15- ذاتك ومديح الناس
كلمتك في المرات السابقة عن إنكار الذات، وما يزال هناك كثير أقواله لك في هذا الموضوع حتى نصل سويا إلي انطلاق الروح..
أتريد يا أخي أن تصل إلي الله؟ أتحب أن تردد عبارة الطوباوي بولس {لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح فذاك أفضل جداً} إذن فانطلق أولا من ذاتك، من ذاتك التي تعبدها بدلا من الله وتحاول باستمرار أن تراها ممجده معظمه أمام الآخرين.
هل يمجدك العالم يا أخي الحبيب، وهل تقبل منه هذا التمجيد؟ يا لك من مسكين.. ألست تعلم أن المجد لله وحده؟ لأنه خالق الكل ومصدر جميع الكائنات ولأنه الوحيد الواجب الوجود، والأزلي، والقادر علي كل شيء، والماليء كل مكان.. ألست تعلم أذن أنك أن مجدت ذاتك، أو مجدك الناس فإنما تسلب صفة من صفات الله. وتنسبها إلي نفسك!! أهي التجربة التي حاربت أباك آدم، إذ لم يكتف بما وهبه الله من نعيم، بل أراد أن يكبر حتى يصير مثل الله؟
ومن أنت يا أخي حتى تتمجد؟! هل للتراب مجد أو للرماد كرامة أو للعدم احترام وهيبة؟! ثم ألست خاطئاً مثلي، وان كان الله قد سترك وأخفي عيوبك عن الناس – فهل للخاطئ مجد وهل للضعيف كرامة؟ إذن لماذا تمجد نفسك، وأنت تعرف حقيقتك بكل ما فيها من خطايا ونقائص وعيوب...
هل تفعل هذا لأن الناس لم يعرفوا حقيقتك بعد، ولم يعلموا كل شيء من ماضيك، ولم يكتشفوا كل ضعفاتك، ولم تظهر أمامهم أخطاؤك؟ لماذا إذن تخدعهم وأنت تعلم؟ بل لماذا تخدع نفسك والخداع لا يفيدك شيئاً؟؟
ألهذا الحد تستغل ستر الله وكتمانه حالتك عن الناس.. أتوده إذن أن يعلن للآخرين أفكارك وأحاسيسك ورغباتك المكبوتة...!!
ثم لماذا عن مجد زائل، لا يصحبك بعد الموت، ولا يقف معك في يوم الدينونة. أمام الديان العادل، الذي لا يتأثر في حكمه عليك برأي الناس فيك، لأن كل شيء مستور، هو عريان قدامه..
ألا يزال عزيز عندك مدح الناس؟ ألست تعرف أن مديحهم زائف: لأنه يكون أحيانا على سبيل المجاملة أو التشجيع أو التملق أو الخجل كما أنهم حتى إن صدقوا وأخلصوا فهم إنما يحكمون حسب الظاهر وليس فيهم من يقرأ فكرك، أو من يعرف نياتك، أو يدخل إلي قلبك ليفحص ما فيه...
يا أخي الحبيب: أنني لا اشك قد أثقلت عليك بأفكار مجتمعة فهل تريد أن أقص عليك قصة، لتكن أذن قصة نبوخذ نصر {دا4: 29-33}: هل تعرف كيف نسب لنفسه مجداً زائلاً؟ وهل تعرف كيف كانت نهايته؟ إذن ليته يكون درساً لك...
أتراك تضايقت؟ سامح ضعفي، وأسلوبي الخشن في التعبير. ولكن أهي عادتك باستمرار أن تتضايق من شخص يكلمك بصراحة؟ لا يتملقك، ولا يستعمل معك ألفاظ التفخيم التي يستعملها الناس.. لماذا؟ الأولي بك يا أخي العزيز أن تحب هذا الأسلوب، لأنه يوقفك أمام حقيقتك، وما أشد احتياجك إلى الوقت أمام هذه الحقيقة، حتى تعرف نفسك، تلك المعرفة اللازمة لخلاصك.
ولكن دعنا نناقش الأمر معا. لماذا تريد أن تظهر عظيما أمام الآخرين؟ أهو مركب النقص؟ هل تشعر في ذاتك أنك في درجة صغيرة. وتريد أن تعوض ذلك بأن تكتسب مدح الناس بحرارة عن نفسك حتى لا تظهر أمامهم معيبا، وأن وقفوا منك محايدين لا مدح ولا مهاجمة، لم يعجبك هذا أيضاً وأخذت تتسول مدحهم بأن تحدثهم عن فضائلك حتى يعجبوا بك فيمدحونك..
أهذه هي الحقيقة؟ أن كانت كذلك، فلنحاول مناقشتها معاً:
حسن يا أخي أن تشعر بأنك ناقص وخاطئ وضعيف وأقل من الناس جميعاً، ولكن علاج هذا النقص لا يأتي بإضافة نقص جديد إليه عن طريق محبة مدح الناس، وإنما يأتي بتكميل الذات وإصلاح أمرها.
