رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
غضب يسوع نطالع في يسوع باصطدامه بالباعة في الهيكل (يوحنا 2/13 – 25) وجهاً يغاير الصورة المعهودة عن يسوع الهادئ، الرقيق، العطوف، اذ نراه يتفجر غاضبا يصنع مِجلداً ويطردهم جميعا. فيسوع انسان ايضا شديد التأثر لسبب او لآخر: يرقّ للمرضى، ويبكي موت صديق، ويحتفل ويفرح بعيد كما يغضب حيناً، مما يدل على قربه منا، وعلى ان كل ما يخص الانسان ليس بغريب عنه. كيف يُفسَّر غضب يسوع هذا؟ كلنا نعلم اننا نغضب حين يمس احدهم نقطة حساسة على وجه خاص لدينا، او ما هو عزيز علينا وحميم. والمفارقة، اننا في الغالب لا نملك في هذه المجالات بنية دفاعية نصدّ بها ما يؤذي مشاعرنا العميقة فنفصح عن عجزنا برد فعل عنيف. ويسوع، امام مشهد الباعة في الهيكل، جرح في الصميم. فالهيكل عنده ليس بناء فحسب او مكاناً للعبادة فقط، بل انه موضع اتصال الناس بالله الآب. فالى الهيكل جاء يسوع وهو فتى ومكث فيه ثلاثة ايام معتبراً انه في بيت ابيه. هذه العلاقة مع الآب هي سر حياته ويريدها ان تكون علاقة الناس جميعهم. مجيئه الى ارضنا غايته ان يكشف لنا ان الآب يحبنا، نحن ايضاً، كما يحبه. لذلك فحياة يسوع كلها كانت جوابا على حب ابيه. لقد افرغ الباعة والصيارفة الهيكل من فحواه اذ حالوا دون ان يجد حجاجه جوهر علاقتهم بالله الآب، ففعلوا ما لم يستطع يسوع احتماله، وكأن ما رآه من تصرفهم يرمز نوعا ما الى فشل رسالته. واختباره أشعره بشيء من العجز عن منع الناس من اقامة حاجز بين ابيه وبين الصغار الساعين الى الاقتراب منه. واجه في عصره رجال الدين، والتمسك الشكلي بالشريعة، وإغفال الجوهر في الممارسة الدينية، والجوهر هو محبة الله، للتمسك بما هو هامشي وعرضي، وكل هذا يعيق لقاء الله أكثر مما يسهله، فكان ذلك جرحا بليغا اصاب اعمق مشاعره واقتناعاته. والادهى، ان من سبب ذلك لم يكن الشعب البسيط، بل على الاخص المسؤولون الدينيون الذين عليهم ان يساعدوا الناس للاتصال بالله. وفي مواجهة هذا الجدار من عدم الادراك لم يجد وسيلة خيرا من الكلمة ومن بعض حركات، فطرد الباعة، ونثر دراهم الصيارفة... "لا تجعلوا من بيت ابي بيت تجارة". على ان بقية الرواية الانجيلية تفيدنا ان مكان اتصالنا بالآب لم يعد الهيكل الحجري، كما كان الحال عند اليهود، بل صار شخص المسيح. فالهيكل دمر والمسيح صلب. ويسوع لم يقم بأي دفاع في وجه عنف الناس الذين ارادوا تدميره. دفاعه كان تحويله مأساة موته عطية حياة: "لا احد يأخذ مني حياتي، بل انا اعطيتها". وقد اثبت ذلك بقوله على الصليب: "يا ابتاه، في يديك استودع روحي"، فحول المأساة الى فعل حب، وفعل الحب هذا هو ما يتيح لنا ان نكون متصلين بأبيه. من هذا النص نستشف رسالة متعددة الابعاد موجهة الينا: ان نتحسّس علاقتنا بالله عبر شخص يسوع المسيح بحيث تصير هذه العلاقة جوهر حياتنا، وان نثق بأنه عندما يسكن فينا يسوع يصير حبّه محرك حياتنا، وان نتأثر من خيبة يسوع لنجعل امكنة تلاقينا اماكن لقاء بين الله والناس بعيدا عن المظاهر والشكليات، وان نجعل الكنيسة الحية، اي المؤمنين، ملتقى الله والناس، ليدرك المؤمنون انهم مدعوون الى اعلان حب الله لكل الناس في كل مكان. |
|