هل الرب لم يعلم بعلمه الأزلي أن عبده ورسوله سليمان سيتجه لعبادة الأوثان..؟. أليس هذا دليل على جهل الرب بالمستقبل وأن علمه ليس بأزلي؟
الحقيقة أننا نؤمن أن الله بسابق علمه يعرف المستقبل جيدًا، فكل شيء مكشوف أمامه المستقبل مثل الماضي والحاضر، ويعلم أن سليمان سيسقط في عبادة الأوثان، ويعلم أنه سيشق عنه مملكته، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولكن كان من الضروري أن الله يظهر إرادته الصالحة، ومن المستحيل أن الله يعاقب إنسانًا لأنه يعلم أنه سيرتكب خطأ ما، فالعقاب يتبع الفعل الخاطئ ولا يسبقه وإلاَّ كان الله ظالمًا، وحاشا لله أن يكون ظالمًا فيحاسب إنسانًا على خطية القتل وهو لم يقتل بعد... أظهر الله إرادته الصالحة فاختار سليمان ليكون ابنًا له، وكانت الإرادة والمشيئة الإلهيَّة أن مملكة سليمان تثبت للأبد، وفي نفس الوقت فأنه يحترم الحرية الشخصية للإنسان، فلن يقود سليمان إلى عبادته رغمًا عنه، وعبد سليمان الأوثان بحريته الشخصية، وكان لا بد من العقاب الإلهي. إذًا الله لا يجهل المستقبل بل هو عالم بكل شيء، وكل ما في الأمر أنه عندما أعطى الوعد لسليمان وهو يعلم أنه سيخطئ، فإن هذا شهادة قوية على صلاح الله ومحبته.
ومعرفة الله لا تحد حرية الإنسان، فالله لم يخلق الإنسان ليسخره، ولا ليسلب حريته ولا حتى ليعبده ويجبره على فعل الخير، ويمنعه من فعل الشر، فالله كامل في ذاته، متكامل في صفاته، وقد أعطى للإنسان من صورته وصفاته ومنحه الحرية: "وقَالَ الله: نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا..." (تك 1: 26) وترنم بذلك داود النبي قائلًا: "فَمَنْ هُوَ الإِنْسَانُ حَتَّى تَذكُرَهُ؟ وابنُ آدم حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟ وَتَنْقُصَهُ قَلِيلًا عَنِ المَلاَئِكَةِ، وَبِمَجْدٍ وبَهَاءٍ تُكَلِّلُهُ. تُسَلِّطُهُ على أعمَالِ يَدَيْكَ. جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ..." (مز 8: 4 - 6).