رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أحد الابن الضال
(لو11:15-32) غادر الابن الضال المنزل الأبوي رغبة منه للتغيير حياته، ولكنه سرعان ما عاد إليه موضحاً الفشل الذي حققه خارج هذا المنزل، كان يطالب بتغيير حياته بأن ينتقل من منزل كله أمان وحماية يرعاه الأب إلى مكان آخر كله مخاطر حيث ينتشر الفساد والشهوة والسقوط، وكان حراً في المغادرة لكن حريته حولته إلى عبد إذ اختار المكان الذي فيه عبودية الأهواء والخطيئة. أراد الابن الضال أن يذوق طعم الحياة بدون رقيب أو موجّه فيذهب حيث يريد و يتصرّف بما يملك من الإرث الأبوي كما يشاء، لكن الشيطان لم يدعه يتمتع بنعيم هذه الورثة الأبوية طويلاً. عندما غادر البيت الأبوي لم يكن يشعر وقتها أنه بحاجة لأملاك أبيه ورعايته، فكان يظن أنه يمكنه الاكتفاء بأصدقائه الذين كانوا يرافقونه يومياً في الحفلات والملاهي، أصبحوا الآن معارفه من البشر وكان يشاركهم بما يملك من مال و أسرار و يستشيرهم ويتبع آرائهم. ترك البيت الأبوي، وسافر بعيداً لكي يكون معهم فاختارهم عن أهله “وسافر إلى كورة بعيدة” (لو13:15). و هذا يعني بأنه كي يلتحق بهم عليه أن يبتعد عن البيت الأبوي، عن الله. وهذا هو الشرط الذي يطلبه الشيطان مقابل ما يقدمه من ملذات الخطيئة. أحزن الابن، بمغادرته، الله الآب لأنه ترك الحضن فارغاً ورمى المحبة أرضاً، جمع حصته من الميراث الأبوي وخرج بسرعة كمن يلاحقه أحد، كانت تستعجله رفقة الضلال. هذه الرفقة أصمّت أذنيه بكلامها الجميل المعسول، وأغلقت عينيه كي لا يرى النهاية التي سيؤول إليها، رغم أنها لم تتأخر فانتهى الضحك والحفلات والأصدقاء عندما انتهت أموال الإرث الأبوي، واختفى الأصدقاء الذين شاركوه سابقاً الفرح والسهر، فلم يعد لديهم سبب للبقاء مع شخص قد أفلس، فتركوه وحيداً فقيراً وجائعاً. هكذا نجد أنه حيث لا يزرع خوف الله يكون هناك الجوع والفقر، لا الجوع عن خبز الطعام بل عن الفضيلة الإلهية، فحيث يوجد الشر هناك يكون الفقر في الفضيلة. تحوّل الابن من ابن غني إلى عبد لأنه فضلّ كل شيء عن البيت الأبوي، وبتحوله أهان الطبيعة البشرية و تخلّى عن المحبة الأبوية وخلع الرداء البهي. لكنه وسط الهاوية والخطيئة وجد التوبة لتكون الرجاء والأمل المنقذ، هو لم يقم بالخطيئة من أعماق قلبه فلذلك عودته إلى ذاته كانت سهلة فأخذ يسأل من يكون؟ وإلى أين يذهب؟ “فرجع إلى نفسه” (لو17:15). وببحثه عن الجواب لتساؤلاته يستيقظ ويقرر العودة إلى أبيه. يرى نفسه أنه فشل عندما غادر البيت الأبوي والآن يأمل أن ينجح في العودة، فالخروج كان سهلاً إنما العودة كانت صعبة في بدايتها ولكنها أصبحت حدث فرح وعودة عن الضلال. كانت عودة الابن مؤثّرة جداً للأب لأنه كان ينتظرها، فسامحه وكرّمه، فعل ذلك لأنه كان يعتبر أن ابنه كان مائتاً فعاش وكان ضالً فوجد، وأنه عندما كان يعيش في الخطيئة كان يعيش الموت يومياً، فالخطيئة تقتل كل محاولة لتقدّم الحياة الروحية، ولا يريد أن يعاقبه أكثر من ذلك. عودته أعادة صداقة الإنسان مع الله الآب. والذي قرّب البشرية الخاطئة مع الله هي تلك الصلاة: “يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك” (لو21:15). وهي صلاة اعتذار الإنسان لعدم تقديره محبة الله وتوبته عن اختياره الخاطئ. يا إخوة، لم تنجح خطة الابن الضال في العيش وحيداً، فطلبه للحرية العالمية أودى به أن يصبح عبداً، لكن يقينه بأن محبة أبيه لن تزول دفعته ليفكر بالعودة، لأنه في أحضان أبيه المحب كان يشعر بالأمان والمحبة. واللحظة التي رفض فيه هذه المحبة صار بدون الرعاية والحماية الأبوية ووقع فريسة سهلة للشيطان. أليس من المفيد لنا أن نتعلم من خبرة الابن الضال، وأن لا نختار عيشته في الفساد والخطيئة بل توبته وعودته للأحضان الأبوية. وتكفينا محبة الله التي يجب أن نتشبّث فيها لأنها تملئنا يقينناً بأن توبتنا الصادقة ستُقبل حتماً. |
|