رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حياة الفضيلة والبر ((23)) بقلم قداسة البابا شنودة 14\11\2010 من عوائق الفضيلة التساهل مع الخطية كثيرون يبدأون مع الله بداية طيبة ، مشتعلة بالحب ، ولكنهم لا يستمرون ، ونبرد فيهم هذه المحبة الأولي ، فما السبب ؟ من ضمن الأسباب البارزة : التساهل مع الخطية ومع النفس ... كيف سقط الإنسان الأول ؟ سقط بالتساهل مع الخطية . تساهل لنفسه أن يجلس إلي الحية ويسمع منها كلاماً ضد الوصية ، فقاده إلي الإغراء ، ثم إلي الضعف فالسقوط . لم تكن حواء حازمة مع الفكر الخاطئ الذي قدمته الحية . إنما قبلته ، وناقشته ، ثم استسلمت له وانتصر عليها الفكر ثم تطورت إلي خطايا أخري كثيرة . وفقدت بساطتها ، ونقاوتها ....... كثيرون سقطوا نتيجة للتساهل وعدم التدقيق ، كما في سفر القضاء . يحكي لنا هذا السفر ، كيف أن بني إسرائيل وقعوا في عبادة الأصناتم ، وعبدوا آلهة الأمم . وعبدوا ملوك الأمم ، واسلمهم الرب إلي أيدي أعدائهم فأذلوهم . فكيف حدث هذا ؟ نبحث عن سبب هذا السقوط وهذا الذل ، فنجد أنهم لما دخلوا الأرض ، استبقوا بعض الكنعانيين فيها ، مجرد إهمال ، أو تساهل ، أو رغبة في فائدة معينة . ثم اختلطوا بهم وزادت الصلة ، وتزاوجوا منهم . وتطور الأمر إلي أمر عبدوا آلهتهم .. وكل هذه المشكلة سببها التساهل في الإختلاط بالأمم ! لا تظنوا أن الشيطان عندما يوقع الناس ، يبدأ بضربة قاضية ! كلا ، بل قد يبدأ بشئ بسيط ، ثم يتدرج به ... قال عنه أحد الآباء إنه " فقال حبال " وحباله طويلة إلي أبعد الحدود . قد يرسم خطة لعشرة سنوات ، يسقط فيها غنساناً بعد هذه المدة ، بسياسة المدي ، سياسة التدرج والنفس الطويل ،بطريقة قد تبدو غير محسوسة ...! فلنأخذ مثالاً آخر للسقوط التدرجي ، هو شمشون الجبار . إنه رجل الله ، الذي حب عليه روح الرب . كن يسكن في أورشليم ، وتساهل في أن يذهب منها أحياناً إلي غزة . وفي غزة وجد لذة لنفسه ، فكثر تردده عليها ، وأقام ، وأتخذ له إمرأة . ثم تدرجت علاقاته الخاطئة ، إلي أن تعرف أخيراً علي دليلة ، وتدركمعها حتي باحلها أخيراً بسره ، وبنذره وسقط السقوط الأكبر الخطير . ومتي صحا لنفسه ، أخيراً . بعد أن فقد بصره ، وأذله أعداؤه ، وطلب إلي الرب أن تموت نفسه معهم ....! يعقوب أبو الآباء تساهل في غلطة تحولت عنده علي طبع . تساهل مع نفسه ، في أستخدام الحكمة البشرية ، بدلاً من مشيئة الله ، فاعتمد علي ذكائه ودهائه وجلب لنفسه الويل . استخدم ذكاءه وحيلته لما وجد أخاه جائعاً ويطلب منه طعاماً ، فأتخذها فرصة لن يشتري بكوريته . ثم استخدم أيضاً الحيلة والعمل البشري لما خدع أباه واخذ البركة . واستخدم نفس الأسلوب في الإستيلاء علي غنم خاله لإبان . واستخدم الفكر البشري في النجاة من أخيه عيسو ، وصار هذا الأمر طبعاً تطبع به ... وقد أدبه الرب بأن أذاقه من نفس الكأس ،فسمح أن يخدعه خاله في تزويجه من ليئة ، وأن يخدعه أبناؤه في قولهم له إن يوسف قد اقترسه وحش ردئ ... إن يعقوب لم يترك تصريف أموره لله منذ البدء ، وتساهل في استخدام الحيل البشرية ، حتي تمكن منه هذا الطبع . وكثيرون وقعوا في نفس الخطية ، تركوا الوصية جانباً ، ولجأوا إلي الحكمة البرشية والذكاء الخص ، لعلهم يصلون بهذا ! كثير من السرقات الروحية ، تأتي بالتدريج البطئ ، الذي لا يحس . إن الهبوط المفاجئ الشديد ، يتنبه له الإنسان ، ولكنه قد ل يشعر بالنزول التدريجي البطئ ، فتسرقة خطة الشيطان ، لهذا ما اجمل قول الكتاب في سفر نشيد الأناشيد : " خذوا لنا الثعالب ، الثعالب الصغيرة ، والمفسدة للكروم " ... أن الثعلب الكبير الماكر قد يلفت نظرك ، وقد يقتحم اسوارك بصعوبة ، أما الثعالب الضعيرة ، فإنها قد تجد لها مدخلاً إليك ، من أي ثقب بسيط داخل نفسك لست ملتفتاً إليه : كثيرون سقطوا ، لأنهم وقعا فيها نسميه بالصحو المتأخر . اي أنهم لم يستيقظو لأنفسهم ويعرفوا حالتهم إلا متأخرين ، بعد ان تمكنت الخطية منهم . وسنضرب لذلك أمثلة : لنأخذ مثال لوط ، وكيف صحا متأخراً جداً ، فسقط كثيراً . بدأت خطة الشيطان بفصله عن أبينا إبراهيم ، عن القدرة الصالحة ، عن رجل الله ، وعن المذبح والإرشاد الإلهي ، وتساهل لوط في هذه النقطة ، ووافق أن يسكن بعيداً ثم وافق أن يختار لنفسه ، وفي الإختيار سقط في محبة الأرض المعشبة ، وهكذا أختار سادوم علي الرغم من فسادها .. وفي سكني سادوم ، تدرج أيضاتً فلم يدخل في أعماقها مرة وأحدة . ولكنه ما لبث أن اختلط بأهلها ، ثم تزاوج معهم . ووقع معهم في السبي ، لم يستيقظ ضميرة . وظل في المدينة كان الرجل البار يعذب نفسه يوماً يوماً في الإختلاط بهؤلاء الأشرار {2بط8:2}. وأخيراً متي صحا ؟ عندما جاءه الملاكان ينذر أنه بهلاك المدينة وخرج منها . وقد فقد كل ما كان له حتي زوجته . كان لوط درساً . فلنأخذ مثالاً لتدقيق القديسين ، من قول الكتاب : " كل كلمة بطالة تخرج من أفواهكم ، تعطون عنها حسابا في يوم الدين " . لم يفهم القديسون عبارة { الكلمة البطالة } علي أنها الكلمة الشريرة مثل الكذب والشتيمة والتجديف والإدانة ، وإنما فهموا الكلمة البطالة ، علي أنها كل كلمة ليست للمنفعة ، ليس للبنيان لا تبني نفس السامع ، ولا تبني الملكوت . وهكذا صمتوا ، لا يتكلمون إلا بحساب ، حينما يرون ان كلامهم سيكون للبنيان . الروحي . لاشك أن الذي يدقق في كلامه ، بحيث لا يلفظ إلا بكلام نافع روحياً ، ليس من السهل أن يلفظ بكلمة شريرة .. أن التدقيق هام جداً ، تري له مثالاً في وصية الرب : " إن اعثرتك عينك فاقلعها عنك . وإن أعثرتك يدك اليمني فاقطعها ." إلي هذا الحد ، طلب الرب منا أن ندقق . من أمثلة التساهل مع الخطية ، التساهل مع الأفكار ..... فبينما يقول بولس الرسول " مستأسرين كل فكر إلي طاعة المسيح " نجد إنساناً يتساهل مع الفكر ، فيتحول إلي شعور . ويتساهل مع الشعور ، فيتحول إلي شهوة ، ويتساهل مع الشهوة فتحاول أن تجد منفذاً إلي الخارج تعبر به عن ذاتها بأشياء علمية . وإن تساهل مع هذه الأشياء العملية ، تتردج به خطوة خطوة ، حتي تقتلع كل روحياته من جذورها . قد تتساهل مع الفكر ، تقبله ، تناقشه ، ثم يتمكن منك ، فتحاول أن تتخلص منه ولا تستطيع ، لأنه ثبت اقدامه داخلك بتساهلك . ولا شك أنك كنت تقوي عليه في بادئ الأمر . هناك أشخاص في منتهي الحزم ، لا يتساهلون مع أنفسهم . لهم رقابة شديدة علي أنفسهم ، رقابة علي كل فكر ، علي كل شعور ، علي كل حس علي كل تصرف ، عي كل لفظ . وأحياناً يبدأ الإنسان بهذا الحزم ، في أول علاقته مع الله ولكنه بعد حين يتساهل . يسمح لأشياء تدخل إلي نفسه ، وهذه الأشياء تكبر ، ويبحث عن روحياته فلا يجدها . الإنسان الروحي لا يتشاهل ، حتي مع الأشياء التي تبدو بسيطة . إن الذي يحترس من الأشياء الصغيرة ، لا يقع في الكبائر . قالت القديسة سارة في النسك " إن فماً تمنع عنه الماء ، لا يطلب خمراً . وبطناً تمنع عنها الخبز ، لا تطلب لحماً " يحتاج الإنسان أن يكون مدققاً جداً في كل تصرف ، لا يوسع ضميره ، ويقول : هذا الأمر بسيط ، ولا تأثير له . . الشيطان يخاف أولاد الله الحقيقيين ، لأنهم صورة الله ومثاله ، ولأنهم هيكل للروح القدس ، ولأن الله يعمل فيهم ونعمته معهم . لهذا كان الشيطان يهرب خائفاً أمام القديسين لما نفي القديس الأنبا مقاريوس إلي جزيرة فيلا ، فحالما رآه شيطان كان علي إبنه كاهن الأصنام ، صرخ الشيطان قائلاً " ويلاه منك يا مقارة ، تركنا لك البرية ، فجئت إلي هذه الجزيرة لتطردنا منها أيضاً " وقصص خوف الشيطان من القديسين كثيرة جداً . ولكنه يجس نبض المؤمن العادي ويختبره : من اي نوع هو : فإن وجده متراياً أمامه ، ويقيل أفكاره ، ويفتح له ابوابه ، ويخون الرب بسببه ، حينئذ تسقط هيية هذا الإنسان ، ويلعب به الشيطان ! وإذ يسلم الإنسان نفسه للشيطان ، إنما يبعد عنه الملائكة التي تحرسه ، ويرقض العمل الإلهي فيه . كلما يتساهل الإسان مع الخطية ، علي هذا القدر تضعف إرادته ، وتفتر محبته ، ويقل إحتراسه ، ويفقد صلابته ... إنك تكون في ملء قوتك في بداية الحرب الروحية ، وكلما تتساهل تضعف ، وتجد أن مقاومتك قد قلت ، وتجد أن تأثير الخطية قد زاد عليك . وعندما تحاول الهروب ، تجد عقبات في داخلك وتقع في صراع ، ويبدأ الجو يرتبك معك . سبب ضعفك عندما تتساهل مع الخطية ، هو وقوعك في الخيانة ، وبخيانتك لله ومحبته ، وبخيانتك لعهودك الروحية ، تتنازل عن النعمة المعطاة لك ، وترفض السلاح الروحي ، بل تطفئ الروح ، وتحزن روح الله القدوس الذي فيك . وتنهار فتسقط . وعندما تتساهل مع الخطية ، تضعف مثاليتك وتهبط مستوياتك الروحية وتنسي الحزم الذي قال به يوسف " كيف أخطيء وأفعل هذا الشر العظيم امام الله " وبتساهلك مع الخطية ، تفقد هيبتك الروحية امام الشياطين . لذلك أبعد عن الخطوة الأولي . كن حازماً ، واسلك بتدقيق . |
|