![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
![]() "أَنَا نَائِمَةٌ وَقَلْبِي مُسْتَيْقِظٌ، صَوْتُ حَبِيبِي (قريبي) قَارِعًا: اِفْتَحِي، اِفْتَحِي لِيّ يَا أُخْتِي يَا حَبِيبَتِي يَا حَمَامَتِي يَا كَامِلَتِي، لأَنَّ رَأْسِي أمْتَلأَ مِنَ الطَّلِّ، وَقُصَصِي مِنْ نَدَى اللَّيْلِ. قَدْ خَلَعْتُ ثَوْبِي فَكَيْفَ أَلْبِسُهُ؟ قَدْ غَسَلْتُ رِجْلَيَّ فَكَيْفَ أُوَسِّخُهُمَا؟" [2-3]. يا لها من صورة دقيقة للمعاملات المتبادلة بين الله والإنسان. فقد عاش الإنسان زمانًا طويلًا وهو مسترخي ومهملًا خلاصه بالرغم من كل الإمكانيات التي قدمها له الله ليكون متيقظًا. لقد أراد الله أن يجعله ابنًا للنور والنهار، لكن الإنسان أصر أن يحول زمان غربته كله ليلًا يقضيه نائمًا حتى وإن كان قلبه متيقظًا. لقد أعطى الله للبشرية الناموس الطبيعي ييقظ قلبهم حتى أنهم بلا عذر، لكنهم "لما عرفوا الله لم يُمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم واظلم قلبهم الغبي. وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء، وأبدلوا مجد الله الذي لا يفنى بشبه صورة الإنسان الذي يفنى والطيور والدواب والزحافات" (رو 1: 21-23). وأعطاهم الناموس المكتوب، لكنهم إذ أخطئوا في الناموس فبالناموس سقطوا تحت الدينونة، "لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون" (رو 2: 13)، فالناموس المقدس أو الوصية المقدسة والعادلة والصالحة أعلنت ليّ الخطية وكشفتها فعاشت الخطية ومت أنا (رو 7). وأرسل الله أنبياءه، لكن ماذا فعلت البشرية بهم؟ يقول الرب نفسه: "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا؟!" (مت 23: 37). وأخيرًا "صَوْتُ حَبِيبِي قَارِعًا"... نزل "كلمة الله" نفسه إلى الإنسان يقرع باب قلبه... يقف أمام النفس يرجوها أن تفتح له. نزل شمس البرّ ودخل زماننا الذي جعلناه ليلًا، لكي يُضئ علينا نحن الجالسين في الظلمة وظلال الموت، فنقوم من غفلتنا! لعل الحديث هنا خاص بالنفس التي دعت المسيا عريسًا لها، لكنها عادت فاسترخت في حبه. غلبها النوم ولم تقدر أن تسهر معه في ليلة آلامه، مع أن قلبها مسكن الروح القدس فيه حياة، يؤنبها! لقد فترت في حبها له، لكن الله محب البشر يرى قلبها متيقظًا فلا يكف عن أن ينزل إلى بابها يدعوها: "اِفْتَحِي، اِفْتَحِي لِيّ يَا أُخْتِي، يَا خَليِلتيّ، يَا حَمَامَتِي، يَا كَامِلَتِي..." صوت الحبيب هنا يُعاتب في رقة، فلا يجرح مشاعر القلب، بل يشجع عروسه فيدعوها أخته وخليلته وحمامته وكاملته... مع أنها تغط في نومها! لا ينتهرها ولا يوبخها بل يعطيها رجاءً ويشجعها. أما تكراره السؤال: "اِفْتَحِي، اِفْتَحِي لِيّ..." فربما يوضح الدعوة المتكررة للبشرية في العهدين، القديم والجديد، فإن الله لم يتغير، ولا دعوته قد تغيرت، إذ يطلب أن ينفتح له القلب ويقبله.! وفي تكرار الدعوة أيضًا إعلان عن كمال حرية النفس، فهو الخالق والسيد والملك لكنه لا يقتحم النفس إتقحامًا، إنما يتوسل إليها أن تنفتح له... ففي سفر الرؤيا نراه يقول "هأنذا واقف على الباب وأقرع، إن سمع أحد صوتي وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤ 3: 20)، حتى عندما تقدم إلى تلاميذه ماشيًا على البحر وسط الهياج الشديد لم يقتحم سفينتهم بل يقول الإنجيلي: "فرضوا أن يقبلوه في السفينة" (يو 6: 20). لقد أستخدم القديس أثناسيوس الرسولي هذا الحديث الودي للسيد المسيح نحو النفس البشرية في كتابه "تاريخ الأريوسيين" كحجة ضد استخدامهم العنف قائلًا: [إذ يأتي (الرب) لكل أحد لا يلزمه أن يفتح بالقوة، لكنه يقرع الباب قائلًا: "افتحي ليّ يا أختي يا عروسي" فإن فُتح له دخل، وإن تأخر فارقه ولا يدخل. إنه يستخدم الإقناع والنصح عندما يكرز بالحق، ولا يستخدم السيوف والجند. ولكن أي إقناع هذا حين يعم رعب الإمبراطور!؟]. إنه يقنعها أن تفتح له بالحب، فقد صارت له أختًا وهو أخوها البكر، يقدر أن يعينها. لقد صار "بكرًا بين اخوة كثيرين" (رو 8: 39) إقتحم باب الموت وحطمه فصار باكورة الراقدين (1 كو 15: 20)... لتفتح قلبها لذاك الذي فتح لها باب الحياة! يعود فيرجوها أن تفتح بحق الصداقة القوية بينهما إذ يدعوها "خليلته" وهذا هو اللقب الذي دُعِيَ به إبراهيم أب المؤمنين (2 أي 20: 7، إش 41: 8، مع 2: 23). إن كان الله قد فتح أسرار قلبه لخليله إبراهيم، قائلًا: "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا أفعله؟!" (تك 18: 17)... فكم بالحري يليق بالمؤمن وقد صار خليلًا لله أن يفتح قلبه بالكامل له. إنه يجتذبها لفتح أبواب قلبها بدعوته إياها "حمامته"، إذ حملت "الروح القدس" الذي نزل على شكل حمامة في داخلها، فصار لها القدرة على فتح قلبها. وأخيرًا يُشجعها على ذلك بكونها "الكاملة" التي بلا عيب، فلا تقدر أن تغلق الباب في وجهه. هكذا يتعامل الله معنا، فيوصينا لا خلال أوامر أو نواه بل بإعلان حبه وصداقته، ويوضح لنا مركزنا بالنسبة له، ويكشف لنا إمكانيات روحه القدوس العامل فينا، ويشجعنا خلال ما بلغنا إليه! |
|