![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() إعالته أرملة وابنيها 1 وَصَرَخَتْ إِلَى أَلِيشَعَ امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَائِلَةً: «إِنَّ عَبْدَكَ زَوْجِي قَدْ مَاتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ. فَأَتَى الْمُرَابِي لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ». 2 فَقَالَ لَهَا أَلِيشَعُ: «مَاذَا أَصْنَعُ لَكِ؟ أَخْبِرِينِي مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ؟». فَقَالَتْ: «لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ». 3 فَقَالَ: «اذْهَبِي اسْتَعِيرِي لِنَفْسِكِ أَوْعِيَةً مِنْ خَارِجٍ، مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ، أَوْعِيَةً فَارِغَةً. لاَ تُقَلِّلِي. 4 ثُمَّ ادْخُلِي وَأَغْلِقِي الْبَابَ عَلَى نَفْسِكِ وَعَلَى بَنِيكِ، وَصُبِّي فِي جَمِيعِ هذِهِ الأَوْعِيَةِ، وَمَا امْتَلأَ انْقُلِيهِ». 5 فَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى بَنِيهَا. فَكَانُوا هُمْ يُقَدِّمُونَ لَهَا الأَوْعِيَةَ وَهِيَ تَصُبُّ. 6 وَلَمَّا امْتَلأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لابْنِهَا: «قَدِّمْ لِي أَيْضًا وِعَاءً». فَقَالَ لَهَا: «لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ». فَوَقَفَ الزَّيْتُ. 7 فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ اللهِ فَقَالَ: «اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ». وَصَرَخَتْ إِلَى أليشع امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي الأَنْبِيَاءِ قَائِلَةً: إِنَّ عَبْدَكَ زَوْجِي قَدْ مَاتَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدَكَ كَانَ يَخَافُ الرَّبَّ. فَأَتَى الْمُرَابِي لِيَأْخُذَ وَلَدَيَّ لَهُ عَبْدَيْنِ. [1] يبدو أن هذه الأرملة اضطر رجلها وهو نبي تحت ظروف المرض أن يستدين من مُرابٍ. يبدو أن أحد الأنبياء أُصيب بمرضٍ، فأنفق كل ما لديه واستدان من مُرابٍ، لأجل الأنفاق على مرضه أو بيته، ثم مات. طالب المرابي الأرملة بإيفاء الدين، وإذ لم تستطع هددها بأن يأخذ ابنيها عبدين له. كان يجوز للفقراء والمدينين أن يبيعوا أنفسهم أو أولادهم عبيدًا لسداد ديونهم، وكان الشعب يطلب من الأغنياء الترفق بهم كإخوة لهم، وعدم استغلال ظروفهم (تث 1:15-18). لكن الدائن هنا لم يحفظ الشريعة، وجاء عمل أليشع يكشف عن سخاء عطية الله ومحبته ورحمته بالمتألمين. استنجدت الأرملة بأليشع النبي، وكان أمامه أحد أمرين: إما أن يفي عنها الدين أو يسأل المُرابي أن يُمْهلَها. لم يكن لدى أليشع مالاً يفي به الدين، ولم يكن لدى المُرابي قلبًا رحيمًا لينصت لحديث النبي وطلبته. استحسن النبي التعامل مع دهنة الزيت عن التعامل مع