رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حكايات من دفاتر البطالة: «مفيش شغل.. مفيش فلوس وخلاص مفيش صبر يا مرسى» «كرهنا البلد وعاوزين نسيبها.. بس نجيب منين 20 أو 30 ألف جنيه تمن عقد خليجى» وجه شاحب يميل إلى الاصفرار، ملامح الفقر تطغى عليه، لا يتوقف عن التلفت يمينا ويسارا، صاحب هذا الوجه اسمه محمد طلعت، يبلغ من العمر 55 عاماً يضع أمامه أدوات نحت الخرسانة. عقارب الساعة الآن تقترب من الثالثة عصرا، شارع السودان يفيض بالسيارات والمارة، فى زاوية متسعة منه يجلس الرجل الخمسينى بصبحة زملائه، ينتظرون الفرج الذى يعاندهم منذ عامين. «الشرطة لفقت لى تهمة من غير سبب وأنا برىء»، جملة قالها محمد بصوت خفيض ممزوج بالحزن، تذكر بها الواقعة التى غيرت بسط العيش إلى ضيق فى الرزق. الواقعة مشهورة باسم حادث أسيوط الإرهابى، رغم عدم إدانته تم فصله من العمل كفنى صيانة بمركز ومدينة أسيوط فى منتصف عام 1995، منذ ذلك التاريخ بدأت معاناة الرجل، حتى ضاقت عليه الأرض فى مسقط رأسه بأسيوط بما رحبت، فقرر السفر إلى القاهرة بصحبة زوجته وأبنائه الأربعة بعد أن نصحه أحد الشيوخ بالهجرة إليها، قائلا له: «أو لم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها». سكن طلعت عشة صفيح من عشوائيات السكة الحديد ببولاق الدكرور، أضاف: «رضينا بالهم والهم مش راضى بينا.. . قدمت على شقة فى محافظة الجيزة ومحدش سائل عننا، قدمت على معاش فى محافظة أسيوط برضو محدش معبرنا، أنا راجل كبرت وصحتى بقت على قدها ومش قادر أشتغل فى الفاعل زى الأول، دا أصلا لو فيه شغل». «صبرنا اقترب على النفاد»، يشكو الرجل الخمسينى من نقص فرص العمل فى المعمار خاصة «نحت الخرسانة» التى لا يجيد غيرها وهو عمل شاق عليه ولا يعترف إلا بالقوى المتين، يقول طلعت «بقالى 6 أيام ما طلعتش شغل، بأصحى الفجر وآجى أقعد هنا من 6 الصبح لحد المغرب وبرضو مفيش شغل هنأكل عيالنا منين محدش حاسس بينا بنضطر نستلف لحد ما ربنا يفرجها»، يرجع الرجل ظهره إلى الخلف ويصمت قليلا ثم يكمل: ما أتمناه فى حياتى فقط هو عودتى إلى العمل الذى فصلت منه منذ 20 عاما أو صرف معاش لى عن المدة التى قضيتها بالخدمة وهذا حق لى وليس منحة من أحد. فرغم المجهود الذى أبذله فى مهنتى هذه لا أتقاضى سوى 40 جنيها عن اليوم الواحد إذا كان كاملا، «متعلم مش متعلم كله بقى واحد أنا واخد دبلوم صنايع سنة 1979 واتوظفت بيه فى 1982 ودلوقتى عاطل قاعد على باب الله». فى منطقة أخرى من المهندسين التقينا شابا سنوات عمره لا تزيد على 26 عاماً ورغم ذلك يبدو على ملامحه الكبر والهرم، رث الثياب، خشن اليدين، هو محمد جمال عبدالغنى، شاب جاء من قرية الرياض مركز ناصر ببنى سويف إلى القاهرة ليجد فرصة عمل، يعمل «فواعلى» يكسب قوت يومه من «عرق جبينه»، أجبرته ظروف المعيشة على ترك