رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لقد دنا ذلك اليوم، يوم الدينونة العظيم، فلنحرص أيها الأخوة ان لا نتعثر بأشياء تافهة بمقدورها ان تحول حياتنا إلى جحيم لاننا في حياتنا اليومية ننسج بايدينا خيوط شباك الخطيئة التي عاجلاً أم آجلاً سوف نقع فيها. مثلما وقع فيها الإنسان الأول عندما طُلِب منه عدم تذوق الطعام، ومن هذه النقطة سقط الجنس البشري. لذلك فإن أولئك الذين يجاهدون اليوم من أجل خوف الله يجب ان يبدأوا البناء من حيث كانت الضربة الأولى. حينما أظهر يسوع المسيح ذاته للعالم عند نهر الاردن ابتدأ من هذه النقطة. عندما اعتمد قاده الروح إلى البرية مباشرة فصام أربعين يوماً وأربعين ليلة. وكل الذين يريدون ان يتبعوا خطواته يجب ان يضعوا أساس جهادهم على نموذج عمله. هذا السلاح (الصوم) قد صقله الله فمن ذا الذي يجترئ على احتقاره؟ إن كان معطي الناموس قد صام بنفسه فكيف لا نصوم نحن الذين وُضع الناموس من أجلنا. لهذا شاء الله أن يكون الإنسان في حاجة للصوم ليس كي يبقى أسير هذا الصوم إنما كي يبدأ من هذا الصوم مسيرة متصاعدة ومتدرجة حتى يبلغ الملء في الله. إن غاية الصوم في نظر المؤمن هي حاجته لله، ولا بد للصوم أن يقوده إلى الشعور بالمحدودية والمخلوقية. وإن لم يكتشف المؤمن هذه الحقيقة عبثاً يصوم وعبثاً يجاهد. والصوم أيضاً هو اكتشاف ان الله مطلق لانه خالق واذا لم يتعرف المؤمن على الله من خلال الصوم يكون صومه باطلاً لان في الصوم تولد علاقة حميمية بين الخالق والمخلوق وهذا هو الاطار الذي نرى الله من خلاله متكلماً ومتحدثاً عن نفسه وعن محبته لنا وعن مشروعه الخلاصي. الصوم هو الرجوع إلى الذات وما أحلى وما أجمل تطهير قلوبنا من كل ضغينة لانه يجب ان نتعامل مع كل الناس وبالذات مع أنفسنا من مبدأ ينبثق من المحبة المسيحية التي هي استحالة أن نرى من خلال أي شخص فرصة لاستغلاله لغرض ما يكمن في داخل أنفسنا بل ليكون بداية لرفقة أبدية مع هذا الشخص التي هي رفقة مع الله نفسه. أليس هذا بعظيم من أن يتم لقاؤنا مع الرب عن طريق شخص ما؟ فكيف إذا في الصوم؟ أليس هو نفسه جنة الله المفتوحة للانسان؟ نعم انه فرصتنا الذهبية للعودة من جديد لأن نطهر أنفسنا، هذا مع العلم ان كل يوم نعيش فيه هو يوم توبة وعودة إلى النفس. هذا هو الصوم حقيقة: انه عودة إلى إعماقنا فكلما تذكرنا كل إثم فعلناه وكل ذنب اقترفناه وكل قول تفوهنا به نتضع لنفكر بذواتنا ونطهرها من الدنس وننقذها من نار جهنم فنعد أنفسنا والله أيضاً وأيضاً ومن جديد بعدم اقتراف الخطايا من خلال إخوتنا. وبهذا انتصارنا على الخطيئة وأعادة بناء ما هدمته تلك الخطايا، لذا يتجدد الأمل فينا بأن ننال حياة أبدية. على هذا الاساس ندرك عظمة المحبة المسيحية التي هي انتصار دائم على الخطيئة وإعلان ملكوت الله، لأنها تتغلب وتتجاوز جميع الحدود وجميع ظروف هذا العالم التي محركها وغايتها هو الله. ونحن نعلم انه حتى في هذا العالم القابع في الشر فإن الانتصارات الدائمة والمثيرة للفرح هي انتصارات المحبة التي هي رسالة الكنيسة الحقيقية: ان نتذكر الانسان بهذه المحبة الشخصية ليملأ بها هذا العالم. وهذا هو هدف الصوم الذي يرسخ فينا فكرة الانكفاء على العالم وحب الآخرين والجد في طلب رضى الله وملكوته وبره. لابد من الاشارة من أن الصوم المسيحي لا يرمي إلى اذلال الجسد فهو ليس ابقورياً في طابعه ومعناه. في الصوم نحن لا نقتل الجسد ولا نذله. الجوع ليس غاية في حد ذاته. نحن لا نصوم كي نجوع. الجوع هو عنصر من عناصر الصوم، وكمسيحيين، لاغنى لنا عن اختبار الجوع كي نأتي إلى قوة الله وعظمته كخالق في حياتنا.وبناءا عليه فالجوع الصيامي سيكشف لنا طبيعتنا البشرية، وهذا الجوع بعينه هو حافزنا الى ادراك قوة المسيح :"بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئاً" (يوحنا 15:5). فإننا في الصوم لابد من ان نتذكر ان الانسان هو هيكل للروح القدس. ولكن المسيحية المعاصرة، مع الاسف الشديد، قد خفضت من أهمية الجوع ومكانته في الصيام فكان بنتيجة ذلك ان تحولت الاصوام إلى مجرد انقطاع عن الطعام لساعات وأيام قليلة فقط قبل ان تنتهي مدة الصوم المعين؛ وما عرفته كنيستنا المسيحية المشرقية قبلا نراه اليوم متاثرا بالعدوى التي وصلتنا من الغرب أخيراً الصوم ضرورة وليس عقيدة. نحن نصوم لان ربنا صام ليعلمنا ذلك. صوم الرب لم يكن من أجله بل من أجلنا، والصوم هو عودة إلى نقطة البداية، بداية حياة جديدة مع الله فنكمل بذلك ما أرسلنا من أجله في هذا العالم الصاخب. الأب باسيليوس محفوض |
|