المُرابي. فالطبيعة تستجيب للصوت النبوي أكثر من الإنسان القاسي القلب. كانت النظم والقوانين تسمح ببيع الأبناء كعبيد للدائن لتسديد الدين. أما الكتاب وإن كان قد سمح بذلك لكنه قدَّم حدودًا حتى لا يُساء استخدام هؤلاء العبيد، وهو بهذا كان يُهيئ البشرية بالتعامل مع العبيد كإخوة في البشرية لهم حقوقهم. وجاء العهد الجديد يطالب بذلك بكل وضوحٍ، فأطلق كثير من المؤمنين عبيدهم في حرية، وبقى البعض في خدمة سادتهم بكامل حريتهم خلال علامة الحب والاحترام المتبادل. هذا هيَّأ لقيام ثورات ضد نظام العبيد فيما بعد. تصدر هذه الشكوى عن كل إنسان يشعر بحالة من اليتم، بسبب الخطية التي تعزل النفس البشرية عن عريسها السماوي، وتصير كمن فقدته، فصارت أرملة ليس لها من يسندها ويشبع كل احتياجاتها. تصير النفس في حاجة إلى زيت نعمة الله الغنية القادرة أن تهبنا المغفرة بالتوبة والرجوع إلى الله مخلصنا، كما تُحرِّرنا من عبودية إبليس القاسية. واضح أنه مع وجود أنبياء بتوليين زاهدين مثل إيليا النبي وأليشع النبي، وُجد أيضًا بعض الأنبياء كانوا متزوجين ولهم ممتلكات وأعمال خاصة. حقوق الدائن: سمحت الشريعة الموسوية للدائن أن يلزم المدين العاجز عن سداد دينه أن يقوم هو وأولاده بخدمته حتى متى حلَّتْ سنة اليوبيل يُطْلقهم أحرارًا (لا 25: 39-41؛ نح 5: 5، 8؛ أي 24: 9؛ إش 50: 1). v يُقال أن هذه المرأة هي زوجة عوبيديا، أمين خَزنة أخآب، وتلميذ خفي لإيليا، هذا الذي أخفى مئة نبيًا من ثورة إيزابل، وكان يُطْعمهم عندما كانوا جائعين. يبدو أنه في هذا الشأن كان الحافظ على ذهب البيت الملكي، ولكن بعد موته ترك زوجتُه وعليها دين ضخم تلتزم بسداده. وإذ لم تستطع أن توفيه كان رجال الضرائب العاملين لحساب الملك يضغطون عليها، ويريدون أن يبيعوا ابنيها، فتوسلت الأم أمام أليشع، إذ عرفت أنه أب الأيتام والمدافع عن الأرامل (مز 68: 5)، وعرفت أن يديه لن تتوانيا عن مساعدة أبناء إنسانٍ بارٍ خدم زملاءه الأنبياء. القديس أفرام السرياني أَخْبِرِينِي، مَاذَا لَكِ فِي الْبَيْتِ. فَقَالَتْ: لَيْسَ لِجَارِيَتِكَ شَيْءٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ دُهْنَةَ زَيْتٍ. [2] من قول أليشع النبي: ماذا أصنع لك؟ يتضح أنه لم يكن يستطيع أن يتحدث مع المُرابي، إما لمعرفته به أنه طماع وقاسي القلب، أو لأن كثيرًا من المرابين كانوا يستغلون فرصة المرض أو الاحتياج الشديد. فكان من الأسهل على أليشع أن يتعامل مع "دهنة الزيت" لتملأ كل الأوعية التي تستعيرها من الجيران عن أن يتعامل مع قلب المرابي وفكره، لأن إرادته الشريرة أغلقت عليه، فلا يقبل مشورة ولا يمارس حبًا ورحمة. "دهنة زيت": لم يكن لديها إلا ما يكفي إلا لدهن قطعة خبز. تشير دهنة الزيت إلى عدم وجود زيت يكفي للطعام، إنما دهنة تستخدم كمسحة. غالبًا ما كانت الدهنة