ليس عيبا ان نختلف في الرأي ولا ينبغي ان ننزعج اذا تباينت وجهات نظرنا فالاختلافت تنتشر في كل المجتمعات حول كل القضايا الاجتماعية او السياسية او العقائدية او غيرها ، تراها بين الاصدقاء ونلاحظها بين افراد الاسرة الواحدة .. واختلاف الآراء في حد ذاته ظاهرة صحية تدل على حيوية الفكر واستقلال الرأي ونضوج الشخصية . كما ان الآراء السديدة النافعة كثيرا ً ما تجيء وليدة التفاعل بين وجهات نظر متباينة بعد ان يصقلها الجدل الهادف ويبلورها النقاش الموضوعي ، لكن الخطر ، كل الخطر أن يتحول اختلاف الرأي الى خلاف وعداء ، وهذا للاسف ما يحدث في كثير من الاحيان مما يؤدي الى تصدع العلاقات وتمزيق امتن الاواصر التي تربط المجتمعات والاسر والافراد . ولكن لا يحدث هذا التطور المؤسف الا حين نعتبر من يخالفوننا الرأي اشرارا ً منحرفين . وهل يحق لك ان تعادي او تضطهد شخصا ً بسبب آرائه حتى اذا تأكد لك فسادها ؟ إن مبادئ الانسان وافكاره ما هي الا محصلة عوامل وافكار موروثة بحيث اذا تعرض لها اي شخص آخر لتحول لذات الفكر واعتنق نفس المبادئ .. على هذا الاساس تعامل الرب يسوع مع الخطاة ، فمع انه كلي القداسة لا يطيق الإثم الا انه لم يعادي الخطاة ولكنه ترفّق بهم باعتبارهم مرضى يستحقون العطف والرثاء ويحتاجون الى الطبيب والدواء . ليس مجرد مذنبين منبوذين يستحقون العقاب والعذاب . وفي هذا قال قوله المأثور : " لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأَدْعُوَ أَبْرَارًا بَلْ خُطَاةً إِلَى التَّوْبَةِ " ( مرقس 2 : 17 ) ما اروع المسيح على الصليب وهو يطلب الغفران لصالبيه : " يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ " ( لوقا 23 : 34 ) وكأنه يعتبرهم مجنيا ً عليهم لأنهم بعض ضحايا الجهل وبسبب جهلهم يقترفون هذا الجرم الشنيع " لأَنْ لَوْ عَرَفُوا لَمَا صَلَبُوا رَبَّ الْمَجْدِ." ( 1 كورنثوس 2 : 8 ) واذا اردت ان تستميل مخالفيك الى آرائك وتقنعهم بها فتجنب اسلوب التجريح حتى لا تستثير خصومتهم ولكن حاول ان يكون النقاش موضوعيا ً ، منطقيا ً بنّاء ً بعيدا ً عن التوتر ففي هذا الجو يظهر الحق الذي تنادي به جليا ً ساطع . اما الجدل العنيف الصاخب الافكار وتبلبل الآراء فينتهي بالفرقة والعداء . الم ترى كيف يتناقش (يتنافس ) الرياضيون في الملاعب بشرف يهاجمون ويدافعون ملتزمين بقواعد اللعبة وفي نهاية المباراة يتصافحون بقلوب متصافية . وبنفس هذه الروح الرياضية يمارس البعض اعمالهم اليومية في مجالات كثيرة . ولكن كم يحز في النفس ما نراه في بعض الاوساط الدينية حيث يتوتر الجو ويعلو الصياح والالفاظ الخشنة . ولست مغاليا ً اذا قلت إن من الخلافات الدينية ما ادى فعلا الى ابشع انواع القسوة بل الى حروب فعلية . يكفي ان اترك معك كلمات الكتاب المقدس لتتأملها " مُسْتَعِدِّينَ دَائِمًا لِمُجَاوَبَةِ كُلِّ مَنْ يَسْأَلُكُمْ عَنْ سَبَبِ الرَّجَاءِ الَّذِي فِيكُمْ، بِوَدَاعَةٍ وَخَوْفٍ " ( [ بطرس 3 :15 ) والشرط الوحيد بوداعة وخوف .