لماذا يهمك رأي الناس فيك ومدحهم إياك؟ ألعلك ستدخل ملكوت الله ان رشحك الناس لهذا؟! إذن فأعلم أن كثيراً جداً من الذين يمدحهم الناس سيلقون في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت..
{وويل لكم أن قال فيكم الناس حسنا} {لو26:6}.
مدح الناس يا صديقي وقتي وزائل. وهم لا يثبتون علي حال. الذين هتفوا للسيد المسيح كملك. صرخوا أيضاً قائلين {اصلبه اصلبه} ومدح الناس أيضاً زائف لأنهم لا يعرفون الحقيقة تماما.
إليك سؤال يهمني أن تجيب عليه أجابة صريحة:
ماذا يكون شعورك عندما يمدحك الناس وأنت تعرف عن خفاياك ما يخجل؟
هل تنسي أثناء مدحهم تلك الخطايا التي لو عرفوها عنك لطردوك خارج المجمع أم أنت تتناساها؟ أم تعتبرها مكدرات لا يجب أن تظهر أثناء نشوتك بمديح الآخرين؟ إذن فأنت يهمك فقط خارج الكأس، يهمك أن تكون كالقبور المبيضة من الخارج ومن الداخل نتنة؟!
إذن فأنت تهمك الحياة الأرضية فقط ولا تأبه للحياة الآتية. صارح نفسك يا أخي المحبوب بحقيقية مشاعرك، واعترف بهذا بينك وبين نفسك أولاً، ثم اسكب هذه الذات أمام أب اعترافك، أسكبها في بكاء وأنين وألم مر.
وإليك ما يجب أن تشعر به عندما يمدحك الناس:
1) اشعر أولاً أنك ربما تكون مرائيا، تظهر للناس غير ما تبطن. قل لنفسك في صراحة {أنني شخص خاطئ دنس، وعندما أجلس إلي أب أعترافي أكاد أذوب خجلا وعندما أحاسب نفسي علي خطاياي تنسحق ندما وشعورا بالخسة والحقارة، وتصغر ذاتي أمام عيني، وعندما أقف للصلاة أشعر أنني غير مستحق أن أرفع نظري إلي فوق.. فلماذا إذن يمدحني الناس. ألعلني مرائي؟ ألعلني ذو وجهين؟: أظهر أمام الناس بشخصية، وحقيقتي شخصية أخري؟ هل أنا ممثل؟ ربما أكون...
2) أشعر أن مدح الناس ربما يجعلك تستوفي أجرك علي الأرض فلا تنال أجراً في السماء، وهكذا يضيع إكليلك بثمن بخس. إن مدحك الناس فخير لك أن تحزن. أحزن علي أكليلك الذي يوشك أن يضيع. وهذا الحزن المقدس يصفي نفسك ويجعل روحك تنطلق بالأكثر.
3) عند مدح الناس لك أشعر أنك ربما تكون مختلسا: قد سلبت مجد الله ونسبته إلي نفسك. لقد قال السيد المسيح: {لكي يروا أعمالكم الحسنة، فيمجدوا أباكم الذي في السموات {مت16:5}. فإن كان المجد قد رجع إليك أنت بدلا من الآب، فربما يكون هذا اختلاساً وأنت لا تدري، أو وأنت تدري. عندما تصلي وتقول: {لأن لك الملك والقوة المجد}. أنب نفسك التي تريد أن يكون المجد لها فتنافس الله في قوته.{ليس لنا يا رب ليس لنا، ولكن لاسمك القدوس أعط مجداً} {مز1:115}.
4) عندما يمدحك الناس أنكر ذاتك، ووجه أنظارهم إلي الله، في غير رياء وفي غير تظاهر بالتواضع، أذكر لهم انك خاطئ. وضعيف وأن الله هو الذي فعل الأمر الذي يستحق المديح.
وكما توجه هذا الكلام إلي الآخرين، توجه به أيضاً إلي نفسك وأقتنع به حتى لا تعود فتنتفخ.
5) إذا وجدت البعض قد بدأ قصة أو حديثا أو خبراً سينتهي بمدحك، حاول أن تغير مجري الحديث أو علي الأقل لا تُسَرّ بالمديح، وانسبه إلي الله عن اقتناع.
6) عندما يمدحك الناس تذكر هاتين الآيتين الجميلتين {مجداً من الناس لست أقبل} {يو41:5}.{مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك..} {يو5:17}. احفظ هاتين ورددهما كثيراً في فكرك.
7) وعندما يمدحك الناس تذكر خطاياك، واترك ضميرك يؤنبك حتى يكون هناك توازن بين داخلك، وبين مدح الناس من الخارج.
وأخيراً، أن كان هذا هو المطلوب منك عندما يسعى إليك مدح الناس فبديهي جداً أنك لا تسعي بنفسك إلي طلب هذا المديح أو أستجدائه مما سنرجع إليه في المقال القادم أن شاء الرب وعشنا. صلي من أجلي