أنا تعيس لوجودى فى لندن، أولادى مصريين ومش مبسوطين هنا»، قال رجل الأعمال نجيب ساويرس هذه الجملة ثم أجهش فى بكاء استقبلته أجهزتى النفسية على أنه صدق، فى حواره المؤلم مع الزميل وائل الإبراشى. مأساة رجل أعمال بثقل وأهمية ووطنية ساويرس، لم تبدأ بقرار غير مبرر بمنعه من السفر، ووضع اسمه على قوائم ترقب الوصول هكذا دون تحقيق، أو حكم قضائى، أو حتى محضر شرطة، ورغم وضوح القانون الذى لا يفرض ضرائب على أرباح البورصة، إلا أننا أمام نظام يصر على الاجتهاد رغم صراحة النص. لكن المأساة ربما تكون اكتملت على يد نظام يسن سكينه ليذبح رجال الأعمال والاستثمار والصناعة بدعاوى واهنة، وفى التوقيت نفسه يقبل يد من يوافق على الاستثمار عنده، وينسحق تحت أقدام صندوق النقد الدولى، ويتسول من تركيا، وقطر، والعراق، والصين، وألمانيا، بينما لديه مستثمرون وطنيون بإمكانهم إنقاذه من عثرته، وحفظ ماء وجهه البارد أمام مؤسسات المال الدولية. مصر فى كارثة بعد سفر ساويرس وليس العكس، وقد بدأت الكارثة بما تردد عن توقف شركة أوراسكوم للإنشاءات عن التعاقد على مشروعات جديدة، والاكتفاء بإنهاء ما لديها من مشروعات قديمة، ذلك لأن المناخ المصرى أصبح مسموماً من رأسه بتربع جماعة أصولية وصولية هى الإخوان على سدة الحكم، كما أصبح مهترئاً من أطرافه بانحلال أخلاقه، وانفلات أمنه، وتسيب شوارعه، وهو مناخ يصلح للسرقة والتظاهر والخروج على الشرعية، وليس لبناء المشروعات. الكارثة توالت بعد بيع قناة «أون تى فى» لمستثمر فرنسى من أصل تونسى هو طارق بن عمار، ولا نعرف ما الذى يمكن أن يفعله بقناة تمثل أيقونة مختلفة بين الفضائيات، ونكهة فاكهة صيفية لا يشبع من يتذوقها ولا يمل، ولا يجد فى مكوناتها من مذيعين، وبرامج، وفواصل، وتنويهات، تشابها أو عزفاً على الوتر ذاته فى أى فضائية أخرى. لا تنظر جماعة الإخوان ومندوبها فى القصر الجمهورى إلى ما يمكن أن يحدث بعد قتل ساويرس معنوياً بسكين بارد، لا يعنيها مصير أكثر من مائة ألف موظف وعامل بشركاته (بالمناسبة أغلبهم مسلمون ويقيمون الصلاة وبعضهم يؤتى الزكاة)، هى أضعف من أن توفر لهم فرصة عمل بديلة، بل أعجز عن تسيير حركة المرور فى الشوارع إذا تظاهروا احتجاجا. إن دولة تضع مواطنيها فى أفران الضرائب ومحرقة الوقود، وتصلى صلاة الاستسقاء من أجل ٤ مليارات دولار، يجب عليها أن تقدم إكليل زهور لكل من يسند قوامها المعوج، ويمنع انهيارها المنتظر.