كليته التى طالما حلم بالالتحاق بها والظفر بشهادتها والعمل بمهنة القضاء -الواقف أو الجالس- الاختلاف بينهما لا يؤرقه.. كل ما كان يشغله العمل فى مهنة يحترمها الناس ويقدرونها تقديرا. «ظروف أبويا على قده، لسه بيشتغل فى المعمار لحد دلوقتى ولىَّ إخوات كتيرة.. عشان كدا سبت التعليم وطلعت من سنة تانية حقوق»، هكذا يقول محمد جمال، الذى أصبح أبا لابنتين، الأولى اسمها حبيبة والثانية حنين، تعانى حبيبة من حساسية فى الصدر تطير النوم من عينيها وعينى أمها ليلاً، يسكن الشاب العشرينى فى شقة بالإيجار، يهدده صاحبها بالطرد لتأخره فى دفعه، يتابع محمد قائلا: «المشكلة مش فىَّ أنا ممكن أى حاجة تقضينى، لكن إيه ذنب بناتى دول بيتبهدلوا معايا، سايبهم فى البلد وجاى هنا أشتغل ويوم شغال وتلاتة لأ»، يستطيع محمد العمل فى أكثر من مهنة.. يعمل «شوانا» للرمل إذا وجد إلى ذلك سبيلا، فيحمله على كتفه ويصعد به أدوارا مرتفعة بصحبة آخرين، ينحت فى الخرسانة إذا طلب منه ذلك، يحمل شنطاً ويوصلها إلى المنازل فى الدقى والمهندسين. «مفيش أى شغلانة عيب.. العيب إنى مقدرش أصرف على عيالى» هكذا يقول الشاب الريفى الذى لا يمتلك أى قطعة أرض أو حرفة دائمة يعمل بها حسب وصفه. يعانى محمد من بطالة ضاقت بها حياته، جعلته يفكر فى السفر إلى الخليج: «إحنا كرهنا البلد وعاوزين نسيبها، بس هجيب منين 20 أو 30 ألف جنيه تمن العقد». ينفعل الشاب ويقسم بالله أنه لم يقم بتغيير جلبابه منذ 10 أيام فى الوقت الذى لا يستطيع فيه العودة إلى البلد لأنه كما يروى صفر اليدين «كافر بالدنيا وما فيها». يشكو أيضاً من تخفيض حصة الأرغفة المخصصة للأسر وعدم قبول أوراقه فى مكتب تموين بنى سويف ضمن المستحقين للدعم، يطلب من الرئيس مرسى النظر بعين العطف إليه وإلى أمثاله من العاطلين، أو على الأقل خلق مجالات للعمل حتى يستطيع معالجة ابنته الصغرى وتعليم الكبرى. جمال محمد خاطر نموذج آخر للبطالة المقنعة التى يعانى منها مئات الآلاف من المصريين، هو رجل أربعينى من مدينة الرياض محافظة بنى سويف، يقيم مع خمسة من زملائه لا يمتلك إلا عافيته، هى رأس ماله الذى يعول عليه فى الرزق. «من ساعة ما اتولدت وأنا شغال بصحتى، طول عمرى شقيان»، أنجب جمال 4 أبناء كلهم بمراحل تعليمية مختلفة، يقول بنبرة يملؤها الحزن والضيق: «شغلنا فى المعمار مش دايم، بعد الثورة زودوا مرتبات الموظفين وبيقولوا عنهم دول «محدودى الدخل» إحنا بقى «معدومى الدخل» بنشتغل يوم واحد وعشرة لأ». لا يعانى جمال وأقرانه من قلة فرص العمل فقط، لكن يعانى أيضاً من البلطجة وانعدام الضمير: تعرض الرجل فى مرات عديدة إلى الضرب والحبس بعد تهرب أصحاب الأعمال من دفع أجرته بعد جفاف عرقه، والتبليغ عنه، بالإضافة إلى التعرض له والاعتداء عليه من قبل الجيران أثناء تنفيذ ما يطلب منه من عمل. ترك