رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المزمور الحادي عشر: الله ملجأ البائسين عندما تنهار أركان العدالة البشرية يصير الله ملجأ البائس المزمور الحادي عشر هو مزمور توسّل ينشده المرتّل طالبًا العون من الله للأبرار في مواجهة الأشرار. إنه نشيد ثقة، يهدف إلى تقديم تعليم وعبرة للأجيال، حيث يقول للجميع إنه لا أمن ولا حماية للمؤمن عند الناس، فلا ملجأ له إلاّ عند الله فهو ملجأ البائس والمسكين، وبقربه وحده يشعر الإنسان بالطمأنينة والسلام. ويرتبط هذا المزمور بالمزامير: الخامس والسابع والعاشر والسابع عشر.ويعالج نفس المشكل: الإيمان في مواجهة الواقع، فلمن ستكون الغلبة؟ يبدو أن داود المرنّم كان يشكو من مكايد الأشرار، شاول الملك وحاشيته ورجال بلاطه الذين كانوا يغارون من نجاح داود والتفاف الشعب حوله، وقد كتب هذا المزمور أثناء مطاردة الملك شاول له ومحاولاته العديدة لقتله (صموئيل الأول 18: 12-30)، فنصحه أصحابه بالهرب إلى المنطقة الجبلية من أرض يهوذا، لينجو من الشر الذي يتهدده لو بقي حيث كان، لكنه يعلن لأصدقائه ثقته المطلقة بالله العادل الذي ينظر من علوّ سمائه إلى الأبرار بعين ساهرة لا تنام ويحفظهم وإلى الأشرار فيعاقبهم. يبرز في هذا المزمور فعل إيمان المرتّل بالهيكل وبالله الحاضر فيه، فهو مؤمن إيماناً راسخاً أن الله سوف ينجيه لأنه مسحه ودعاه، ويعرف أن رسالته تكمن في أن يكون وسط شعبه لا أن ينجو بنفسه، ويوقن أن صاحب الرسالة لا يجب أن يهتم بنفسه على حساب رسالته. لقد ومرّ هذا الموقف بالكثير من شخصيات الكتاب المقدس، كنحميا بعد عودته من السبي وشروعه في بناء الهيكل حيث ثار الأعداء ضده ونصحه شمعيا ان يهرب ويلوذ بالله في الهيكل، مكان حضور الرب. فرفض وأجاب " أرجل مثلي يهرب " (نحميا 6:11) فكيف يحمي سلامته على حساب سلامة شعبه ورسالته، إنه لو فعل هذا فسيهلك نفسه ويضر برسالته (نحميا: الفصل الحادي عشر) . كما وقف الرب يسوع ذاته، نفس الموقف حين نصحه الأصدقاء أن يترك اليهودية متوجها إلى الجليل لأن هيرودس يريد قتله، فرفض وأجاب " امضوا وقولوا لهذا الثعلب: ها أنا أخرج الشياطين وأشفي اليوم وغداً وفي اليوم الثالث أكمل..." (لوقا 13: 31 -32). يُقدّم هذا المزمور الله كشخص العلي الساكن في هيكله المقدّس وسط أبناء شعبه، وهو قريب من البشر(الملوك الأول 2: 28- 35). في الكتاب المقدس والتقليد اليهودي توجد ثلاث نظريات لاهوتية لوجود الله: § التقليد اليهوي: الذي ينادي الله باسم يهوه، فقط أي "الكائن" الذي ظهر لموسى في العليقة وعندما سأله عن اسمه قال له "أنا يهوه، إله آبائك إبراهيم واسحق ويعقوب" ( خروج ) فهو إله يتسامي حتى عن النطق باسمه، وعرشه في السماء بعيداً عن الناس. § التقليد الألوهيمي: يرفض هذا القول ويشعر أن الله قريب ويأتي إلى الأرض ويعيش مع البشر ويأكل معهم (تكوين 3: 8؛ خروج 24: 9- 11). لكنّه يرفض القول إن الله يسكن بيتًا صنعته أيدي البشر. § التقليد الكهنوتي: جاء فجمع غنى التقليدين السابقين، فقال: الله في السماء وسماء السماء لا تسعه. كما إن الله أيضًا في هيكله المقدّس وبين شعبه. فليس على المؤمن الذي يريد أن يلتقي بإله السماء والأرض، سوى أن يذهب إلى الهيكل وهناك سوف يجده ويلمس حضوره. وهو بهذا يكون قد جمع بين النظريتين اللاهوتيتين متفاديا شطوط كلتاهما: فلا حلوليّة تجعل من الله إنسانا من الناس (كما في التقليد اليهوهي). ولا روحانيّة مشوَّهة تجعل الله بعيدًا كل البعد عن الإنسان (كما في التقليد الالوهيمي)، بل نظرة متوازنة تتجاوب ورغبة الإنسان الذي يحتاج إلى إله في السماء قويّ يعلو فوق مدارك البشر، وإلى إله ساكن في الهيكل يعرف الإنسان أين يجده ويسمع كلامه ويدخل في مخطّطه التاريخي. يقدم لنا المزمور خلاصة خبرة داود الحياتية مع الرب، فقد اختبر المرنّم كلّ الناس وتعايش مع مختلف الظروف، ورأى أن وجه الرب على الأبرار، وهم يتأمّلونه ويستنيرون بنوره ويتمتّعون ببركاته. أمّا حظّ الأشرار هو النار والكبريت كما حدث مع سادوم وعامورة (تكوين 19: 24) وكما جرى على جوج ورفاقه (حزقيال 38: 24). ويعرف أنهم سيُدانون حتماً فيشربون كأس السموم. |
|