رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حياة التواضع والوداعة-5- تواضع الله بقلم قداسة : البابا شنودة الثالث أكلمكم اليوم من أعظم مثل للتواضع.. أو هو المثل الحقيقي للتواضع وأعني به تواضع الله تبارك اسمه.. وكيف ذلك؟ إن الله هو الوحيد الذي يمكن أن يتواضع بحق: لأنه هو الوحيد العالي جدا,الذي يتنازل من علوه..أما الإنسان الذي هو تراب ورمادتك18:27والذي كان عدما قبل أن يكون ترابا,الإنسان الذي كله خطية وإثم فما هو معني التواضع بالنسبة إليه؟ليس هو في علو لكي ينزل منه,وليس في كمال حتي يخفيه...إنما التواضع بالنسبة إليه,هو أن يعرف أصله ويعرف ضعفه ويعرف خطيته وكما قال أحد الآباء: تواضع الإنسان هو أن يعرف نفسه... أما الله فهو الكامل في عظمته,الكامل في قداسته وفي قدرته غير المحدود في كماله...فهو الوحيد الذي تليق به صفة التواضع.. فكيف إذن ظهر تواضع الله علي قدر مانفهم تواضعه؟ونقصد تواضع الله بصفة عامة وتواضع كل أقنوم علي حده: + كان الله متواضعا في خلقه للكائنات.. فلم يشأ أن ينفرد وحده بصفة الوجود فمنح الوجود لغيره... كان وحده منذ الأزل,ولم يرد-في تواضعه-أن يظل وحده فأشرك معه في الوجود ما لم يكن... كثير من الناس إن وجد أحد منهم في عظمة أو في منصب يجمع كل السلطة في يده ولايشرك معه أحدا في عمل أو تصرف..!أما الله فلم يفعل هكذا ولم يشأ أن ينفرد ومنح العدم وجودا ومنح البعض منه حياة بل أيضا منحه قوة وسلطة!! +ومنح البعض من مخلوقاته طبيعة سامية جدا. مثال ذلك الملائكةالمقتدرون قوةكما وصفهم المرتل في المزمور مز103:20بل أن واحدا منهم-سطا نائيل-الذي صار شيطانا فيما بعد قال عنه الرب في سفر حزقيال النبيأنت خاتم الكمال,ملآن حكمة وكامل الجمال...أنت الكاروب المنبسط المظلل...أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتي وجد فيك إثمحز28:12-15. + ومن تواضع الله أن الكائنات التي تمردت عليه,لايزال يبقيها حتي الآن ويسمح أن يكون لها سلطان وقدرة!! خذوا ذلك الشيطان:تمرد علي الله وأراد أن يصير مثل العلي 1ش14:14وأسقط معه عددا كبيرا من القوات السمائية قيل إنهم ملائكتهرؤ12:7وكان بإمكان الله أن يفنيه ولكن من تواضع الله أنه لم يقض علي هذا العدو المقاوم بل استبقاه وترك له سلطانا كما قيل عن الأشرارهذه ساعتكم وسلطان الظلاملو22:53والأكثر من هذه إنه صارت له قوة أن يصنع آيات وعجائب كما قيل عن ضد المسيح في أيام الارتداد الأخير إنمجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل خديعة الإثم في الهالكين2تس2:10,9. وكلما أتأمل كيف أن في العالم أناسا يشتمون الله, ويجدفون عليه ليل نهار,وأناسا ينكرون وجود الله ولايعترفون به, وأناسا يعصون الله ويحرضون علي عصيانه...ومع ذلك يحتمل الله كل هذا السب والتجديف والعصيان دون أن يفني مقاوميه...أدرك في أعماقي مقدار التواضع العجيب الذي يتصف به الله. + ومن تواضع الله,أنه يبعد عن مظاهر العظمة التي تجلب المديح وتبهر الناس مثال ذلك ندرة استخدامه للمعجزات! بإمكان الله أن يبهر الناس كل يوم وكل ساعة وكل لحظة بالمعجزات والآيات والعجائب وبالرؤي والاستعلانات والظهورات المقدسة..فيجعلهم يلهجون بمجده ويسجدون أمام قدرته وعلي الأقل يعترفون بوجوده ولكنه مع ذلك لم يفعل!ويقتصر اجتراح المعجزات علي الضرورات النادرة..!