في إناء صغير لا قيمة له. يطالبنا الرب أن نُقدِّم ما عندنا ولو كان قليل القليل كدهنة زيت، أو خمسة خبزات لإشباع خمسة آلاف رجلٍ وعائلاتهم، وهو يبارك في القليل ليسد احتياجاتنا بفيض من عنده. إناء الزيتAsuk: وهو إناء غالبًا ما يكون جرة فخارية عميقة وعنقها ضيق، توضع في قاعدة خشبية أو حجرية أو تُسند في الأرض مثل القارورة التي كان الرومان والمصريون يستخدمونها للخمر والزيت والماء، ذات عروتين (يدين)، وإن كان البعض يرون أن هذا الإناء asuk بلا عروة. v كان ذاك المسكين يستعمل هذه الثروات، لأنه لم يقتنِ على الأرض مع الله ذهبًا وفضةً. لم يكن له شيء، لكنه كان غنيًا في كل شيءٍ، وكل ما طُلب منه وهبه للمحتاجين، فأغناهم. كانت أرملة يضايقها المدينون، عرضت عليه طلبها بالدموع بسبب حاجتها. ضايقها صاحب الدين، فركضت عند أليشع، ليقوم محل رجلها في حاجتها. الرب هو رجل الأرملة، وبدل الرب كان (أليشع) يُطالب بأن يفرج عن المُعوزة. بدل الله تمسكت به، ليحل محل الرجل، لئلا يمزقها الدائنون. عرفت أنه وكيل بيت الله، لهذا طلبت منه أن ينقذها من صاحب دَينها. عند من تذهب الأرملة عندما تتضايق، إلا عند الله وحده الذي هو رجلها؟ ولما كان أليشع وكيله، أمسكت به ليخلّص يتيميها من عبودية صاحب الدين. أسرعت لتودع أمورهما إلى أب الأيتام، كما وعد بأنه يسند المظلومين، الذين مات أبوهم. وإذ ارتفع صوتها، صرخت أمامه بقوةٍ، ليفي دَينها، وينقذ ابنيها من العبودية. قالت له الذكية: عبدك بعلي مات، وها صاحب الدَين يمسك اليتيمين ليستعبدهما. وأنت تعلم بأن عبدك كان يخاف الرب. قم مكانه، لأجل الرب الذي كان يخافه. عرضت الذكية قضيتها بحكمة، حتى يُلزَم النبي ويقوم لكي يتمم مهمتها. قالت له مات بعلها، وكان يخاف الرب، حتى يهتم بها بسبب كلا الأمرين. أجبرته ليقف مثل رجلها، وأن يخلص ابنيّ خائف الرب من العبودية. عرفت أنه نبي، ذاك الذي وعد بأنه يجازي الأصدقاء مجازاة حسنة إلى ألف جيلٍ. وطلبت من النبي أن يقوم مقام الله، استنادًا إلى ذلك الوعد المستودع عندها كرهينة. قام النبي أيضًا مثل مُطالب بالعدالة ليسدد كل ديونها بدل الله. طُلب منه كأنما اسمه موجود في الصك، فأعطى بفرحٍ ليخلِّص اليتيمين. وقف بدل الله مع الأرملة المحتاجة، وحلَّ محل رجلها في عوزها. القديس مار يعقوب السروجي فَقَالَ: اذْهَبِي اسْتَعِيرِي لِنَفْسِكِ أَوْعِيَةً مِنْ خَارِجٍ مِنْ عِنْدِ جَمِيعِ جِيرَانِكِ، أَوْعِيَةً فَارِغَةً. لاَ تُقَلِّلِي. [3] عندما طلب منها النبي أن تستعير أوعية من الخارج، لم يشر إلى ضمها إلى أوعية في البيت، مما يدل أن البيت كان مُعدَمًا حتى من الأوعية الفارغة. غالبًا ما كان جيرانها هم عائلات الأنبياء، إذ سمعن عن قول أليشع قدَّمن بإيمان كل ما عندهن من أوعية فارغة. دعوة الله لنا على لسان نبيه أليشع هي:"لا تقللي"، وكأنه