الفوائد الروحية لمخافة الله
فما هي الفوائد الروحية لمخافة الله؟
أولًا: هي حصن من السقوط.
إنها رادع لنا يمنعنا من ارتكاب الخطية. فإن سقطنا، تكون مخافة الله حافزًا لنا على التوبة... نقول هذا لأن كثيرين من الذين قفزوا إلى محبة الله دون أن يعبروا على مخافته...
وأصبح كلامهم كله عن الله المحب العطوف المتأني، الذي لم يصنع معنا حسب خطايانا ولم يجازنا حسب آثامنا (مز103: 10)... هؤلاء لم يفهموا المحبة فهمًا سليمًا. ولأنهم لم يتعودوا المخافة، قادهم هذا إلى الاستهانة والاستهتار وعدم الاهتمام بالوصية، وبالتالي إلى السقوط.
فما هي المحبة إذن؟ إنها ليست مجرد مشاعر. فالرب يقول: "من يحبني يحفظ وصاياي" (يو14: 3). والقديس يوحنا الرسول الذي قال إن المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج، هو نفسه الذي قال في نفس رسالته " لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق" (1يو3: 18).. فما هي هذه المحبة العملية؟ إنه يقول " إن هذه هي محبة الله أن نحفظ وصاياه" (1يو5: 3).. طبعًا نحفظها عن حب.. ولكن هذه درجة عالية، يسبقها أن نحفظ الوصايا عن طريق المخافة..
وطبيعة الناس هكذا: لم يولدوا قديسين، بل جاهدوا بمخافة الله، وبالتغصب وقهر النفس، حتى وصلوا إلى المحبة. وهكذا يقول القديس بولس الرسول:
" مكملين القداسة في خوف الله" (2كو7: 1). وكيف نكمل القداسة في خوف الله؟ وكيف نطيع أيضًا القديس بطرس الرسول في قوله "سيروا زمان غربتكم بخوف" (1بط1: 17).
يبدأ الإنسان حياته الروحية بالحرص الشديد من السقوط في الخطية... يخاف من العثرات ومن الاغراءات ومن حروب الشياطين، وغير مغتر بقوته ومقاومته، واضعًا أمامه قول الرسول:
" لا تستكبر بل خف" (رو11: 20).
وهو أيضًا يخاف أن يغصب الله، ويضع أمامه السيد المسيح له المجد " لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد.. بل خافوا بالحي من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم" (متى10: 27). " نعم من هذا خافوا" (لو12: 5).
هذا هو الخوف من عقوبة الله، يبدأ به الإنسان، وقد يستمر معه طول الحياة.. وقد قال أحد الآباء: أخاف من ثلاثة أوقات:
وقت خروج روحي من جسدي، ووقت وقوفي أمام منبر الله العادل، ووقت صدور الحكم على...
ولا شك أن هذه الأوقات الثلاثة مخيفة لكل إنسان، إلا للذين عاشوا في محبة الله الكاملة، وتمتعوا بعشرته المقدسة في أعماقها، ولم يعد ضميرهم يبكتهم على شيء.
أما الذي يخشي أن ينكشف في حياته شيء يوم تفتح الأسفار، فهذا لابد أن يخاف.
والخير أن يخاف الإنسان ههنا، من أن يخاف في يوم الدين..
لأن خوفه ههنا، إنما يقوده إلى التوبة وإلى الصلح مع الله إن أراد.
أما ذاك الخوف في يوم الدين، فإنه خوف خرج عن حدود الإرادة البشرية. الخوف ههنا يعطينا حياة الخشوع، وحياة الدموع، ويعطينا الإرادة في الرجوع. ويكون سياجًا لنا في الطريق حتى لا ننحرف... ونحن نقول في صلاة الشكر " امنحنا أن نكمل هذا اليوم المقدس وكل أيام حياتنا، بكل سلام مع مخافتك".
عجيب أن أشخاصًا يخافون من الناس، ولا يخافون الله.
يخافون أن يخطئوا أمام الناس لئلا يصغر قدرهم في أعينهم. ويخافون أن تنكشف خطاياهم أمام الناس. خوفًا من الفضيحة. ولكنهم مع ذلك يرتكبون أية خطية أمام الله بلا خوف مادام الأمر في خفية عن الناس.
إنهم يستغلون طيبة الله ومحبته!
ويستغلون إيمانهم برحمة الله وحنوه وتسامحه ومغفرته وقلبه الواسع الذي غفر للزانية ولناكر... ويقودهم هذا للأسف الشديد إلى التساهل في كل حقوق لله عليهم! ويعيشون في حياتهم الروحية بلا جدية، وبلا التزام!
وكأن الله إن كان لا يعاتبنا، ولا يعاقبنا، فلا اهتمام من جانبنا.. ونصل بهذا إلى اللامبالاة...
إن المحبة الكاملة التي تطرح الخوف هي للقديسين الكبار، وليس للمبتدئين في التوبة أو المقصرين في رو حياتهم.
لذلك عش في مخافة الله، ولا تقفز قفزًا إلى المحبة، بطريقة نظرية تدعي فيها ما ليس لك.. ولا تحتقر مخافة الله كدرجة بسيطة لا تصلح لك!
إنما ثق تمامًا أنك كنت أمينًا في القليل الذي هو المخافة. فسيقيمك الله على الكثير الذي هو المحبة. إذن في حياتك الروحية بنظام يوصلك إلى الله. وبخطوة سليمة تقودك إلى خطوة أخري بطريقة عملية. دون اشتهاء لمظهرية لها صورة الروحانية ولا توصلك!
إن قمة الحياة الروحية هي حقًا المحبة الكاملة. ولكنك لا تبدأ بالقمة. ابدأ بالمخافة. حينئذ تصل إلى القمة دون أن تعثر. وبخاصة في هذا الجيل المستهتر الذي كثرت فيه الخطية والذي كثرت فيه الشكوك والعثرات. والذي يوجد فيه من ينكرون وجود الله أحيانًا ويخاصمونه!!
الذي فيه مخافة الله يتقدم كل يوم لأنه يخاف عدم الوصول إلى هدفه.
أما الذي ليست فيه مخافة الله فإنه عدم الوصول إلى اسفل..
الذي يخاف الله يري طريق الكمال طويلًا جدًا أمامه: فيحاول بكل جهد أن يصل. مثل تلميذ يجد أمامه مقررًا طويلًا لم يحصل منه عشرة، فيخاف أن يدركه الامتحان دون أن ينتهي منه.. ويدفعه الخوف إلى مزيد من الجهد.
ونحن أمامنا منهج روحي طويل يتلخص في كلمتين القداسة والكمال قال لنا الرب " كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (متى5: 48) وقال أيضًا " كونوا قديسين".. فمن منا وصل إلى هذا المستوي. لذلك نخاف أن يدركنا الموت ولم نصل. ويدفعنا الخوف إلى الجهاد...