الرب (لو 1: 43) وأم يسوع (أع 1: 14). ودُعيت أيضاً أم عمانوئيل (مت 1: 23) وأم المخلّص المسيح الرب (لو 2: 11). وهذه كلها أسماء لله حصراً. عمانوئيل هو الله. واسم يسوع هو مختصر لـ "يهوه يخلّص". والمسيح الرب هو المسيح يهوه. لهذا فالعذراء مريم هي أم الله Theotokos.. إذاً العذراء في الأناجيل هي أم ابن العلي، أم ابن الله، أم المسيح الرب، أم يهوه الفادي المخلّص، أم عمانوئيل، أم يسوع. لهذا لخّصت الكنيسة كل هذه الألقاب بلقب واحد جامع هو أم الله أو والدة الإله. لهذا قال القديس يوحنا الدمشقي: "إن اسم أم الله Theotokos يحوي كل سر التدبير (الإلهي)، لأنه إن كانت التي حبلت به هي أم الله فالمولود منها هو بالتأكيد إله وأيضاً إنسان" (الإيمان الأرثوذكسي 3:12). إن جميع الذين يرفضون لقب والدة الإله يقعون في الهرطقة النسطورية ويخالفون المجامع الكنسية ويطعنون في الإيمان بأن شخص المسيح هو شخص واحد في طبيعتين كاملتين إلهية وبشرية وبالتالي يعرضِّون خلاصهم الشخصي للخطر. إن قلنا إن مريم هي فقط أم يسوع الإنسان نشقّ شخص يسوع ونجعل الابن ابنين: ابن الله وابن الإنسان. وإن قلنا إن الآب هو أبو لاهوت يسوع فقط نشقّ شخص يسوع أيضاً. وحدة أقنوم يسوع تسمح بتسمية مريم والدة الإله وبتسمية الآب أبا ناسوت يسوع. أيّ تفريق في شخص يسوع هو هرطقة تصبّ في الهرطقات التي طعنت في الخريستولوجيا (ابوليناريوس، نسطوريوس، أوطيخا وسرجيوس). كيرللس الإسكندري قال إن العذراء ولدت ناسوت يسوع ولم تلد اللاهوت. الآب ولد لاهوت يسوع. تقول إحدى الترانيم: "يا مَن هو بغير أمّ من جهة أبيه وبغير أبٍ من جهة أمّه..". التركيز هو على وحدة الأقنوم التي جعلت الآب أباً ليسوع الإله-الإنسان والعذراء أمَّاً ليسوع الإنسان الإله. تاريخياً ثبّت المجمع المسكوني الثالث المنعقد في أفسس العام 431 لاهوت لقب والدة الإله Theotokos. لكن هذا اللقب كان مستعملاً حتى قبل هذا المجمع. فقد استعمل اوريجنس لفظة والدة الإله Theotokos في تفسيره للآية 33 من إصحاح 22 من سفر التثنية. ويذكر المؤرّخ الكنسي سقراط (الكتاب 7 من تاريخه، الفصل 32) أن اوريجنس سمّى العذراء والدة الإله Theotokos. القديس كيرللس الإسكندري في كتابه إلى نسطوريوس يقول إن القديس أثناسيوس الكبير قد دعا مريم والدة الإله Theotokos. والقديس باسيليوس الكبير في حديثه عن ميلاد المسيح يقول: "إن أم الله Theotokos لم تكفَّ قط عن أن تكون عذراء..". ويقول القديس غريغوريوس اللاهوتي في رسالته الأولى إلى كليدونيوس: "إن كان يوجد أي واحد لا يعتبر مريم أنها أم الله Theotokos فإنه مفتقرٌ إلى اللاهوت". وفي حديثه الأول عن الابن يخاطب اليونان قائلاً: "أين من بين آلهتكم قد عرفتم عذراء أماً لله Theotokos؟". ويقول افسابيوس في حياة قسطنطين (الفصل 43) وسقراط (الكتاب 7، الفصل 32): "لهذا حقاً إن أكثر الملكات توقيراً لله (هيلانه) قد زيَّنت بالشواهد الرائعة مكان ميلاد أم الله Theotokos" (أي بيت لحم). وقال ديونيسيوس الإسكندري لبولس السمسياطي: "إن الذي قد تجسّد من العذراء القديسة والدة الإله Theotokos ..". لهذا فلقب والدة الإله ليس مجرد تكريم للعذراء مريم وإنما هو إعلان إيمان بشخص يسوع المسيح، الله المتجسد، الذي له المجد إلى الدهور آمين[9]. (د. عدنان طرابلسي) س 179 – لماذا تؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بأن العذراء مريم هي أقدس خليقة؟ ج 179 -في العهد الجديد تسميات مريم العذراء: 1- هي أم يشوع مخلّص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21). في أشعيا وسواه يهوه هو المخلّص والفادي. يشوع العبرية هي اختصار يهوشاع أي يهوه المخلّص. 2- هي أم عمانوئيل (متى 1: 23). عمانوئيل هو الله. 3- هي أم ابن الله وابن العلي (لوقا 1: 32 و35). وابن الله هو الله عندنا. 4- هي أم الرب (لوقا). والرب هو الله. 5- هي أم يسوع (يوحنا 2 وأعمال 1: 14). ويسوع هو ربنا وإلهنا. فالعذراء مريم هي أمّ الله لأن شخص (أقنوم) يسوع واحد. لم تلد جوهر الابن الإلهي، ولكن بسبب وحدة الأقنوم نقول إنها والدة الإله. الملائكة يخدمون الذين يرثون الخلاص (عبرانيين 1). فهي أعظم منهم. والبشر عبيد الله. الروح القدس طهَّرها لتلد يسوع بدون ميلٍ للخطيئة. فطبيعته البشرية من طبيعتها. وهذا ما لم يحصل عليه إنسانٌ آخر. (اسبيرو جبور) س 180 – نصلّي: "أيتها الفائق قدسها والدة الإله خلّصينا". هل تستطيع العذراء مريم أن تخلّصنا؟ ج 180 - الخلاص ذو معانٍ عديدة. الخلاص بمعنى التطهير من الخطايا والنقل إلى العرش السماوي هو من اختصاص يسوع له المجد. لكن نحن منكوبون بالخطايا والأمراض والضعف والبؤس والشقاء وو... فللعذراء قدرة على إنقاذنا مثلما كان الرسل والقديسون قادرين على ذلك. بولس الرسول التمس صلوات المؤمنين. وطلب منهم أن يحاربوا في الصلاة من أجله (رو 15: 30). فهل كان طلبه ضلالاً؟ لا. ونحن نؤمن بأن الكنيسة واحدة في السماء وعلى الأرض، والروح القدس ساكن فيها. وهو الذي يصلّي فينا ويتشفّع فينا (رو 8: 15 و26). فإن قلّدنا بولس والتمسنا صلوات القديسين أحسنّا صنعاً. (اسبيرو جبور) س 41 – ألا تعني آية: "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" (متّى 1: 24) أن يوسف قد عرف مريم وتزوجها بعد ولادة يسوع؟ خاصة وأن يسوع قد دُعي "ابنها البكر" دالاً بالتالي على ولادة أخوة له من بعده؟ ج 41 – إن صيغة "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" تدل حتماً على الزمان السابق لكلمة "حتى eos"، ولا تعطي أية معلومات تفيد ما حدث بعد "حتى". الإنجيلي متى هنا مهتمٌ بالتأكيد على بتولية مريمقبل الولادة تحقيقاًلنبؤة أشعياء 7: 14. وبرأي معظم علماء الكتاب إن موضوع بتولية مريم بعد ولادة يسوع منها هو أمرٌ لا تفيد به هذه الآية. لكن للكتاب استعمال معين لكلمة"حتى" يلقي المزيد من الضوء. فأولاً يستعمل كلمة "حتى" مع فعل بصيغة الإيجاب: - "يُشرق في أيامه الصدّيق وكثرة السلام حتى يضمحلّ القمر" (مز72: 7، السبعينية). لا يعني هذا أن الصدّيق وكثرة السلام سيغربان بعد اضمحلال القمر. - ".. كما أن عينَي الجارية نحو يد سيدتها، هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يترأّف علينا" (مز173: 2). طبعاً لن تكفّ عيوننا عن النظر نحو الله حتى بعد أن يترأّف علينا. - "ها أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر" (مت28: 20). بالطبع سيظل يسوع معنا حتى بعد انقضاء الدهر. - "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (1كور15: 25). سيظل المسيح مالكاً حتى بعد هزيمة