والقديسة تريزا الأفيلية تؤكد أيضاً: "إنّ النشيد يرسم خطّاً، عند قرّائه، بين مَن لا يجدون فيه سوى ذريعة للضحك ومَن يدركون، لأنّهم يعيشونه، "ما يجري بين الله والنفس".
لقد كان أوريجانوس أول من قرأ في النشيد قصيدة عن اتحاد النفس بكلمة الله فكان ذلك مصدر إلهام أساسي للتصوف المسيحي الذي فيه يتطور مفهوم الحواس الروحية الذي يجعل من التصوفية معرفة اختبارية للأمور الإلهية. منذئذٍ، وشيئاً فشيئاً، أصبح نشيد الأناشيد ذلك النشيد المثاليّ الذي يتغنّى بإلفة الحبّ مع الله، والنصّ المفضَّل عند الذين "يلتمسون وجه الله". إنّه قصيدة الحياة المسيحيّة التي تُفهَم بمعناها الجذريّ كحياةٍ مطعَّمة في سرّ الله، ومهتمّة بالنموّ، برعاية الله، في إلفة حضوره. ومن بين جميع النصوص الكتابيّة، يظهر وكأنّه النصّ الذي يلبّي على أفضل وجه رغبة النفس في "أن تكون متّحدة بكلمة الله وأن تلج أسرار حكمته وعلمه كما لو أنّها تَلِج خِدْر العريس السماويّ"، على حدّ قول أوريجانيس أيضاً.
إن فُهِم النشيد على هذا النحو، بدا متلائماً بوجه طبيعيّ جداً مع الحياة النُسكيّة، بقدر ما هي التماس لوجه الله وتغنٍّ بمجده واستباق للتسبيح الأبديّ. فمن الصفحات الأولى من قانون القدّيس مبارك، حدَّد تلك الحياة بأنّها التماس الإنسان لوجه الله، وهو نفسه يبدأ بالبحث عن الإنسان. إنّها تلبية الحبّ بالحبّ. وسيناريو النشيد ينسجم مباشرةً مع هذا الوضع. وعلى كلّ حال، قرئ السفر وفسِّر بلا ملل في حصون الأديرة على مدى الأجيال، ولاسيّما في العصر الوسيط، وخلافاً لما قد نميل للاعتقاد به، نحن المعاصرين، فإن التفاسير النسكية للنشيد "تشهد على أدب طاهر وعلى بيئة وحب طاهرين أيضاً" (الحب كما رآه النساك في القرن الثاني عشر، ص68).
هكذا فقد أضحى النشيد في قلب التصوف المسيحي لغة حقيقية يعرفها فقط "عشاق اسم الله"، مثال القديس برناردوس يوحنا الصليب وتريزا الأفيلية وتريز الطفل يسوع وغيرهم، لا بل يفهمونها ويتكلمونها، ويرون أنفسهم في كلمات النشيد، كما ترى الكنيسة نفسها في الحبيبة العروس التي خلصها المسيح بحبه وجعلها قادرة هي أيضاً على أن تحب حباً تاماً.