في انتظار عودة الرب
توضح صورة السيد الذي يبتعد لفترة قصيرة ويوصي البواب بأن ينتظره وبضرورة عدم النوم ولو للحظة واحدة فقد يعود السيد في أية لحظة. ولكن هذه وحدها لا تكفي للتعبير عن إمكانية تأخر عودة الرب كما اختبرت فوراً الجماعة المسيحية. قد تطول فترة الانتظار. لذلك دار التساؤل عن كيفية شغل فترة الانتظار هذه. وعليه تمت بعض الإضافات التي يبدو وكأنها تخل بصورة المثل الأولية. تقوم هذه الإضافات في الواجبات والمهام التي يعهد بها السيد لعبيده وتوصياته لهم بالعناية والمحافظة على بيته ومصالحه. تكشف هذه الإضافات محاولات الجماعة لملائمة المثل وتأوينه على الظروف التي يعيش فيها المؤمنون: يجب عليهم السهر دائماً، وكأن السيد على الأبواب ومجيئه وشيك، وفي نفس الوقت الصبر كما لو كان مجيء السيد يبطئ. ومعنى السهر في الحالتين كلتيهما هو الإطلاع بالمسؤوليات الشخصية، سواء في الحياة العامة أو في الكنيسة. لذلك تقول إنه عندما يكشف تحليل المثل عن بعض التفاصيل الغريبة فلا يجب البحث عن الاتساق المطلق للحبكة الروائية، بل يجب البحث عن منطق تعليم المثل استناداً على هذه التفاصيل الغريبة أو المتناقضة. والآن نستطيع أن نلاحظ أن نصائح وتوجيهات المثل متسقة ومتناسقة فيما بينها وأكثر من ذلك فهو تلائم مقتضيات الحياة المسيحية ومتطلباتها.
أوجه السهر
مثل البواب الساهر ليس مثلاً لاهوتياً بحصر المعنى. ومع ذلك ترتكز نصائحه وتوجيهاته على تعليم لاهوتي راسخ ومحدد: عودة الرب في مجده (راجع 32:13) وأساس دينونته لنا هو التزامنا بواجباتنا.
في هذه النقطة تقوم أوجه السهر المختلفة. غياب الرب غير معلومة نهايته ومجيئه مفاجئ: الموقف الوحيد هو اليقظة الدائمة. وسواء طال الانتظار أم قصر يجب أن يكون انتظاراً عاملاً، حياً، فعالاً. وليس التصرف المطلوب هو التطلع في الأفق لكي يعرف مسبقاً ما سيحدث بل هو معرفة أن المستقبل يتم إعداده في الحاضر. لذلك يجب أن نكون جادين في إعطائه حقه من الاهتمام وفي نفس الوقت مقتنعين بأن الحاضر ليس كله ملكاً لنا. فالسهر هو في ذات الوقت التزام وانتظار في العالم وأبعد من العالم.
حتى هنا كان كلامنا عن مثل البواب الساهر في حد ذاته، واضعين إياه في إطار التقليد الذي نشأ ونما فيه حتى وصل إلى شكله النهائي في نص إنجيل مرقس (33:13-37) لم يقتصر دور الإنجيلي على تثبيت المثل كتابة، ولكنه وضعه في سياق مما يضفي عليه معنىً معيناً.
يختم سياق إنجيل مرقس بهذا المثل الخطاب الإسكاطولوجي (مر13)، وكأنه يلخص به هذا الأمر. ويبدو أن الخطاب كله يدور حول موضوع السهر. ولكن الكاتب خص المثل الختامي بفعلين تقنيين هما، كما سبق وذكرنا في بداية الموضوع، جريجورين وأجروبنين. اما الفعل الثالث وهو بليبين ينظر باهتمام، يراقب، فهو يتخلل الخطاب كله (2:13، 5،9،23،33). السهر هو الانتباه. ولكن الانتباه لأي شيء؟ هل هو الاحتراس من بعض المخاطر، مثلاً عدم الانجراف وراء بعض الوعود والأوهام الدينية الخادعة؟ يوضح هذا معنى فعل النهي: لا تصدقوه (21:13) وهو يعني، بكيفية ما، السهر. والسهر يعني الثبات على كلمة الله "السماء والأرض تزولان وكلامي لن يزول" (31:31) كما يعني أيضاً عدم فقدان التركيز بسبب القلق بخصوص الأزمنة الأخيرة أو الأنبياء الكذبة أو العلاقات والآيات الخارقة. كما أن هناك أفعال نهي آخر في خطاب السهر مثل: إياكم أن يضلكم أحد (5:13).. لا تفزعوا (7:13).. لا تهتموا من قبل بماذا تتكلمون (11:13). للسهر أوجه عديدة منها عدم الانبهار بعظمة المباني البشرية حتى وإن كانت مباني أمينة: يا معلم انظر! يا لها من حجارة يا لها من أبنيةّ.. لن يترك هنا حجر على حجر (1:31-2). يستطيع الإنسان الساهر أن يسبر عمق معنى الأعمال التي ينبهر ويفخر بها الإنسان السطحي.
ويتناول إنجيل القديس مرقس موضوع السهر في سياق آخر، يشترك مع مثل البواب الساهر في نقاط عديدة: حادث بستان الزيتون (32:14-42)، حيث يرد الفعل جريجورين مرتين. مرة بالمعنى الحرفي: أتنام؟ ألم تقو على السهر ساعة واحدة؟ (37:14) ومرة بالمعنى الرمزي: اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في تجربة (38:14). وبالتالي يتطلب السهر قوةً، وتأتي هذه، حسب السياق، من الصلاة أي من الله. السهر هو الشرط الأساسي للصلاة وهو، في نفس الوقت، وقاية من السقوط في التجربة. ولكن السهر يتطلب قوة لا يملكها التلميذ. لدينا مثال على السهر. يسوع قرب آلامه: لقد استطاع بالسهر والصلاة التغلب على الخوف والانتقال من النزاع إلى الاستعداد: قوموا ننطلق (42:14أ). الخوف، الذي يقتضي التغلب عليه السهر والصلاة، هو الصليب. إنها تجربة تمس الإيمان: الصليب هو اللحظة التي فيها يبدو أن الله، الذي اتكلنا عليه، يتركنا ويهملنا. عندئذ يجب التحلي بالشجاعة والرؤية الواضحة للتمسك؛ بشدة أكبر، كما فعل يسوع.