فى يوم أحد الشعانين (أحد السعف) دخل السيد المسيح أورشليم كملك. واستقبله الشعب بفرح، بسعف النخل وأغصان الزيتون (يو12: 13). فما الرموز والدروس الروحية الكائنة فى سعف النخل وفى أغصان الزيتون؟ ·
1- سعف النخل الذى يستخدمه الناس حتى اليوم هو قلب النخل. حتى أن الباعة حينما ينادون عليه يقولون "قلبك يا مسيحى". هذا القلب هو الذى نقدمه إلى الله الذى قال "يا إبنى أعطنى قلبك" (أم 23: 26).
2- وسعف النخل ليس فقط قلب النخل، بل هو أيضاً جديد وأبيض. وهما أيضاً صفتان لازمتان للقلب النقى، الأبيض الذى تجدد فى المعمودية (رو6)، ووُلد ولادة جديدة "بغسيل الميلاد الجديد" (تى3: 5). فقلب النخلة بلاشك هو ميلاد جديد لفروعها.
3- قلب النخلة أيضاً طرى يستسلم لصانعه يشكله كما يشاء. وهو بهذا يعطينا فكرة عن حياة التسليم، التى بها يترك المؤمن نفسه فى يد الله يفعل بها ما يشاء فى طاعة كاملة للمشيئة الإلهية، دون مقاومة لعمل الروح القدس فيه. مثله مثل قطعة الطين فى يد الفخارى يصنع بها الآنية التى يريد (رو9: 21). وقد اعتدنا فى أيامنا هذه، أن نقدّم لله قلب النخل مجدولاً جميلاً، فى هيئة صليب أو قربانة أو قلب. وكل هذا له دلالاته.
4- وسعف النخلة يذكرنا بالنخلة التى وُصف بها القديسون، فقيل: "الصديق كالنخلة يزهو" (مز92: 12). ولعل الصديق يشبه النخلة فى علوها، وفى اتجاهها نحو السماء. النخلة التى تنمو باستمرار، وتمتد إلى فوق. وفى كل عام يزداد نموها. فهى أمامنا درس فى النمو. كما قال القديس بولس الرسول: "أمتد إلى ما هو قدام، وأسعى نحو الغرض.." (فى3: 13، 14). والنخلة – فيما تعلو إلى وق – أيضاً تمتد جذورها فى العمق قوية وراسخة، تستطيع أن تحتمل كل ذلك الإرتفاع. وهذا أيضاً درس لنا: فى أن روحياتنا لا تكون فقط مظهراً مرتفعاً من الخارج، بل يكون لها كذلك العمق الداخلى، والعمل المخفى كما الجذور فى باطن الأرض.
5- النخلة أيضاً ثابتة مهما عصفت بها الرياح. قد تهزها الريح أحياناً إذا كانت قوية، ولكنها لا تسقطها، لأنها راسخة. على الرغم من أنها تبدو نحيفة وهزيلة. ولكن الجذور القوية التى تربطها بالعمق، تحميها وتحفظها من السقوط.
6- النخلة أيضاً شجرة ناسكة، تمثل الإحتمال والرضا بالقليل. لذلك يمكن أن تسكن فى البرارى والقفار، وتحيا إلى جوار آبا نفر السائح. وتنمو فى الصحراء، وتحتمل الحر والعطش. وقد تُترك فترة طويلة بدون رىّ، فتبقى وتحتمل. وبهذا كانت أشهر أشجار البرية وأقواها. وهكذا كانت تمثل طعام بعض الآباء النسّاك. كما تذكرنا بالقديس الأنبا بولا السائح، الذى كان رداؤه من سعف أو ليف النخل. وتذكرنا بالأديرة التى لا تخلو من النخل.
