التغيُّرات:
ولكن حصلت تغيرات كبيرة على مر العصور. فلما دخل بنو إسرائيل الأرض، كان القسم الأكبر من المرتفعات مكسواً بالغابات. حتى أنه في زمن المسيح، كما يبدو، كان ينتشر مقدارٌ كبير من الأشجار. وفي العهد القديم يُشار إلى عدة أنواع من الشجر والنبت، وقد زرع الرومان أحراجاً كبيرة. أما اليوم فقد تغيرت ملامح طبيعة الأرض، وزالت الغابات والأحراج بصورة شبه نهائية.
وقد انجرفت التربة من جراء قطع الأشجار للبناء والوقود وإعداد الأرض للحراثة؛ مِما منع نمو أشجار جديدة. وبالتدريج حلت محل الغابات الشجيرات الشائكة التي يكثر وجودها في الأراضي المأهولة منذ زمن طويل على ساحل المتوسط. هذه النباتات البرية المتراكمة تعطل الأرض وليست بصالحة لأغراضٍ نافعة، كالبناء مثلاً. أما الأشجار، مهما كان حجمها، فقليلةٌ بينها؛ وهي عرضةٌ لخطر الحريق الخطر صيفاً. ولعلها اليوم تمثل ما تبقى من الغابات التي كانت كثيفة في ما مضى. كذلك تقلصت الأحراج كثيراً بسبب إزالتها عمداً في الحروب الكثيرة التي شهدتها تلك الأرض، فضلاً عن رعي المعزى المبيد لها. ذلك أيضاً ما حدث لتلال موآب شرقي الأردن، وهي الآن جرداء بعدما كانت منطقة غاباتٍ كثيفة.
ولم تبدأ عملية إزالة الأحراج هذه تشهد الوقف والعكس إلا في نصف القرن الماضي. وقد كان ذلك في وقته، لإنقاذ العدد القليل الباقي من أرز لبنان الشهير وبعض الغابات الجبلية في الشمال. بل إن التغييرات في طبيعة الأرض، خلال الفترة الزمنية عينها، كانت أكثر درامية، لأنها حدثت على نحوٍ أسرع كثيراً جداً من تلك التي حصلت خلال فترة الإبادة الرهيبة. فالمستنقعات جففت وزُرعت. وبساتين الفاكهة غرست محل غابات السنديان القديمة. والري امتد إلى الصحراء، وفي بعض الحالات إلى المناطق التي أصلحت للزراعة تحت حكم الرومان في أيام المسيح. ومعلومٌ جيداً أن بعض أنواع التربة الصحراوية مخصِبة إذا سُقيت. ثم إن القطاع الجنوبي، فضلاً عن أسفل وادي الأردن، هو منطقة زراعية كثيرة الواحات، كأريحا وعين جدي مثلاً.