الرجل زوجته وأبناءه فى بنى سويف ليبحث عن فرصة عمل تدر عليه دخلا ينفق منه على مرض ابنته الكبرى التى خضعت لعملية جراحية فى الصدر منذ شهور، ويشكو من المستشفيات الحكومية ومن سوء الخدمة بها، «مش معانا نجيب حق العلاج بنضطر نستلف من الناس، لو فضلنا على الحال دا هنضطر نسرق»، يتابع الرجل الأربعينى: الحكومة تتعمد إذلال الفقراء: خفضت حصتهم من الخبز والتموين، كل ما يتمناه جمال أن ينعم عليه الله بالستر بين الناس لا غير، يرتفع صوت الرجل قليلا ثم يقول «أريد أن أوجه رسالة إلى الرئيس مرسى»: «السياسة كدب فى كدب مفيش أى تحسين، 5 أرغفة هيأكلوا كام واحد؟ تتزايد معدلات البطالة فى مصر بشكل ملحوظ، فقد ارتفع معدل البطالة فى الربع الأخير من عام 2012 ليصل إلى 13% من إجمالى قوة العمل مقابل 8.9% فى الربع الأخير من عام 2010 أى قبل اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ليصل عدد المتعطلين إلى 3.5 مليون بزيادة قدرها 1.2 مليون متعطل بنسبة 51% عن نفس الربع من عام 2010، بحسب بيانات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء. ينتظر فرجاً لا يأتي وأكد وزير المالية الأسبق سمير رضوان أن المعدل الحقيقى للبطالة فى مصر يفوق الأرقام المعلنة، لأن الأرقام الرسمية لا تحسب قطاع الاقتصاد غير الرسمى الذى يعمل فيه ثلث القوى العاملة فى مصر. وأضاف رضوان: «هناك شكوك بشأن مصداقية هذه الأرقام، فلم نطلع أبداً على البيانات الأصلية ولا نعرف إذا ما كان يتم إضافة الخريجين الجدد أم يتم حذفهم». وحذر وزير المالية السابق من هذه القنبلة الموقوتة حيث استمرار ارتفاع البطالة بين الشباب ممن هم تحت سن الـ30، التى وفقا للأرقام الرسمية تمثل 74% من البطالة. وقال الدكتور صلاح جودة رئيس مركز الدراسات الاقتصادية إن المصانع تعمل فى مصر بنسبة 15% من طاقتها، أى أن 85% من المصانع العاملة أصبحت فى بطالة، حيث أغلق 3602 مصنع سنة 2012، وقبلها فى 2011 تم إغلاق 3600 مصنع، أى إن 7200 مصنع أغلقت العامين الماضيين بعد الثورة. وأرجع جودة أسباب زيادة معدلات البطالة العامين السابقين إلى الانفلات الأمنى والوقفات الاحتجاجية، وانخفاض الجنيه أمام الدولار 15%، مما أثر على حركة المصانع وتوقف الفنادق عن العمل لأن قطاع السياحة الذى كان يجتذب من 12 إلى 13 مليون سائح سنوياً، أصبح يستقبل عددا لا يتجاوز 3.5 مليون سائح، وبالتالى فإن شركات وقرى سياحية أصبحت تعمل بنسبة 5% إلى 6%، وفى ظل هذا التراجع الرهيب تم خفض العمالة. وأكد جودة أنه يجب أن توفر الحكومة فرص عمل ووظيفة للشباب ممن يقومون بعمل وقفات احتجاجية، فإذا وجد الشاب الوظيفة لا يستطيع بعدها الوقوف فى الشارع، وهذا لن يتم إلا بعد أن تقوم البنوك بحل جميع مشاكلها المالية مع المصانع، مما يجعل العمل يمتص هؤلاء الشباب ويحتضنهم. الوطن |
|