رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"لأن المدعوّين كثيرون والمختارين قليلون" فالميلاد، تجسُّد الربّ يسوع، هو العرس الحقيقيّ الذي تمّ بين الله السيّد والبشر المدعوّين. لقد اتّحد الله بالبشر بذلك العرس الإلهيّ المقدس. وصار الربّ يسوع مشرباً ومأكلاً حقيقيّين، ويمدّ الله الآب ابنه الآن عشاءً، فهو في الميلاد المقدِّم والمقدَّم، الذابح والذبيحة، العرس والعشاء. الميلاد حقيقة لا يهددها رفض بعض المدعوّين، فالعشاء قائم والميلاد قادم. لكن المشاركة أو الاستعفاء تفرز البشر بين مختارين أو رافضين. يأتي المسيح ليلقي سيفاً على الأرض ويشعل ناراً ويفصل بالنهاية بين الجداء والخراف. حضرة الربّ لا تحتمل حياداً. إما نكون حارّين أو باردين. عدم تلبية الدعوة ليس حياداً. لأنه "من ليس معكم فهو عليكم". الربّ يتوجه بالدعوة، وعدم الإجابة لا يعني الصمت ولكن يعبّر عن الرفض. العشاء قد أُعِدّ والربّ سيحقّق عرسه في المختارين من بين جميع المدعوّين. والتجسد الإلهيّ دعوة بدأت عند اليهود لكنّها لن تقف عندما يرفضها البعض منهم، إنّها دعوة لا بل حضرة ستتّجه إلى كلّ الناس الذين لا يعتبرهم هؤلاء اليهود ويظنونهم أبناء طرق أو مبعدين عند أسيجة الحدود البعيدة. وهذه الشمولية في حدث التجسّد والإيمان المسيحيّ هي منهجيّة أبديّة تمتحننا اليوم أمام حضوره كما امتحنت بني اليهود في زمنه. تجسّد الربّ، ونحن نبدأ بإحياء تذكاره في الميلاد القادم والقريب، هو عشاء للجميع ولن يكون حصراً على الهويات الدينيّة إذا لم يكن حاملوها من المختارين. والمختارون هنا هم ليس من ظنّوا أن الربّ قد اختارهم، وإنّما الذين هم اختاروه. أما الأمر الثاني الذي يبرز إلينا من المثل بشكل صارخ فهو "العثرة" للقارئ من رفض المسيح لأعذار، هؤلاء "المهتمين" بأمور حياتهم، مستخدمين أعذاراً نسميها نحن، عموماً، واجبات. وهل المسيح يطلب منّا هذا الزهد عن الزراعة والتجارة والتربية والواجبات العائلية؟ كيف لم يقبل السيّد هذه الأعذار. وكيف صارت هذه الأسباب "عللاً خاطئة"؟ فالأسباب التي منعت هؤلاء المستعفين عن العشاء هي أعمال ذلك الزمن الأساسية والضرورية للحياة. والله ذاته هو شاء ودبرها لحياتنا! فأين هو الخطأ الذي أثار غضب السيّد؟ والأمر إن اختلف اليوم بمظاهر هذه الأعمال إلا أنّ المسألة هي ذاتها. فنحن لنا أيضاً همومنا وأعمالنا التي قد تكون قد اختلفت عن تلك الأسباب في نوعها، لكنّها قائمة كأسباب "للاعتذار" واعتبارها هموماً "أساسية" تمنعنا عن المشاركة الفعّالة في سرّ العرس والعشاء وحدث الميلاد القادم. الخطأ في كلّ هذه الأسباب الضرورية، أنّها وُجدت لنتجنّد بواسطتها وليس لنستعفي بسببها. هذه كلّها ليست عللاً للاعتذار وإنّما ظروف لرسالة. العشاء هناك سيتمّ وسط الحقل وفي الطريق بالتجارة وفي البيت. حيث المسيح هو خبزنا الجوهري الذي نشتريه بثمن باهظ من الصدق في أعمال الزراعة والتفاني في درب التجارة والتضحية بالحبّ في الزواج. المسيح هو "العريس" للمزارع وللتاجر وللمتزوج. الأعمال مهما تبدلت في مظاهرها ليست هموماً نتعاطى معها بعيداً عن الله وليست اهتمامات يشكل الله اهتماماً إضافياً إلى جانبها. تسمح له حيناً بالتطفّل وأحياناً لوسعها وأهميتها بنظرنا تطرده بعيداً مستعفية عن الاهتمام بما هو "أقلّ أهمية الآن". علاقتنا بالله ليست اهتماماً بين اهتماماتنا، وليست بالأحرى همّاً آخر فوق همومنا. الله لا يقاسمنا خيراتنا ولا يطلب حصته من زمننا ولا جزءاً من اهتماماتنا. إن الله حين يقاسمنا حياتنا يدفعنا إلى إيجاد علل للاستعفاء أو لمشاطرته شيئاً من موجوداتنا أو اهتماماتنا. لكن الله هو بين كلّ الاهتمامات ليس اهتماماً، وبين كلّ الأشغال ليس شغلاً إضافياً علينا، إنّه الغاية لكلّ تلك الأعمال، والهمّ الأساسي في كلّ الاهتمامات، له منّا القلب وليس جزءاً من الحياة. العمل في زراعة أو صناعة أو تجارة أو مكتب أو جامعة... لا يتعارض ودعوة العشاء. لا بل إننا نعمل في أي إطار من تلك الأطر لكي نشتري بهذا العمل قرباناً نقدّمه فيصير ذبيحة حية إلهيّة. هموم الحياة في العائلة والاهتمام بالزوجة والأولاد ليس سبباً لنستعفي من الله عن العشاء. فالله هو هدف هذه الحياة وغاية كلّ هذا الاهتمام، لأننا ننجب أولاً للسماء. الخطأ الذي أغاظ السيّد في استعفاء هؤلاء المدعوّين، أنّهم حسبوه واحداً بين العديد من اهتماماتهم، حينها لا يبدو أنّه أهمّ من الأساسيّات في الحياة والتي هو باركها. لقد سلبوا منه مكانته الحقيقيّة، وهي أنّه هو غايتها. إنّنا نعمل ونتعب ونتاجر ونربي لكي نتعشى معه ذلك العشاء السرّي. حين نسلب من الله عرشه، كونه السيّد وغاية أعمالنا، نرسم لنا عنه صورة المنافس الذي يتطلب منا جزءاً من حياتنا وقد يكون ضرورياً لنا. نحن لا نتقاسم مع الله حقوقنا وحقوقه. وليس لدينا وقت لنا ووقت له. إننا به نوجد ونحيا وإليه نتحرك. لقد بارك الله الأعمال لكي نسعى بها وفيها إليه وإلى عشائه. الله تجسد في العالم لا ليخرجنا من العالم ولكن ليباركنا فيه. محبّة الله ليست لساعات خارج الزمن. محبّة الله فينا هي لتقديس كلّ زمن حياتنا. حضورنا العشاء والمشاركة في العرس ليس لوقت فراغ حين ننهي أعمالنا واهتماماتنا. إن الأعمال وكلّ اهتمام هي في سبيل مشاركتنا هذا العرس ولنذوق العشاء عنده. ليس الله ضد الأعمال وليس بالأحرى عملاً آخر إلى جانبها. الله هو غايتها. الاستعفاء عن العشاء لا يشكل تبريراً، وكما بدا ذلك واضحاً في المثل، وإنّما خطأً ورفضاً لكلّ ما أعدّه السيّد. لقد أعدّ لنا السيّد عرساً ليصير هذا العرس اهتمامنا. وأعدّ لنا عشاءً ليصير هو طعامنا في وسط أعمالنا. فالمدعوّون ليكون الله غاية كلّ شيء في حياتهم هم كثيرون، لكن كثيرين يختارون الأشياء غاية لهم في الحياة، وقليلون هم المختارون الذين في كلّ شيء ومن كلّ شيء يطلبون الواحد الذي الحاجة إليه. من هؤلاء هم الأجداد الذين زرعوا وتاجروا وتزوّجوا وأنجبوا ولكن من أجل المسيح. مارس الأجداد كلّ شيء كشيء من الرسالة وليس كأمر للاستعفاء عنها. وهيّأوا بحياتهم ومن أعمالهم مجيء الربّ الأوّل. المسيحيّ مدعوّ إلى عشاء والعرس لا يعفيه من أعماله ولا تعفيه هذه من ذلك العشاء. كما هيّأ الآباء والأجداد الذين نعيّد لهم قبالة عيد الميلاد لمجيء السيّد الأوّل، هكذا المسيحيّ يحيا في أعماله، نعم، لكن ليهيّئ للمجيء الثاني المجيد للربّ بعد حضوره الأوّل المتواضع. آميـن المطران بولس يازجي " |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
نعم إنه الآن على العرش |
وكل شيء معد تعالوا إلى العرس (مت 4:22) |
العرس والخمر |
لباس العرس |
العرش |