رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"ما تريدون أن يفعله الناس لكم كذلك افعلوه أنتم لهم نقرأ اليوم في الإنجيل ما يسمى بالقانون الذهبيّ للحياة، الذي يرد هنا بوجهه الإيجابي. أما القانون بوجهه السلبي فهو: "ما لا تريده أن يعمل الناس بك لا تعمله أنت بهم". وهذا الوجه من القانون يضع الحدود التي يجب أن تكون بين الإنسان والقريب. فالشرور التي لا تريدها من الآخرين لا توقعها أنت بهم. وهذا المبدأ يُنهي حريتَنا عندما تبدأ حريّة الآخرين. وعلى هذا الأســــاس تنتظـــم كلّ العــــلوم الاجتماعيّة المعاصرة؛ وهو الأساس الذي يخطط حدود الفواصل ويضبط التعايش دون مشاكل وتجاوزات. نسمع في النصّ الإنجيليّ اليوم هذا القانون في وجهه الأفضل والإيجابي: "ما تريد أن يعمله الناس بك اعمله أنت لهم". فهذا المبدأ لا يحدّد خطوط الفصل بين فرد وآخر في المجتمع وإنّما يفتح أبواب الوصل بين الذات والآخر، إنّه المنظور المسيحيّ على أنّ الحياة في المجتمع ليست حياةً فردية تقوم على احترام الآخر فقط، وإنّما هي، فوق محبّة الذات والتعايش، حياة تربطها محبّة الآخر والمسؤوليّة على التعاضد. فحريّتي لا تنتهي إذن عندما تبدأ حريّة الآخرين فقط، بل حريّتي تبدأ، باختياري، عندما تبدأ راحة الآخرين. المطلوب ليس التعايش، بل العلاقة الحيّة في محبّة. المحبّة لا تحتاج إلى فواصل للتعايش وإنّما تغتنم الفرص من مسؤوليّة الحبّ لتبادر دون انتظار، ولتعطي دون حسبان ولتقدّم دون أجرٍ. الأمثولة الأولى، تعبر تماماً عن مبدأ شريعة الغاب. والقانون في وجهه السلبي لم يقبل به يسوع بل اعتبر أن "الخطأة" يقومون به ولا أجر لمن يعطي ليأخذ، ويدين ليستقرض، ويحبّ ليحبّ. ولذلك يبدأ يسوع وصيته بالوجه الإيجابي للقانون، أن نفعل للناس ما نتمنّى أن يفعله الناس لنا. وهذا المبدأ يحقّق الذات ليس عن طريق فصلها وحمايتها من الناس وإنّما عن طريق بذلها وخدمتها للناس. هكذا هنا "الأنا" تتحقّق لا بفصلها وإنّما ببذلها. فالواحد يتحقّق ليس بمقدار سعادته بل بمقدار سعادة الآخر. العطاء ألذّ من الأخذ، كما يقول بولس الرسول على لسان الربّ يسوع. وينتهي يسوع بتعميم مبدأ جديد فوق كلّ الشرائع الأخرى! فيمكن للإنسان أن يتمنى أموراً عديدة ليعمله الناس له، ولكن لن يتخيل أن يتمنى أن يحبّه عدوه! "أحبّوا أعدائكم" فتكونوا بني العليّ! إنّ تطبيق هذه الوصيّة السامية والغريبة، هو منتهى المحبّة، إنّها المحبّة الكاملة التي بلغ صاحبها درجة لا يرى في أيّ إنسان عدوّاً مهما عاداه. بل يرى فيه ابناً للعليّ. المسيحيّ لا يعادي إنساناً وإن أخطأ إليه، بل يعادي الخطيئة! فمَن يُسمّى "عدوّي" هو بالحقيقة ابن للعليّ وأخ لي. ولكن قد يكون موقفه عدائياً تجاهي، والإنسان غير الموقف. المحبّة تتعلق بالإنسان وليس بموقفه. إنّها المحبّة التي على شبه محبّة السيّد الذي ينعم على الأبرار والأشرار، وذلك لأنه رحيم! هذه المحبّة التي تجعل الإنسان كربّه "رحيماً" لا ترى في أيّ إنسان عدوّاً مهما تغايرت مواقفه. "كونوا رحماء كما أن أباكم السماويّ رحوم". فحياة المسيحيّ لا تتحقّق "بالقسمة" أو "بالعدل" أو "بالاحترام" بينه وبين الآخرين وإنّما "بالرحمة". هذه المحبّة تحتمل طوعياً مسؤوليّة تجاه الآخر. الآخر هو قريب وحبيب، ابن للعلي ومدعوّ للخلاص كما أنا، إنّه إذن رسالة أيضاً ومسؤوليّة بالتالي، ومهما تبدلت مواقفه تجاهي لا تتبدل مسؤوليّتي تجاهه. هذا المبدأ يجعلنا رحماء كأبينا السماويّ. هذا هو "الحقّ" في المسيحيّة، إنّه الحبّ! لذلك يقول المزمور: "أنصت إلي بحقّك ولا تدخل في محاكمة مع عبدك". لأن عدالة الله هي رحمته، كما يقول القدّيس نيقولاوس كاباسيلاس. "العدالة" الاجتماعيّة تقوم على المبادئ الأدنى والسابقة، أما العدالة المسيحيّة فتقوم على "المحبّة" و"الرحمة". المسيحيّ يعرف معنى حبّة الحنطة التي تدفن لتعطي أكثر، أنّه حبّة حبٍّ صغيرة، يبذل ذاته لتصير كرم حبّ كبير بين الناس، لذلك يقول بولس الرسول: أيّها الإخوة "احتملوا أنتم الأقوياء أوهان الضعفاء". فمن يخطىء إليّ هو بحاجة مني لسند من المحبّة أقوى، ومن يعاديني يحتاج آنذاك لحبٍ أكثر. آميـن المطران بولس يازجي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ظاهرة الصليب الذهبيّ |
هذا هو القانون الإلهي |
القانون |
القانون |
القانون |