يحثنا بطلب الأمور العظيمة وبكثرة، فإنه يليق بنا كأبناء لله أن نطلب منه ما يليق بأبينا. v هذه الأرملة، أي الكنيسة، عليها دين ثقيل من الخطايا، ليس دينًا ماديًا. عليها دين ودائنوها أقسى ما يكون، إذ جعلت نفسها خاضعة للشيطان بخطاياها الكثيرة. هكذا بالحقيقة سبق فأخبرنا النبي: "هوذا من أجل آثامكم قد بُعتم، ومن أجل ذنوبكم طلقَت أُمُّكم" (إش 50: 1). لهذا السبب صارت الأرملة مُستعبَدة لدينٍ ثقيلٍ هكذا. كانت مسبية، إذ لم يكن بعد قد جاء الفادي، لكن بعد مجيء المسيح ربنا الفادي الحقيقي افتقد الأرملة، وحررها من كل ديونها. لنرى الآن كيف تحررت هذه الأرملة، كيف تم ذلك إلا بفيض الزيت؟ نفهم بالزيت الرحمة. لاحظوا يا إخوة أن الزيت قلَّ والدين زاد؛ وإذ زاد الزيت اختفى الدين... هكذا عند مجيء أليشع الحقيقي، المسيح ربنا، تحررت الأرملة أو الكنيسة من دين الخطية بزيادة الزيت، أي بعطية النعمة والرحمة أو غِنَى الحب. v لنأخذ في الاعتبار ما قاله الطوباوي أليشع لها: [استعيري لنفسك أوعية كثيرة من جيرانك وأصدقائك، وأغلقي بابك، وصُبِّي هذا الزيت في آنية جيرانك]. من هم جيرانها إلاّ الأمم؟ بالرغم من أن هذه الأرملة تشير إلى الكنيسة، لكنها كانت لا تزال أرملة، والجيران الذين استعارت منهم الآنية هم الأمم. قدَّموا آنية فارغة لكي يستحقوا استلام زيت الرحمة، لأنه قبل الحصول على عطية النعمة كان الأمم معروفين أنهم بلا إيمان ولا محبة ولا أعمال صالحة. أخيرًا، كل الذين قُدِّموا للكنيسة لنوال العماد المُكرَّم، ونالوا المسحة وزيت البركة حتى لا يعودوا بعد أوعية فارغة بل صاروا مملوءين من الله بكونهم هيكله. v لاحظوا أيها الأحباء الأعزاء أنه طالما كان لدى الأرملة زيت في آنيتها لم يكن ذلك كافيًا لكي تسد دينها. هذا حق يا إخوة. إن أحب إنسان نفسه فقط لا يكفي هذا ولا يفي دين خطاياه، لكنه عندما يبدأ يسكب زيت الحب على كل أصدقائه وجيرانه، وبالحقيقة على كل بشرٍ، عندئذ يصير قادرُا أن يَشبع ويتحرر من كل الديون. حقا يا إخوة هذه هي طبيعة الحب المقدس والمحبة الصادقة إنها تزيد عندما تُنفَق، وبقدر ما تدفع للآخرين تنمو بفيض وتتكدس في الإنسان... إن قدَّمتَ خبز الحب لمئة إنساٍن يبقى خبز الحب سالمًا بكماله. في الواقع إن كنتَ تمنحه للعالم كله، لن تفقد منه شيئًا، بالحري ليس فقط لا ينقص، وإنما الربح الذي ناله كل الذين وهبتهم هذا الحب يزداد بالأكثر فيك. v يلزمنا من جانبنا أن نبحث عن أوعية نسكب فيها الزيت، فقد أظهرنا أنه طالما نحن نسكب الزيت على آخرين يكون لنا ما هو أكثر. البشر هم أواني الحب، إن أردنا أن نحمل فيضًا من زيت الحب، يلزمنا أن نحب الأشرار كما الصالحين، الصالحين لأنهم صالحون، والأشرار لكي يصيروا صالحين. حقًا إن زيت الحب له هذه القوة، يجعل الصالحين في حالٍ أفضل، ويرد الأشرار من ظلمة خطاياهم إلى نور الحق. الأب قيصريوس أسقف آرل وَصُبِّي فِي جَمِيعِ هَذِهِ الأَوْعِيَةِ، وَمَا امْتَلأَ انْقُلِيهِ. [4] طلب منها النبي أن تدخل وتغلق الباب عليها وعلى بنيها، لتدرك أن ما تتمتع به هو من الله الساكن في أعماقها وفي بيتها. يشير غلق الباب إلى توجيه الأنظار إلى الرب السخي في العطاء، فلا تترقب زيتًا من الخارج. لقد طلب منا رب المجد في صلواتنا أن نغلق أبوابنا حتى يكون ربنا هو موضع تفكيرنا ورجائنا (مت 6: 6). v حقيقة أن الكتاب المقدس يقول بأن الأرملة صبَّت زيتًا في الأواني والباب مُغلَق، يعني أن كل واحدٍ يلزم أن يقُدَّم الصدقة وداره مُغلَق، أي من أجل الله وحده، وليس بطريقة بها يمدحه الناس، وإنما أن يتأهل أن يجد نعمة لدى الله. إن قدَّم إنسانٌ صدقةً من أجل مديح بشري، يصنعها وبابه مفتوح، إذ هو مفتوح لرؤية كل بشرٍ. على أي الأحوال إن تمم أحدٌ أعمالاً صالحة من أجل الحياة الأبدية وغفران خطاياه، حتى إن مارسها علنًا، إنما يمارسها وبابه مُغلَق، لأنه لا يطلب ما يُرَى أثناء عطائه، بل ما لا يُرَى (2 كو 18:4). الأب قيصريوس أسقف آرل فَذَهَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَغْلَقَتِ الْبَابَ عَلَى نَفْسِهَا وَعَلَى بَنِيهَا. فَكَانُوا هُمْ يُقَدِّمُونَ لَهَا الأَوْعِيَةَ وَهِيَ تَصُبُّ. [5] إذ طلب أليشع من مُعلِّمه أن ينعم بروحيْن منه، نال سؤل قلبه. فكما وُهب إيليا النبي سلطانًا، يأمر الخلائق فتطيعه في الرب، إذ طلب من السماء ألا يكون طلّ ولا مطر حتى يقول لها، هكذا تمتَّع أليشع بذات السلطان. لقد طلب من دُهنة الزيت أن تفيض حتى تملأ الأواني الفارغة، وتُحقِّق له طلبه. لقد أكَّد النبي بعمله هذا أن الله قادر أن يُشبع احتياجات المؤمنين حتى المادية. إنه لأمر مُحزِن أن تستجيب دهنة الزيت لطلبة النبي، فتحل بها البركة، لتُسدِّد دين الأرملة المسكينة، وتنقذ الابنين، ولا يستجيب قلب الإنسان ليظهر حنوًا ورأفة. لقد أشركت المرأة ابنيها في العمل، حيث كانا يُقدِّمان لها الأواني الفارغة، وهي تسكب من دهنة الزيت لكي تكون لهما خبرة عملية بعمل الله المُشبِع لاحتياجاتنا. v سألها ماذا يوجد معها في بيتها؟ أجابته: إن لها زيتًا في قارورة. لماذا إذًا سأل النبي المختار واستفسر من الأرملة (قائلاً): ماذا لكِ في البيت؟ حرَّك نفسه ليصنع آية في بيت الأرملة، ويُكثِّره لها ما لها، وتغتني به. بالروح الذي أخذه من الله، كان قد تسلط حتى يُكثِرَ الخليقة ويُقللها ويُبدِّلها. لهذا سألها ماذا لديكِ، حتى يكثِّر ذلك الشيء الموجود عندها. لو كان يوجد في بيتها شيء آخر، لأكثره، وكان يثريها مما لها. إذ أعلمته بأنها تملك زيتًا، صمم أن يملأ كل بيتها زيتًا، فتغتني به. أخذ أليشع مفتاح إيليا العظيم ليفتح الخلائق ويغلقها مثل رب بيتٍ. بهذه القوة التي بها تدفق القرن