إنه يريد أن يجذب الناس إليه بالحب والاقتناع وليس بالعجائب والمعجزات والعظمة... + الله أيضا في تواضعه يسمح لأقل الناس أن يخاطبه! عجيب أن يجدالتراب والرمادفرصته ليتحدث مع الله,الذي تقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة والشاروبيم والسارافيم وكل الجمع غير المحصي الذي للقوات السمائية بكل توقير وخشيه.. قد يجد الإنسان صعوبة في كثير من الأحيان أن يتحدث مع تراب مثله إن كان ذلك التراب له منصب عال أو مركز كبير!أما الله فيمكنك أن تكلمه وأن تتفاهم معه,بل من الجائز أن تكلمه وقد كسرت وصاياه منذ دقائق أو لحظات! + وفي تواضع الله سمح أن يتحدث حتي مع أشر الخطاة! تنازل وتكلم مع قايين أول قاتل علي وجه الأرض.. ولما قال له قايين إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض...فيكون كل من وجدني يقتلنيأجابه في عدل وعطفكل من قتل قايين فسبعة أضعاف ينتقم منهتك4:15,14. وتنازل الله فأرسل ملاكا يتكلم مع بلعام...ذلك الإنسان المضل الذي أعثر الشعب وألقي معثرة أمامه وجعله يخطيءرؤ2:14...سمح الله بتواضعه أن ينطق الروح القدس علي فمه بنبوءات تعد من أشهر النبوءات عن التجسدعد24:17...حتي أن هذا المضل قال عن نفسه وحي بلعام بن بعور وحي الرجل المفتوح العينين وحي الذي يسمع أقوال الله الذي يري رؤي الله مطروحا وهو مكشوف العينينعد24:4,3وقال إنهيعرف معرفة العليعد24:16! + والله من تواضعه يأخذ موقف من يستشير أنبياءه: فعندما رأي أنصراخ سادوم وعموره قد كثر وخطيئتهم قد عظمت جداتك18:20وأراد أن يهلكهم قالهل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعلة؟!تك18:17ومن هو إبراهيم هذا الذي تريد يارب أن تخبره قبل أن تجري مشيئتك؟أليس هو حفنة من تراب ورماد.. كلا يقول يقول الرب بل إبراهيم يكون أمة كبيرة وقوية وتتبارك به جميع أمم الأرضتك18:18. ويعرض الرب علي إبراهيم ويعطيه الفرصة والحرية أن يجادله وأن يقول لهعسي أن يكون خمسون بارا في المدينة...حاشا لك.. أن تفعل مثل هذا الأمر أن تبيد البار مع الأثيم فيكون البار كالأثيم!حاشا لك أديان الأرض كلها لايصنع عدلا؟!تك18:24-25وتستمر المناقشة ويقبل الرب الحوار بل يقبل بتواضعه الجرأة في الحوار! ويتكرر الأمر مع موسي النبي عندما أراد الرب أن يفني ذلك الشعب الذي صنع عجلا ذهبيا وعبدهخر32. كان الرب قد قرر إفناء ذلك الشعب الخائن ولكنه نادي موسي أولا وقال لهقد فسد شعبك الذي أصعدته من أرض مصر.. زاغوا سريعا عن الطريق الذي أوصيتهم به صنعوا عجلا مسبوكا وسجدوا له وذبحوا له وقالوا هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر...فالآن اتركني ليحمي غضبي عليهم وأفنيهم...خر32:7-10 عجيب هو تواضع الرب في قوله لعبده موسياتركني... من هو هذا موسي يارب الذي تطلب إليه أن يتركك لتنفذ مشيئتك؟!علي أن موسي هذا لم يتركه ليغضب ويفني بل قال لهوالآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك الذي كتبتخر32:32!! وسمع الرب لموسي ولم يفنهم.. يذكرني هذا الموقف بقصة الرب مع يعقوب وهو يصارعه:إذ قال الرب ليعقوبأطلقني فإنه قد طلع الفجرفقال يعقوبلا أطلقك حتي تباركنيتك32:26. ونلاحظ في تواضع الرب مع إبراهيم وموسي نقطة هامة وهي: +أن الله سمح لهما في حوارهما معه بألفاظ منهما تبدو شديدة. إبراهيم يقول للرب حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر...أديان الأرض كلها لايصنع عدلا؟!تك18وموسي يقول للربارجع يارب عن حمو غضبك واندم علي الشرلماذا يتكلم المصريون قائلين:أخرجهم بخبث ليقتلهم في الجبال ويفنيهم عن وجه الأرض!خر32:12. +إن الرب في تواضعه يسمح لنا أن نناقشه بل يطلب منا ذلك بقوله:هلم نتحاجج,يقول الربأش1:18. هناك أناس لايقبلون أن يناقشهم أحد فيما يصدرونه من أوامر ومن قرارات يعتبرون ذلك كبرياء ممن يناقشهم وتجاوزا لحدوده وإقلالا من كرامتهم وهيبتهم.. أما الله فإنه في تواضعه يقبل الحوار والنقاش.. أيوب الصديق يقول للرب لا تستذنبني.. فهمني لماذا تخاصمني؟أحسن عندك أن تظلم أن ترذل عمل يديك؟أي10:3,2. وأرميا النبي يقول أبر أنت يارب من أن أخاصمك ولكني أكلمك من جهة أحكامك لماذا تنجح طريق الأشرار؟اطمأن كل الغادرين غدرا!أر12:1. وداود النبي يعاتبه قائلالماذا يارب تقف بعيدا؟لماذا تختفي في أزمنة الضيق؟!مز10:1. والرب يسمع كل هذا بتواضع وسعة صدر ولا يغضب. + ومن تواضع الرب أنه يرفع شأن أولاده وقد يعطيهم ألقابه. يقول لعبده موسيانظر قد جعلتك إلها لفرعونأي سيدا لهوهرون أخوك يكون نبيكخر7:1ولما اعتذر موسي عن إرساليته بحجة أنه ثقيل الفم واللسان منحه هرون أخاه وقال له تكلمه وتضع الكلمات في فمه وأنا أكون مع فمك ومع فمه...هو يكلم الشعب عنك وهو يكون لك فما وأنت تكون له إلها أي توحي إليهخر4:15-17. وعندما أراد الله أن يكون لموسي سبعون شيخا يساعدونه قال له:اجمع إلي سبعين رجلا من شيوخ إسرائيل الذين تعلم أنهم شيوخ الشعب وعرفاؤه...فأنزل أنا وأتكلم معك...وآخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم عد11:17,16...وفعل الله هكذاعد11:25كان يمكنه أن يمنحهم الروح مباشرة ولكنه أخذ من الروح الذي علي موسي ووضع علي السبعين فلما حل عليهم الروح تنبأواعد 11:25من تواضع الله أراد أن يشعر أولئك الشيوخ أنهم من أتباع موسي أخذوا من الروح الذي عليه...وبنفس الوضع رفع الرب من شأن يوسف الصديق وجعلهأبا لفرعون وسيدا لكل بيتهتك45:8. + والشريعة التي هي شريعة الله تسمي شريعة موسي: وهكذا فإن داود الملك قال قبل وفاته لابنه سليمان احفظ شعائر الرب إلهك...كما هو مكتوب في شريعة موسي لكي تفلح في كل ما تفعل...1مل2:3وسميت أيضا شريعة موسيفي سفر نحميانح8:1وفي سفر دانيال النبيدا9:11إنها شريعة الله ولكن من تواضعه سميت شريعة موسي. وأسفار الأنبياء أيضا سميت بأسمائهم مع أنها كتب الله. ولكن الله -من تواضعه-سمح أن تطلق عليها أسماؤهم فيقال سفر صموئيل النبي وسفر أشعياء, وأرميا,وحزقيال,ودانيال...وملاخي. وربنا يسوع المسيح يقول للكتبة والفريسيينإن موسي-من أجل قساوة قلوبكم-أذن لكم بالطلاقمت19:8...مع أن الإذن صدر من الله ولكن لا مانع أن ينسب إلي موسي تواضعا من الله ورغبة منه في أن يرفع من شأن أولاده. وبعد, يعوزنا في الحديث عن تواضع الله أن نتحدث عن تواضع أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس,ولكن هذا المقال لايكفي فإلي اللقاء في العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
حياة التواضع والوداعة (6) |
حياة التواضع والوداعة ( 29 ) |
حياة التواضع والوداعة-4 |
حياة التواضع والوداعة17 |
حياة التواضع والوداعة ( 20) |