رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الراعي والخروف الضال (مت 18: 12-14) إن سياق مثل الراعي والخروف الضال، في إنجيل القديس متى يختلف عنه في إنجيل القديس لوقا (4:15-7). يوجّه إنجيل القديس لوقا المثل إلى الفريسيين والكتبة الذين تذمروا على يسوع. أمّا إنجيل القديس متى فإنه يوجهه إلى التلاميذ وإلى الجماعة التي تتبعه. بالتالي لا يكون المثل موجهاً إلى الذين "في الخارج، إلى الآخرين إنما إلى خاصته". يهدف المثل في إنجيل القديس لوقا إلى تقديم يسوع، أمّا هنا فإنه يهدف لتقديم توجيه رعوي إلى الجماعة. يريد إنجيل القديس لوقا أن يبرر تصرّف يسوع مع الخطأة العشارين مما أثار دهشة الكثيرين واستغرابهم وشكوكهم. أمّا إنجيل القديس متى فهو يريد أن يذكّر "الجماعة"، بموقف وتصرّف يسوع، وقد كادت أن تنسى ذلك. إنه يهدف إلى دعوة الجماعة، وخاصة المسؤولين فيها، إلى البحث عن الضالين والتائهين. يُعتبر هذا البحث جزءاً أساسياً من اتّباع يسوع. يبدأ المثل بسؤالين يُكسبانه نبرة تبرير واضحة: إنه يريد أن يوضّح شيئاً، ويبرر دعوة ويُقنع بتصرّف. والمثل، في إنجيل القديس متى، موجز خالٍ من الصفات والتفاصيل، فلا يقول، كما هو الحال في إنجيل القديس لوقا، إن الراعي يحمل الخروف الضال عندما يجده على كتفيه ولا يدعو أصدقاءه ليفرحوا معه. الاهتمام كله موجّه إلى العضو الذي خرج عن الجماعة وضل الطريق. لذلك يكرّر الفعل ضلّ ثلاث مرات، وإلى الراعي الذي يهتم بالعضو والجماعة معاً. ولكن هناك نقطة هامة يركّز عليها الإنجيلي: وإيجاد الراعي الخروفَ الضالَ ليس أمراً مؤكداً، بل إنه مجرد احتمال، قد يتحقق أو لا يتحقق. ويتضح هذا من العبارة: "وإذا تم له أن يجده.."(مت13:18..). ويتضمن البحث دائماً احتمال عدم العثور، أي احتمال الفشل. ومع ذلك ليس هذا مبرراً لتردد الراعي أو عزوفه عن البحث. تحيط بالمثل عبارتان تخصان الصغار: "إياكم أن تحتقروا أحداً من هؤلاء الصغار" (مت 10:18) و"أن يهلك واحداً من هؤلاء الصغار" (مت 14:18ب). لذلك يندرج المثل بدقة في الحديث عن الحياة في الكنيسة (مت 1:18-14) والذي يتناول، بالفعل، موضوع الصغار: يحتاج الصغار إلى حسن الضيافة (راجع مت 5:18) ولا يجب تعريض الصغار لخطر وصعوبات الشكوك (راجع مت 6:18-9) ولا يجب إهمال الضعفاء والمهمشين (راجع مت 10:18). ويقدّم المثل في هذا السياق بعض التوضيحات الهامة ذات المغزى أن الصغار ليسوا هم فقط الأشخاص قليلو القيمة أو المكانة الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية، بل الخطأة هم أيضاً صغار ويجب أخذهم بعين الاعتبار والعناية. لا يكفي أن نولي هؤلاء عناية عابرة بل علينا أن نهتم بشأنهم ومصيرهم ويجب أن نعتبرهم "مهمّين"، فنسعى إلى البحث عنهم، وإن اقتضى الأمر، إهمال باقي القطيع، ولو ظاهرياً. كون هؤلاء الأشخاص ضلوا ليس مسوغاً ولا مبرراً لتهميشهم، بل يجب وضعهم في مركز اهتمامنا، كما هم بالفعل في مركز اهتمام وعناية الله. تقوم نقطة القوة في المثل في الفرح بوجود الضال، لذلك يركّز الإنجيلي عليه بطريقة مزدوجة: "أقول لكم". "إنه يفرح به أكثر من التسعة والتسعين التي لم تضل" (مت 13:18). يبدو أن تصرّف الراعي غير منطقي ومتناقض، إذ يترك التسعة والتسعين خروفاً، ليتفرغ للبحث عن الضال، وعندما يجده يهتم به أكثر من اهتمامه بها. ولكنه في الواقع وصف دقيق للمواقف والخبرات الإنسانية: عندما يجد الإنسان شيئاً ثميناً كان مفقوداً فإن سعادته بذلك تكون بالغة. كان المرء، بكل تأكيد، سعيداً بهذا الشيء الثمين قبل أن يفقده. لكن سعادته تلك تتصف بالهدوء والقناعة. إنها سعادة تلقائية مفروغ منها. وبعد مرارة وحزن وأسى فقدان هذا الشيء الثمين يتفجر فرح وسعادة العثور عليه مرة أخرى، وتكون سعادة بلا حدود. هل لوجود شخص واحد، سواء كان خاطئاً أم لا، هذه الأهمية في الجماعة؟ ربما ينتاب المرء الإحساس ويتولّد لديه الانطباع أنه أمام مبالغة من مبالغات الأمثال. ولكن الأمر، في الواقع، صحيح وحقيقي، بلا مبالغة. وعندما يركّز المثل على هذا الأمر ويبرز أهميته فإنه يعكس بأمانة توجهات وقناعات إنجيل القديس متى. يركّز الإنجيل على الاهتمام بالإنسان الفرد (راجع مت 5:18و6و10و14). يجب على المرء أن يقلب موازين حساباته لتقدير ما هو كبير وما هو صغير، ويجب إعادة النظر في الأهمية التي نوليها للعدد: لكل شخص، بمفرده، أهمية. هل هذا الأمر غريب؟ أجل، إنه غريب إذا كان المنطق الكامن تحت اهتمامات الجماعة والذي يحدد أولوياتها هو العدد أو الجاه والمكانة أو ما شابه ذلك، ولكنه لا يكون غريباً على الإطلاق، إذا كان منطق ومقياس الجماعة هو الحب والتسامح. لقد وضع إنجيل القديس متى هذا المثل في سياق تعليمات محددة ومباشرة وبذلك يؤكد على أهمية وأولوية البحث عن الخطأة. لا يجب أن يقتصر البحث عنهم على المشاعر والكلمات، ولا على الصلاة من أجلهم ومن أجل توبتهم وهدايتهم. يجب أن يتخذ البحث عن الخطأة أشكالاً وأبعاداً ملموسة في الخطط الرعوية وفي الاختيارات المؤثرة وفي الأعمال والتصرفات. إن تمثّل الكنيسة بالراعي في مثل الخروف الضال يجب أن يكون واقعاً ملموساً وليس مجرد موضوع كلام أو رسائل وخطابات. |
|