في بيت الأرملة، بُوركت القارورة وكثر الزيت. معلّمه لقّنه، والرب وهب له أن يأمر الخلائق، فتخدمه بطبائعها. ولهذا سأل ماذا يوجد في بيت الأرملة، ليدعو الخليقة المجيدة فتقوم. وإذ وجد هناك زيتًا، أمر الزيتَ ففاض، وسُدَّ حاجة المعوزة. ما أن عرف بأنها تملك في بيتها زيتًا، قال لها أن تطلب من جيرانها آنية فارغة. وتدخل إلى بيتها هي وابناها وتغلق بابها، وتملأ الآنية ماءً[10]، وفعلت هكذا. والآنية التي طلبتها ملأتها ماء وفاض الزيت واغتنى بيت المعوزة بمعجزةٍ حدثت. القديس مار يعقوب السروجي v من يعطني عينًا صافية ترى الأسرار، وفمًا صاحب سلطان على الخفايا فأتكلم عنها. ونفسًا مملوءة من حبّ الرب، وإيمانًا، وكلمة جلية تُحرِّك التمييز. وأذنًا مملوءة حبًا عظيمًا، وعطشًا لسماع جمال الأسرار، عندما توصف بأشكالها؟ هذه الأرملة التي اشتكت لدى أليشع، مصوّر بها السرّ بوضوح لمن ينظر إليها. كان النبي يستطيع أن يدفع دَينها بدون زيت، لو أَمَرَ صاحب الدَين أن يتركه لها. كان يُقدَّم له وزنات وثياب ولم يأخذها، أما كان قادرًا أن يفي دَين تلك المشتكية؟ سأل الشونمية ماذا يُصنَع لها، وكان مُستعِدًا أن يقول كلمة للملك لأجلها. ذاك الذي كان يسهل عليه أن يأمر الملوكَ، لماذا لم يأمر صاحبَ دَين هذه الأرملة؟ أدخلها وأغلق الباب عليها وعلى ولدَيها، لأجل الأسرار التي تمَّت فيها بوضوح. ربنا هو نسمة نفس النبوة، ولا توجد فرصة نهائيًا، بأن تحيا بدون أسراره... بتلك الأرملة التي دخلت وأغلقت الباب على نفسها صوَّر أليشع سرّ الكنيسة وخلاصنا... أغلقت أبوابها وأوفت دَينها، وبها رُسمت الكنيسة التي هي أيضًا تغلق أبوابها لغفران الذنوب... كان السرّ محفوظًا عن الذين في الخارج ولم يعرفوه، عندما صنعت فعلها بينها وبين ولدَيها داخل أبوابها. أرسل أليشعُ صاحبُ السرِّ الروح،َ ورفرف هناك في بيت الأرملة داخل أبوابها. القديس مار يعقوب السروجي v داخل الأبواب المُغلَقة تكلم ثلاثة بالسرّ، وصبُّوا، وملأوا الأوعية الفارغة غنى عظيمًا. الأوعية الفارغة تدل على البشر الذين كانوا فارغين من الحياة ومن موهبة اللاهوت. في داخل الكنيسة، يسكب الثالوث الحياة، ويملأ الجميع من موهبته صاحبة الكنوز. هذه الأسرار التي تمت داخل الكنيسة، موجودة في كل العمل الذي صار في بيت الأرملة... طلب النبي من المرأة أن تسأل الأوعية حتى من السوق ومن جيرانها لتملأها. هذا يرسم أن تأخذ الكنيسة من جميع الشعوب أناسًا فارغين، وتملأهم إيمانًا. قال لها: اطلبي من السوق ومن جيرانك، كما تأخذ الكنيسة من الشعوب والأمم[13]. وَلَمَّا امْتَلأَتِ الأَوْعِيَةُ قَالَتْ لاِبْنِهَا: قَدِّمْ لِي أَيْضًا وِعَاءً. فَقَالَ لَهَا: لاَ يُوجَدُ بَعْدُ وِعَاءٌ. فَوَقَفَ الزَّيْتُ. [6] قدَّم الله للأرملة زيتًا قدر ما قدَّمت من أوعية، فإن عطاياه لا تُحد، يهب