كانت القبائل العربية المنتشرة فيما بين الحدود المصرية الشرقية وبين الشواطئ الآسيوية قد اعتنقت المسيحية نتيجة لمجهودات أوريجانوس سنة 226 م. وحدث أن تكتلت هذه القبائل فألَّفت فيما بينها دولة واحدة تحت إمرة ملكة اسمها موفيا، فكونوا بوحدتهم قوة أفزعت الإمبراطور فالنس الأريوسي وجعلته يسعى إلى عقد معاهدة معهم. وإذ اتحدت هذه القبائل شعرت بالحاجة إلى أسقف يرعاها، وكان يعيش في الصحراء الشرقية وقتذاك راهب متوحد اسمه موسى أحبه أفراد هذه القبائل وقرروا أن يختاروه أسقفًا لهم. فلما عرض الإمبراطور فالنس على الملكة موفيا عقد معاهدة معها ومع قومها، أعلمته باستعدادها لإبرام هذه المعاهدة بشرط واحد: هو أن يُمكِّن موسى القبطي من الذهاب إلى الإسكندرية لرسامته أسقفًا، ولم تكن الملكة موفيا قد اعتنقت المسيحية بعد ولكنها فيما اشترطت قد عبرت عن رغبة شعبها. ووافق الإمبراطور على هذا الطلب لرغبته الملحة في عقد المعاهدة مع القبائل المتكتلة. ووصل موسى القبطي إلى الإسكندرية فوجد فيها لوسيوس الأريوسي الدخيل مغتصب الكرسي المرقسي كما وجد جميع الأساقفة الأرثوذكسيين منفيين، وعندها وقف في وسط الكنيسة المرقسية وقال بصوت جهوري: "إنني لا أستحق كرامة الأسقفية ولكني قبلتها استجابة للمحبة التي أولاني إياها من اختاروني وأولوني ثقتهم، ولن أقبل بحال ما أن يضع عليَّ اليد واحد من ناكري لاهوت سيدي ومخلصي الحبيب.فإن أوصلتموني إلى أسقف أرثوذكسي قبلت من يده هذه الكرامة العظمى، وإلا أعيدوني إلى وحدتي في الصحراء". وعبثًا حاول حام الإمبراطور أن يثنوه عن عزمه وعبثًا حاولوا إقناع الملكة موفيا أن ترجع عن تأييد الراهب موسى في موقفه الحازم وعبثًا حاولوا زحزحة الشعب عن اختيار هذا الراهب، فاضطروا في نهاية الأمر إلى الإذعان، وصحبوا الراهب موسى إلى أقرب منفى للأساقفة الأرثوذكسيين حيث وضعوا عليه اليد بين تهليل الشعب الذي امتزج فرحه بإعجابه بالراهب موسى الذي رفض في جرأة وعزة أن يذعن للحكام الغاشمين وأظهر زيف سلطان الأريوسيين وعجزهم.بعد أن تمت رسامته ذهب الأسقف موسى إلى شعبه الذي أحبه وأكرمه، ومن ذاك الوقت كرس الأنبا موسى حياته وجهوده في خدمة هذا الشعب الذي ناصره على خصوم الأرثوذكسية. وقد نجح في النهاية إلى اكتساب الملكة موفيا إلى الدين المسيحي، ومن ذلك العهد انضمت بلاد العرب إلى الكرازة المرقسية.