أعدائه. - "قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع عداءك موطئاً لقدميك" (مت22: 44). سيظل الأعداء موطئاً للقدمين حتى بعد جلوس الرب عن يمين الله الآب. - "وأُرسل الغراب. فخرج متردداً حتى نشفت المياه عن الأرض" (تك8: 7). فالغراب لم يرجع إلى نوح (أي ظلّ خارجاً) حتى بعد أن نشفت المياه. ويستعمل الكتاب كلمة "حتى" مع فعل بصيغة النفي: - "ولم يكن لميكال بنت شاول ولدٌ حتى يوم موتها" (2صمو6: 24). بالطبع لم تنجب ميكال بعد موتها. - "فلم يصدّق اليهود عنه أنه كان أعمى فأبصر حتى دعوا أبوي الذي أبصر" (يو9: 18). يخبرنا سياق القصة أن اليهود لم يؤمنوا حتى بعد سؤال والدي الأعمى. إذاً، إن صيغة "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" لا تعني أنه عرفها بعد ولادة يسوع. الدراسة الكتابية على هذه الآية في الجزء الأول من شرح إنجيل متى للذهبي الفم تُظهر كيف أن الآية 1: 25 وموضعها في الإصحاح الأول يشيران إلى أن متّى كان يقصد القول إن يوسف لم يعرف مريم لا قبل الولادة ولا بعدها. أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال المتعلّق بكلمة "البكر"، فالكتاب المقدس نفسه أيضاً يجيب عليه. كلمة "البكر" ،بالتعريف، تعني "كل فاتح رحم" (خرو13: 2)، لأن البكر الذكر هو مقَّدس للرب، سواء أكان له أخوة من بعده أم لا. فالمولود الوحيد، بدون أخوة من بعده، يُدعى بكراً أيضاً. فقد كان لفرعون ابنٌ وحيد، ومع ذلك قُتل مع أبكار مصر. ويقول المزمور 98: 27 عن داود بن يسّى: "أنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض". كان داود أصغر أبناء يسّى. والله لم يعكس ترتيب ولادته هنا وإنما كان يتكلّم عن "بكورية" داود الروحية، عن مكانته المتميّزة بين الآخرين. لهذا لكلمة "البكر" معنى مهم في الكتاب، إذ تشير إلى علاقة خاصة بين الله وبين شعبه. وعندما ينتهك البكر هذه العلاقة فإنه يفقدها، كما حدث عندما أُعطيت البكورية إلى يوسف بدلاً من راؤبين (1أخ5: 1-2). من هنا نفهم لماذا استعمل متى كلمة "البكر" ليسوع. لأن يسوع هو الابن الأول لمريم، ولأنه كبكرٍ اشترانا وردّنا إلى مُلْك الآب بعدما صرنا متغرِّبين عنه (تث25: 23-24). لقد حقّق يسوع معاني لقب "البكر" ومهامه. ولم يقصد متى أبداً أن يقول إن مريم قد ولدت أولاداً بعد يسوع. هذه خيانة للاهوت متى وللكتاب نفسه.[10] (د. عدنان طرابلسي) س 42 – مَن هم أخوة الرب المذكورون في العهد الجديد؟ هل يعني ذكرهم هذا أن مريم لم تكن دائمة البتولية؟ ج 42 – ورد ذكر "أخوة الرب" في مر 6: 3 ومت 13: 15 وهم: يعقوب ويوسي/يوسف وسمعان ويهوذا، حيث يوسي ويوسف هما اسم واحد. سنجيب على هذا السؤال من الناحية الكتابية ثم من الناحية الكنسية والتاريخية. لا يذكر العهد الجديد قط أن "أخوة الرب" هم أبناء مريم أو يوسف ولم يذكر أن مريم كانت أمهم. كانت نسبتهم دائماً للرب يسوع. إن أول أخوين من لائحة أخوة الرب هما دائماً يعقوب ويوسي/يوسف. إذا علمنا مَن كانت أمهما لأخذنا فكرة عن قرابة أخوة الرب بيسوع. وبالفعل يذكر العهد الجديد امرأة باسم مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف، ولأننا لا نعرف في العهد الجديد أي أخوين باسم يعقوب ويوسي/يوسف سوى أول أخوين من "أخوة الرب" فمن المنطقي ربط مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف بأخوة الرب. يذكر مرقس (15: 40) ومتّى (27: 55-56) هذه المرأة في ذكرهما للنساء اللاتي كن عند صليب المسيح. إذا قارنا هذين النصين مع نص يوحنا 19: 25 نستنتج باختصار أنه يمكن مطابقة مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف (في مرقس ومتّى) مع مريم كلوباس (في يوحنا)، حيث مريم كلوباس هي على الأرجح زوجة كلوباس. إذن يعقوب ويوسي/يوسف (وبقية أخوة وأخوات الرب) هم أولاد مريم زوجة كلوباس. هذا على افتراض أن النساء المذكورات في يو 19: 25 هن أربعة. أما إن افترضنا أنهن ثلاثة (وهو احتمال وارد كتابياً) تكون مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف هي أخت العذراء مريم وزوجة كلوباس معاً. الصعوبات الظاهرية هنا هي: لماذا دُعي هؤلاء الأربعة أخوة للرب وهم في الحقيقة أولاد مريم زوجة كلوباس؟ وهل كان للعذراء أخت وهل كان اسمها مريم أيضاً؟ أخذ استعمال كلمة "أخ" (وأخت) في الكتاب المقدس أكثر من معنى تحت تأثير البيئة السامية المشرقية. فقد استعملت كلمة أخ لوصف أخوة الدم (مر1: 16)، أو أقارب من نفس العائلة الواحدة (تكو 29: 12، مر6: 17-18)، أو أخوة بالإيمان الواحد (مت 28: 10، يو 20: 17، رو 8: 29، أع 2: 37 الخ..). لهذا لا بد من وجود قرابة معينة بين مريم زوجة كلوباس وبين العذراء مريم حتى دُعي أبناء هاتين المرأتين أخوة. هذه القرابة ذكرها المؤرّخ الكنسي افسابيوس وهي أن كلوباس ويوسف كانا أخوين، أي أن "أخوة الرب" هم أولاد عم يسوع (التاريخ الكنسي 3: 11). ويذكر افسابيوس أيضاً أن سمعان أخا الرب هو ابن كلوباس. من هنا نستنتج: 1- العهد الجديد لم يدعو العذراء أم "أخوة الرب"؛ 2- العذراء مريم هي ليست مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف؛ 3- مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف هي زوجة كلوباس وهي، على الأقل، أم أول أخوين من لائحة أخوة الرب، فهي على الأرجح أم "أخوة الرب" و"أخواته"؛ 4- مريم أم يعقوب ويوسي/يوسف هي قريبة للعذراء مريم، إما قرابة مباشرة لها (أختها بالمعنى الحقيقي وهو غير مرجح أو بالمجازي)، أو عن طريق قرابة بين زوجيهما يوسف وكلوباس (أخوان بالمعنى الحقيقي أو المجازي). بسبب القرابة الجسدية جاز أن يُدعى هؤلاء الأربعة أخوة ليسوع بحسب العادة السامية الدارجة وجاز أن تُدعى أم يعقوب ويوسي/يوسف أختاً للعذراء وإن كانت العذراء على الأرجح وحيدة والديها. تاريخياً ظهرت ثلاث نظريات لتفسير "أخوة الرب" المذكورين: - نظرية هلفيديوس (380) الذي أخذ بالتفسير الحرفي دون الاعتبارات الأخرى واعتبر "أخوة الرب" هم أخوة يسوع بالجسد. دانت الكنيسة هذه النظرية. لماذا؟ لأنها مخالفة لتقليدها الحي. دائماً وأبداً آمنت الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية ببتولية مريم العذراء. هذه الشهادة الحية أقوى من كل فذلكات التفسير الحر. - نظرية ابيفانيوس (382) أسقف قبرص الذي بنى فرضيته على إنجيل يعقوب الباطني (الابوكريفا) في القول بأن أخوة الرب كانوا أبناء يوسف من زواج سابق لا أبناء مريم، وبالتالي دُعي أخوة الرب هكذا لأنهم كانوا أنصاف أخوة ليسوع من جهة الأب. - نظرية ايرونيموس Jerome الذي افترض أن أم أخوة الرب هي مريم زوجة كلوباس وأنها هي نفسها أخت العذراء مريم مفترضاً بالتالي أن مريم ويوسف معاً بقيا بتولين. الكنيستان الأرثوذكسية والكاثوليكية تؤمنان بالبتولية الدائمة للعذراء ومن هنا لا يُعثرهما لقب "أخوة الرب". أما الفرق البروتستانتية وسواها التي ترفض العفة المكرّسة والرهبنة والبتولية فإنها تحاول استخدام النص الكتابي بطريقة معينة لتدعم موقفها[11]. (د. عدنان طرابلسي) س 59 - ما هي الخصائص التي تمتّعت بها العذراء مريم في الكتاب المقدس؟ ج 59 - في العهد الجديد تسميات مريم العذراء هي: 1- أمّ يسوع مخلّص شعبه من خطاياهم (متى 1: 21). في أشعيا وسواه يهوه هو المخلّص والفادي. يشوع العبرية هي اختصار يهوشاع أي يهوه المخلّص. هي أمّ يهوه الفادي. 2- هي أمّ عمانوئيل (متى 11: 23). عمانوئيل هو الله. هي فوق المخلوق ودون الخالق. 3- هي أمّ ابن الله وابن العلي (لوقا 1: 32 و35). وابن الله هو الله عندنا. 4- هي أمّ الرب (لوقا 1: 43). والرب هو الله. 5- هي أمّ يسوع (يوحنا 2: 1 وأع 1: 14). ويسوع هو ربنا وإلهنا. فالعذراء مريم هي أمّ الله لأن شخص (أقنوم) يسوع واحد. لم تلد جوهر الابن الإلهي، ولكن بسبب وحدة الأقنوم نقول إنها والدة الإله. الملائكة يخدمون الذين يرثون الخلاص (عبرانيين 1). فهي أعظم منهم. والبشر عبيدٌ لله. الروح القدس طهَّرها لتلد يسوع بدون ميل إلى الخطيئة. فطبيعته من طبيعتها. وهذا ما لم يحصل عليه إنسانٌ آخر. 6- هي الدائمة البتولية. أشعيا قال: "هوذا العذراء". لم يقل: "هوذا عذراء". طبيعة يسوع البشرية من طبيعتها المطهَّرة. الذين يزعمون أن لديها أولاد هم أغبياء . هي مطهَّرة ويوسف غير مطهَّر. وفي الفصل 7 من يوحنا جاء أن أخوته ما كانوا بعد يؤمنون به. فهل من المعقول أن يكونوا قد تربّوا في حضن العذراء؟ 7- هي قالت: "فها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال". وتطويبها في الكنائس القديمة الأصيلة روعة الروائع. 8- شاركت المسيح في آلامه، فوقفت لدى الصليب، وجاز سيفٌ في نفسها كما تنبأ سمعان الشيخ الصدّيق. 9- كان يسوع يطيعها في طفولته وحداثته (لوقا 2: 51) وفي كبره، فأجرى عجيبة تحويل الماء إلى خمر نزولاً عند رغبتها. 10- حضرت الصعود الإلهي وكانت في جوقة الـ 120 المنصرفين إلى الصلاة حتى يوم العنصرة المجيدة. 11- سلّمها يسوع إلى يوحنا الإنجيلي، فصارت أمّه وصار ابنها، فعاشت لديه عزيزة كريمة حتى رقادها. 12- لاهوتياً، الكنيسة تؤمن بأنها صارت يوم البشارة أمّاً لله فولدته وربّته. هي التخم بين المخلوق وغير المخلوق (بالاماس). أقرب من الرسل والملائكة وكل البشر إلى الله. وحدها بين النساء استحقت أن تصير أداة التجسد الإلهي لخلاص البشر. بها صار الإله طفلاً. فالصمت ساجدين مبهورين مخطوفين أليق بنا. اللسان عاجز عن التكلّم في عظائم مريم البتول. 13- النسل الموعود به لحواء وإبراهيم واسحق ويعقوب ويهوذا ويسَّى وداود سيكون المسيح ابن داود. الملاك بشَّر مريم العذراء. قال: "سيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد" (لو1: 32). مريم هي سليلة داود التي ورث ابنها عرش داود. 14- بلغ صوت سلامها اليصابات فامتلأت هذه من الروح القدس وارتكض الجنين في بطنها من الابتهاج (لو1: 41-45). ما هذه القدرة العجائبية في صوت العذراء؟ سبحان الذي غمرها بمجده! (اسبيرو جبور) |
|