قدر ما نطلب، ويملأ قدر ما نستقبل. إيماننا وطاعتنا يفتحان مخازن الله لنأخذ أكثر مما نطلب وفوق ما نحتاج. قدر ما نفتح أفواهنا يملأها؛ الله لا يكف عن أن يبارك ويعطي حتى تمتلئ. فَأَتَتْ وَأَخْبَرَتْ رَجُلَ الله، فَقَالَ: اذْهَبِي بِيعِي الزَّيْتَ، وَأَوْفِي دَيْنَكِ، وَعِيشِي أَنْتِ وَبَنُوكِ بِمَا بَقِيَ. [7] دُعي أليشع النبي رجل الله 11 مرة في هذا الأصحاح (7، 9، 16، 21، 22، 25، 27، 40، 42)(*). كانت المرأة حكيمة وتقية، فإنه إذ امتلأت الأواني لم تتصرف في الحال من عندها، بل سألت النبي عما تفعله. سلكت بروح التواضع، لا تفعل شيئًا بدون مشورة رجل الله. أما بالنسبة للنبي فواضح أنه في أبوَّة صادقة يهتم بالجميع ويشبع احتياجاتهم ويحل مشاكلهم الروحية والاجتماعية والمالية. طلبت المرأة الحاجة العاجلة لكي تنقذ ابنيها من العبودية، فقدَّم لها النبي ليس فقط ما تسد به احتياجها السريع، وإنما ما يسندها في معيشتها: "اذهبي بيعي الزيت وأوفي دينك، وعيشي أنت وبنوكِ بما بقى". امتلأت كل الأوعية التي قدَّمتها بالزيت، فلم تنشغل بالزيت، ولا انبهرت بالمعجزة، لكنها أسرعت إلى رجل الله تخبره بما حدث حتى تتمم إرادة الله. هكذا يليق في كل أمورنا أن نطلب مشورة الله، ولا نتحرك حسب مشورتنا البشرية. v من الجانب الرمزي يلزم ملاحظة ثلاثة أمور هنا: أولاً: قيل أن الأرملة ملأت أواني جيرانها بزيت تفجر في بيتها، بفضل عطية الله، فإن الكنيسة المقدسة تمثلها الأرملة. في الواقع لم تُهجَر عندما صعد رجلها إلى السماء، إنما ملأت قلوب الأمم بزيت معرفة الخلاص الذي تكاثر وفاض في بيتها بفضل حضور الروح القدس!... ثانيًا: سألت الأرملة عن أوعية فارغة، ملأتها بالزيت، تلك التي قدَّمها لها ابناها، الأواني الكبيرة والصغيرة. هذا يعني أن القديسين الذين رفضوا شهوة زمنية، وامتلأوا بدسم المسحة المقدسة وزيت البهجة، فإن أمهم، أي نعمة الله، تهب زيتًا لكل واحدٍ منهم، للعظماء والصغار. إذ يعطي الله هذه العطايا كما يشاء، فيصير كل شيءٍ هو لنا (1 كو 3: 21-22)، كقول الرسول: [يلزمنا أن ننمو في المسيح حسب عطيته] [راجع أف 4: 15]. أما الذين ينحدرون بسبب الإفراط في الشهوات والسُكْر والاهتمامات الزمنية، هؤلاء الذين – كما يقول الرسول – يسيرون في بطلان روحهم، وفي ظلمة جهالتهم، هؤلاء الذين فقدوا رجاءهم وسلَّموا أنفسهم لممارسة كل نوعٍ من الوثنية والطمع (رو 1: 21-24؛ أف 4: 17-19)، فيتجرَّدون من هذه النعمة. في الحقيقة لا يرغبون في هذا الزيت، وإن رغبوا فيه لا يعدون إناءً يمتلئ به. ثالثًا: بقية الزيت الذي تركه الزوج الميت لأرملته، يعني رحمة ذاك (المسيح) التي أظهرها للقديسين عندما كان يعيش على الأرض. يقول سليمان إن من يلتصق بالرب يرحم الفقير، ويكافئه الرب على أعماله (أم 19: 17). القديس مار أفرام السرياني |
|