رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كنيسة "سمعان" وأسطورة تنصّر الخليفة المعز لدين الله محيط في حضن جبل المقطم الشهير الذي يحيط بالقاهرة, يربض دير سمعان الخراز, الذي تتسع مدرجاته للآلاف من المسيحيين, لكن شهرته الأكبر تأتي من قصة شعبية صدقها البعض وتروي عن الراهب البسيط الذي يعمل في صناعة الأحذية واستطاع أن يتحدي الخليفة المعز لدين الله الفاطمي, ويحرك جبل المقطم من مكانه, وهو ما أثار أعجاب الخليفة المعز, فارتد عن الإسلام, ودخل المسيحية, وتنزل عن عرشه لابنه العزيز, وترهبن بقية حياته, وبعد مماته دفن في كنيسة أبو سيفين بمصر القديمة!. ويشتهر الدير كذلك بالنقوش البديعة التي تزين الجبل, وهي نقوش تصور أجزاء من تاريخ المسيحية في مصر , ورحلة العائلة المقدسة إليها فرارا من بطش الرومان , وآيات من الإنجيل منها" من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد ". وشبكة الإعلام العربية "محيط", إذ تتناول أسطورة نقل جبل المقطم, تؤكد أنها لا تمس صلب العقيدة المسيحية, ولا تشكك في إيمان أحد, وإنما هي تدرس الحادثة من الناحية التاريخية المحضة, مثلما فعلت من قبل مع طائفة البهرة, والتي تعتقد أن الحاكم بأمر الله الفاطمي يربض خلف محراب جامعه في شارع المعز, وهم ينتظرونه أن يخرج ليملأ الأرض عدلا بعد أن ملئت جورا وظلما! والقديس سمعان كان يعمل في دباغة الجلود وصناعة الأحذية,ولهذا كان يلقب بسمعان الدباغ أو سمعان الخراز أو سمعان الإسكافي. وتروي المصادر الكنسية عنه ما يدل على إيمانه, إذ أتت إليه امرأة لتصلح حذائها, وبينما هي تخلعه, إذ انكشف ساقاها, فوقعت عيناه عليها, وفي الحال عاقب الخراز نفسه على ذنبه, وضرب أحدي عينيه فأفرغها من ماء الحياة, منفذا وصية الكتاب المقدس التي تقول" إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقى جسدك كله في جهنم ". وتعتمد الكنيسة في إثباتها لحادثة نقل المقطم وتنصر الخليفة المعز بعدها، على كتاب لراهب قبطي عن تاريخ الكنيسة اسمه "الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة" . المؤرخ محمد عبد الله عنان في كتابه "مصر الإسلامية.. وتاريخ الخطط المصرية", ينكر تماما صحة واقعة تنصر الخليفة الفاطمي, ويذكر أن الكتب المسيحية تؤكد أن واقعة نقل المقطم حدثت في عهد البطريق أبرام (إفرايم), والذي رسم بطريقا في سنة 975م, وأنه ترتب على وقوع الحادثة أن أذن الخليفة للبطريق ببناء كنيسة أبي سيفين (في مصر القديمة), "فبنيت حوالي سنة 980 م في عهد المعز", كما جاء في كتاب "تاريخ البطاركة" لصاحبه الأسقف ساويرس. والمتأمل لتلك التواريخ, يكتشف أن واقعة تحريك المقطم لابد أن تكون قد وقعت فيما بين عامي 978 و 979 م, فيما توفي المعز في ديسمبر سنة 975 م, أي قبل وقوع المعجزة المزعومة بثلاثة أعوام على الأرج. ويقدم عنان دليلا على زيف الحادثة فيذكر " تقول الأسطورة الكنسية أيضا أن المعز بعد أن نزل على الخلافة لابنه العزيز تنصر وترهب ودفن في كنيسة أبي سيفين.. "فمتي وقع ذلك؟ إن المعز لم ينزل عن الخلافة أثناء حياته قط, بل توفي وهو خليفة, وكان ابنه العزيز ولي عهده حتى وفاته..ودفن المعز في نفس القصر الفاطمي بتربة الزعفران أو التربة المعزية التي كانت قطعة من القصر الكبير". ويورد عنان دليلا تاريخيا على عدم صدق أسطورة تحريك الجبل , بتأكيده على الخلاف الذي نشب بين العباسيين والفاطميين, إذ كل من الدولتين على السيطرة على العالم الإسلامي , واعتمدتا في دعايتهما السياسية على شرف الانتساب إلى النبي محمد صلي الله عليه وسلم , فالعباسيين هم أبناء العباس عم النبي , أما الفاطميون فهم الأجدر بالخلافة , لأنهم أبناء فاطمة الزهراء بنت النبي. واشتدت الحرب بين الفريقين , فسعت الدولة العباسية إلى تقويض أساس الفاطميين بالطعن في نسبهم , فزعمت أن الفاطميين ليسوا بمسلمين, حتى أن الخليفة العباسي القادر بالله جمع في عام 402 هجريا – أي بعد وفاة المعز بسنوات طويلة – كبار الفقهاء والقضاة وأكابر الشيعة في محل ملكه ببغداد , وكتبوا محضرا رسميا تضمن الطعن في نسب الفاطميين خلفاء مصر "وأنهم ليسوا من آل البيت ..بل هم كفار زنادقة, وفساق ملاحدة, أباحوا الفروج وأحلوا الخمور وسبوا الأنبياء". يقول عنان " ومسألة الطعن في نسب الفاطميين هذه والطعن في شرعية إمامتهم وتعاليمهم مشهورة في التاريخ الإسلامي , ولكن لم يقل أحد من خصومهم قط أن المعز لدين الله تعمد أو تنصر. ولو صحت هذه الأسطورة , بل لو جرت فقط مجري الإشاعة أو التهمة , لما غفل عنها العباسيون قط , ولأثبتوها في مطاعنهم الرسمية , وروجها مؤرخوهم , ولذكرها أكثر من مؤرخ مسلم , ولكن إجماع الرواية الإسلامية على تجاهلها وإغفالها في كل ما وجه إلى الفاطميين من صنوف المطاعن , مما يقطع باختلافها وتزويرها". ويبدو أن تلك الأسطورة كان لها رواجا في العصور الوسطي , فنجد الرحالة الإيطالي الشهير ماركو بولو , والذي سافر عبر العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر الميلادي إلى بلاد الصين , قد تحدث عن حادثة نقل الجبل في كتابه , بالجزء الأول في الفصل الثامن , لكن يورد الحادثة في مكان بعيدا تماما عن القاهرة , إذ يزعم أنها حدثت مع الخليفة المستعصم بالله , أخر خلفاء بني العباس في بغداد قبل أن يقتحمها هولاكو التتري . ويزعم بولو أن الخليفة تنصر ومات على النصرانية. لكن كيف ظهرت تلك الأسطورة ؟ هذا ما يجيب عنه الأستاذ عباس العقاد في كتابه "فاطمة الزهراء والفاطميون" , حيث يري أنها شائعة نبتت بعد وفاة المعز بعدة سنين , لتكون موئل عزاء للمسيحيين مما لقوه من اضطهاد أيام الخليفة المخبول الحاكم بأمر الله الفاطمي. |
|