رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل الوكيل الأمين (مت 45:24-51) ينقسم خطاب إنجيل القديس متى الإسكاتولوجي (مت 24-25) إلى جزئين: الأول (4:24-35) يتناول التعاليم الإسكاتولوجية بحصر المعنى والتي استقاها الإنجيلي من التقليد المرقسي، والثاني (36:24-46:25) يتناول النتائج المترتبة على ذلك، عن طريق تطوير مضمون إنجيل القديس مرقس، بهذا الصدد. يبدو اهتمام إنجيل متى الكبير بتحديد معنى السهر وطريقته، ويلجأ لكي يحقق هذا الهدف، إلى ثلاثة أمثال: الوكيل الأمين (مت 45:24-51)، مثل العذارى الحكيمات والعذارى الجاهلات (مت 1:25-13) ثم مثل الوزنات (مت14:25-30). يبدأ مثلُ الوكيل بحرف "ف" مما يجبرنا على ربط المثل بما يسبقه مباشرة أي تشبيه رب البيت واللص (مت 42:24-44). كما أن تأكيد الرب بأن السيد "يأتي في يوم لا يتوقعه وساعة لا يعلمها" (مت 50:24)، يشير إلى أن المثل مرتبط بالتأمل الممتد من (مت 26:24 حتى 13:25). وموضوع هذا التأمل هو أن الرب يأتي فجأة بلا إعلان مسبق في ساعة لا يعلمها أحد (26:24و 42و 44و 50؛ 13:25). يؤكد مثل الوكيل الأمين هذه الحقيقة الهامة. تتعرّض قصة الوكيل وسيده لمشهدين متناقضين، كما هو الحال في أمثال عديدة. يوحي إسهاب الرواية في المشهد الثاني بالبحث عن معنى المثل فيه، وليس في المشهد الأول. يهدف المشهد الأول إلى إبراز الثاني، الذي ينعكس فيه الموقف الذي يهم المعلم. بدأ التراخي يضرب بجذوره في الجماعة. لقد أدى تأخّر مجيء الرب الثاني إلى تكاسل العديدين: "إن سيدي يبطئ" (48:24)، قال العبد في قلبه واستغل هذا أسوأ استغلال. إن مرور الزمن وتأخّر السيد هما حقيقة واقعية وأمر لا يُنكر. ولم يخطئ العبد في هذا، إنما أخطأ في النتيجة التي وصل إليها. هنا يقوم هدف المثل: النتيجة التي يجب استخلاصها من تأخر السيد هي عكس النتيجة التي توصل إليها العبد تماماً. إن المثل لم يلجأ لعبدين ليكوّن منهما مشهدين متناقضين، أحدهما إيجابي والآخر سلبي، وهو في الواقع أسهل. إنه لجأ إلى شخص واحد أمامه اختياران متناقضان. وهذا اختيار ذكي للغاية: لا ينتمي بالضرورة الخير والشر، الحكمة والحماقة، الصراحة والرياء إلى أشخاص مختلفة متعددة ولكنها تمثّل خيارات أمام نفس الشخص في مواقف عديدة. قد تقود ملاحظة تأخّر عودة السيد إلى استنتاج خاطئ تماماً، إذا أغفلنا أن عودته، في كل الأحوال، تكون في وقت غير متوقع، وبلا إنذار سابق كما يكون مجيء اللص ليلاً (را 43:24). يبدو أن السيد يتأخر، ولكنه قد يعود في أية لحظة. سواء كان هناك تأخير أم لا، يظل الموقف المسئول هو السهر الدائم. إن تأخّر عودة السيد لا تقلل من ضرورة السهر، إنها تجعله يطول. وإذا استغنينا عن الحديث الرمزي نقول إن الوقت يضيق بالنسبة للمسيحي، لا لكونه قصيراً بل لأنه طال أم قصُر، هو وقت تتم فيه اختيارات حاسمة. يدين المثل الاسترخاء وينبّه على أهمية السهر ويشير إلى نتيجتين خطيرتين: إساءة معاملة الأصحاب وحياة الترف والخلاعة. وكان الإنجيلي قد أعطى مثلاً عن أحد أشكال التراخي الأكثر انتشاراً مثل نوح وأبناء جيله (مت 24: 37-39). إن عكس السهر لا يقوم فقط في التسلّط على الآخرين واستغلالهم وفي حياة اللذة، إنما يقوم أيضاً في الغفلة والحياة بلا اهتمام ولا تفكير في أي أمر غيرها. كان الناس أيام نوح يحيون ويتزوجون ويأكلون ويشربون دون أن يدروا أن الطوفان قريب: الانشغال بأشياء عديدة، حتى وإن كانت الأشياء مجردة أو مشروعة، يؤدي إلى الغفلة والسهو وعدم السهر، مما يشغل عن مجيء الرب وعن الدينونة التي تتم في التاريخ والحياة. سبق وقلنا إن المشهد الأول هو إبراز المشهد الثاني والإعداد له. ونضيف الآن للمشهد الأول دوراً إيجابياً آخر إذ يظهر معنى السهر. إن السهر الحقيقي هو عدم التسلّط والعدل وتدبير شئون المنزل بحكمة: "لتعطيهم طعامهم في أوانه" (مز104 [103]:27). إن التذكّر بما يقوم به الله من توزيع الخيرات لهو أمر هام جداً. يريد السيد في مثل البواب الساهر (مر 33:13-36) أن يجده ساهراً مستيقظاً. أما هنا فيريد السيد أن يجد الوكيل عاملاً مشغولاً. يوجّه مثل الوكيل، مثل باقي الأمثال، إلى الجميع. تخص الجوانبُ السلبية والجوانب الإيجابية، التي يتناولها، كل إنسان. ولكن لا ننسَ أنه يتكلم عن "وكيل"، وبالتالي نقول إن المثل موجّه بنوع خاص إلى المسئولين والخدام. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
بولس الرسول: الوكيل الأمين الحكيم |
الآمين الشاهد الأمين الصادق. بداءة خليقة الله |
طوباك أيها الوكيل الأمين |
مثل "الأمين الوكيل" (لو 35:12-46) |
الوكيل الأمين الحكيم |