7- النخلة شجرة مثمرة ومغذية. بلحها يعطى طاقة غذائية كبيرة. وفيه الكثير من المواد الغذائية النافعة. ويمكن حفظه لمدة طويلة بلا تلف، بطرق متعددة. إن النخلة فى هذا الإثمار، تذكرنا بالمؤمن الحقيقى، الذى ينبغى أن يكون لإيمانه ثمر فى حياته وحياة غيره.
8- والنخلة كثيرة المنافع للناس. كل ما فيها نافع. ليس فقط ثمرها الذى هو غذاء نافع. بل أيضاً سعفها يصلح لصنع السلال، وليفها نافع لصنع الحبال، وجريدها نافع لسقوف البيوت فى الأرياف. واقلافها نافعة للوقود. وكذلك فإن جذوعها يستخدمها الريفيون لسقوف بيوتهم وللوقود. وكانوا يجوفونها قديماً، ويستخدمونها لحفظ أجساد الموتى فى بعض العصور. كما أن النخلة أيضاً أم ولود، تنتج حولها نجيلات صغيرات، يمكن أن تُنقل وتغرس فى أماكن أخرى وتنمو. إنها فى كل ذلك درس للمؤمن، الذى ينبغى أن يكون نافعاً من كل ناحية لمن هم حوله ولا يكفى أن يكون كالنخلة يزهو.
ماذا تعنى أغصان الزيتون التى نستقبل بها المسيح يوم أحد الشعانين؟ ·
1- أغصان الزيتون ترمز إلى السلام. منذ أن حملت الحمامة ورقة زيتون خضراء لأبينا نوح (تك8: 11)، مبشرة إياها بأن الطوفان قد انتهى، وعادت الأرض موطناً للسكنى. وورقة الزيتون الخضراء كانت دليلاً على أن الحياة مازالت باقية.. وأن حكم الله بإبادة كل حى على الأرض، قد استبدل بالحياة. وبهذا تكون عقوبة الله قد أستوفيت، وعاد السلام بين السماء والأرض. وهذا يذكرنا بأن السيد المسيح قد صنع السلام بين الله والناس، وبين اليهود والأمم، وأنه نقض الحائط المتوسط. وهكذا تمت بشرى الملائكة "وعلى الأرض السلام" (لو2: 14). ونحيى السيد المسيح بأنه ملك السلام ورئيس السلام (أش9: 6). وهو مانح السلام الذى قال "سلامى أعطيكم. سلامى أترك لكم" (يو14: 27). ونحن نرتل له قائلين "يا ملك السلام، اعطنا سلامك". ونشعر باستمرار أن سلامنا مصدره السيد المسيح نفسه. 2- أغصان الزيتون تذكرنا بزيت الزيتون المستخدم فى مسحة الميرون. أى فى مسحة الروح القدس (ايو2: 20، 27) تذكرنا بزيت المسحة، أو الدهن المقدس للمسحة الذى أمر به الرب موسى النبى، وكان من زيت الزيتون مع أنواع من العطور (خر30: 23 – 25). وبهذا الزيت المقدس مسحت خيمة الإجتماع، وكل المذابح والأوانى المقدسة. كما مُسح به هرون رئيساً للكهنة، ومسح أيضاً كل أبنائه كهنة (خر40: 15). وهكذا تقدست الخيمة والمذابح والأوانى، وصارت "قدس أقداس. كل ما مسها يكون مقدساً" (خر30: 29). وهكذا أيضاً تقدس هرون وبنوه (خر30: 30). وصارت لهم مسحتهم كهنوتاً أبدياً فى أجيالهم" (خر40: 13، 15). وبهذا الزيت المقدس كان يمسح الملوك والأنبياء فى العهد القديم. وبمسحة الميرون يُدهن المعمدون بهذا الزيت المقدس، فيصيرون هياكل لله، والروح القدس يسكن فيهم (1كو 3: 16) (1كو 6: 19). فهل نتذكر فى يوم أحد الشعانين هذه المسحة المقدسة وعمل الروح فينا، حينما نحمل أغصان الزيتون..؟