رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخطية أعمت قلوب الأشرار " وَأُضَايِقُ النَّاسَ فَيَمْشُونَ كَالْعُمْيِ لأَنَّهُمْ أَخْطَأُوا إِلَى الرَّبِّ " (صفنيا17:1) ماذا يحدُث لو رأيت إنساناً أعمي؟ لابد أنّك ستشفق عليه، أمَّا إذا رأيته وقد عاد إليه البصر، فأعتقد أنَّ قلبك سيمتليء بالفرح والسرور، علي أنَّ هناك عمى من نوع آخر، ويحتاج إلي إشفاق أعظم وعطف أكثر، والخلاص منه يدعو إلى سرور أوفر، ألا وهو: عمى القلوب!! الذي يُصيب كل الذين يعيشون في الخطية. وعن هذا العمى تنبأ الأنبياء، عندما أعلنوا أنَّ السيد المسيح سيأتي ليهب النظر للعميان، فقد قصدوا بذلك العمى الباطني أكثر من عمى العينين الخارجيّ، لأنَّ المسيح لم يهب النظر إلاَّ لقلة من البشر، في حين أنَّه منح بصيرة الروح وأنار قلوب لأعداد لا حصر لها. وإشعياء النبيّ عندما نطق بهذه النبوة: " وَأَجْعَلُكَ عَهْداً لِلشَّعْبِ وَنُوراً لِلأُمَمِ، لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ " (إش6:42،7)، إنَّما كان يتنبأ عن ذلك العمل العجيب، الذي كان المسيا مزمعاً أن يعمله في القلوب التي قد أظلمتها الخطية، وجعلتها غير قادرة أن تري النور. يقول البابا أثناسيوس الرسوليّ " إنَّ الخطية استشرت في جذور الإنسان، والخطية أدّت إلى عمى الإنسان الروحيّ ". فالخطية إذن تُعمي القلوب عن رؤية أشياء كثيرة لَعَلَّ أهمها: رؤية الرب جاء السيد المسيح إلى عالمنا، لكي يقرع أبواب قلوبنا الحديدية، وقد استطاع بمجيئه أن يفتح لنا باب الشركة القلبية بين النفس والله، إذ قال: " إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كلاَمِي وَيُحِبُّهُ أَبِي وَإِلَيْهِ نَأْتِي وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً " (يو23:14). وعن هذه الشركة قال معلمنا يوحنا الحبيب: " وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ " (1يو3:1). لكن الحياة مع الله تستلزم القداسة، ولهذا كتب مُعلّمنا بولس الرسول في رسالته إلي العبرانيين يقول: " اِتْبَعُوا السَّلاَمَ مَعَ الْجَمِيعِ، وَالْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ " (عب14:12)، وهو بذلك قد وضع القداسة شرطاً لرؤية الرب. وهل يمكن للنور أن يلتقى مع الظلمة؟! فالخطية ظلمة دامسة، وهى تنسج حجاباً كثيفاً، يفصل بين النفس والله، فتعميها عن رؤية الرب ومجده، وقد أوضح هذه الحقيقة إشعياء النبي: " آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ (إش2:59). وكم تستر الخطايا وجه الرب عن قلوب كثيرين " الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ " (2كو4:4). رؤية الأبدية بعد الموت حياة أبدية " فَيَمْضِي هَؤُلاَءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَالأَبْرَارُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ " (مت46:25)، وهذه حقيقة لا ينكرها إلاَّ الملحدين الذين يُنكرون القيامة والحياة بعد الموت!! وأعتقد أن العقل يرفض فناء الإنسان الذي خُلق على صورة الله!! ومع أننا نري الأحياء وهم يُخطَفون من بيننا ويوارون التراب، ورغم أننا نسمع رنين أجراس الكنائس وهي تدق نغمات الحزن، ونشترك في تشييع الموتى إلي مقرُّهم الأبديّ.. إلاَّ أننا لا نتأثر!! لأنَّ الخطية أعمت قلوبنا عن رؤية الأبدية وأمجادها العتيدة. لكنَّ المؤمن الحقيقيَّ هو الذي يعيش علي الأرض، وفي نفس الوقت يضع الحياة الأبدية والأمجاد السماوية أمام عينيه " وَأَيْضاً جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللَّهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ " (جا11:3). والحق إنَّ التأمل في الأمجاد السمائية، يجعل نفس المؤمن تتعزى وروحه تتهلل، فيحتمل آلام الزمان الحاضر بكل فرح، لأنَّه متيقن أنَّها لا تُقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فيه (رو18:8)، وعندما يدنو منه الموت لا يفزع، ولكنه يتهلل ويُشرق وجهه كما تهلل إسطفانوس عند موته، إذ رأي السماء مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الآب فاتحاً له زراعيه لاستقباله (أع 56:7). أمَّا الخطاة فلا يبصرون مجد السماء، ولهذا عندما يسمعون عن الأبدية يرتعبون كما ارتعب فيلكس الوالي أمام بولس الرسول: " ثُمَّ بَعْدَ أَيَّامٍ جَاءَ فِيلِكْسُ مَعَ دُرُوسِلاَّ امْرَأَتِهِ وَهِيَ يَهُودِيَّةٌ، فَاسْتَحْضَرَ بُولُسَ وَسَمِعَ مِنْهُ عَنِ الإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ، وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ وَأَجَابَ: أَمَّا الآنَ فَاذْهَبْ وَمَتَى حَصَلْتُ عَلَى وَقْتٍ أَسْتَدْعِيكَ " (أع24:24،25)، لأنَّ خطاياهم أعمت قلوبهم عن رؤية تلك الأمجاد السماوية، وضمائرهم المثقلة بالشرور اقتلعت من قلوبهم كل رجاء في الأبدية. رؤية طريق السلام يقول الوحي الإلهيّ عن الأشرار: " طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ، جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلاً مُعَوَّجَةً، كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَماً " (إش8:59). وها نحن نتساءل: كيف يعرفون طريق السلام وهم من صغرهم يسيرون في طريق النجاسة، الذي لا يُعطي سلاماً، إنَّما يقضي علي ما في القلب من سلام وفرح..؟! طريق السلام هو مع رب المجد يسوع، الذي قال: " سلاَماً أَتْرُكُ لَكُمْ، سلاَمِي أُعْطِيكُمْ، لَيْسَ كَمَا يُعْطِي الْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا " (يو27:14)، فكيف يرون طريق السلام وقد أعمت الخطية قلوبهم عن رؤية رئيس السلام نفسه؟! وهل نُنكر أنَّ طريق السلام هو ثمرة حياة البر والتقوي وعمل الرحمة مع الآخرين.. فكيف يرونه وخطاياهم فصلتهم عن العيشة الطاهرة، وأعمال الخير والمحبة، وأشغلتهم بأعمال دنيوية، وبحياة كلها دنس..؟! ولهذا يقول إشعياء النبيّ: " لَيْسَ سَلاَمٌ قَالَ إِلَهِي لِلأَشْرَارِ" (إش21:57). رؤية شرور الحياة نفوس كثيرة تعيش في الشر ومستعبدة لخطايا كثيرة، وبينما هم غارقون في بحر آثامهم، وقد أتلفت الخطية نفوسهم، وقضت علي حياتهم، لم ينظروا لعيب في حياتهم!! كملاك(راعي) كنيسة اللاودكيين، الذي خاطبه الرب قائلاً: " إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ " (رؤ17:3). وماذا تقول عن المدمنين الذين أفنوا حياتهم وأهلكوا أنفسهم.. ومن أجل حقنة مُخدرة قد يسرقون ويقتلون أو يضحون بأولادهم.. ومع كل هذا لا ينظرون لنتائج شرورهم!! هل لهؤلاء عيون تبصر؟ لو كانت لديهم بصيرة روحية لعرفوا ما هو الخير؟ وما هو الشر؟ ولكن هذا ليس بغريب لأنَّ سليمان الحكيم يقول: " اَلذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى، وَالْحَمْقَى يَعْبُرُونَ فَيُعَاقَبُونَ " (أم3:22). وقد يفتخرون بفضائلهم كالفريسيّ، الذي تحوَّلت صلاته إلى إدانة العشار!! يقول مُعلمنا لوقا: " أَمَّا الْفَرِّيسِيُّ فَوَقَفَ يُصَلِّي فِي نَفْسِهِ هَكَذَا: اَللَّهُمَّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنِّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النَّاسِ الْخَاطِفِينَ الظَّالِمِينَ الزُّنَاةِ وَلاَ مِثْلَ هَذَا الْعَشَّارِ " (لو11؛18)، لأنَّ خطاياهم أعمت قلوبهم عن رؤية شرورهم القبيحة التي يعملونها، وأظلمت قلوبهم عن رؤية النور، فلم يدركوا الظلام الذي فيهم. وهكذا يحيا الأشرار فى حالة إدانة دائمة، وإسقاط خطاياهم وضعفاتهم على الآخرين ومحاولة تدميرهم، ولو أنَّهم جلسوا مع ذواتهم وحاسبوا أنفسهم، على ما قد وصلت إليه من إنحطاط وفساد لتغيرت حياتهم. مثل هؤلاء العميان بحاجة ماسة إلي لمسة من يد المخلص، لكي تزول الغشاوة التي علي قلوبهم، ويظهر ما كان مخفياً بالداخل من خطايا، عندئذ سيرددون مع الأعمي، تلك الأُنشودة الجميلة التي نطق بها عندما انفتحت عيناه قائلاً: " أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ " (يو25:9). إنَّ لمسة واحدة من يد المُخلص.. حوَّلت ظلمة حياة الأعمي إلي نور.. ولمسة واحدة من نفس يده تقع علي قلوبنا، فتنقلنا من حياة الظلمة إلي النور.. والرب الآن وفي كل وقت يمد إلينا يده.. يريد أن يلمس قلوبنا حتي نبصر هذا النور.. فلنركض إليه كما ركض الأعمي.. ونطلب منه أن يمد يده لتلمسنا.. حتي نري النور ونسير فيه.. قبل فوات الآوان. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لماذا الخطية ؟! للراهب كاراس المحرقي |
موتى الخطية للراهب كاراس المحرقي |
الخطية ضعف لا قوة للراهب كاراس المحرقي |
نجاسة الخطية للراهب كاراس المحرقي |
مرض اسمه الخطية _ للراهب كاراس المحرقى. |