رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
ما الذي ينتظر الشباب من تحدّياتٍ في الألف الثالث ؟ أرى أنها أربع: أولاً :التحدّيات الثقافية فالسؤال يطرح نفسه بقوة: ما الذي ستكون عليه ثقافة الألف الثالث أو أقله ثقافة المئة سنة الأولى منه؟ 1- من الواضح أنها ستكون ثقافة المعلوماتية، والنظم المتعددة للاتصال Multimedia. فالكتاب، كمروِّج ثقافي، مرشحٌ لأن يُستبدَل بشاشة الكومبيوتر، ودور النشر بالمتصفّحات العملاقة Proxies التي، عن طريق الإنترنت، ستنشر ثقافة الألفية القادمة. ونتساءل بعد ذلك : هل ستبقى ثمة حاجة للقلم أو للجريدة والمجلة أو غيرها من الأدوات غير المصنوعة من السيليكون كما هي حال رقائق أجهزة الكومبيوتر microprocessor الحالية؟ 2- وتطالعنا تباشير الألف الجديد بثورة علميّة أخرى لا تقل أهمية عن ثورة المعلوماتية هي الطب الجينيّ Médecine génétique. فحين سيكتمل مشروع رسم خريطة التركيب الجينّيgénome humain للموروثات البيولوجية للإنسان ADN، فإن الكثير من موروثاتنا الثقافيّة ستتبدّل. وليس الاستنساخ سوى أبسط أُطُر التدخل في قواعد الموروث الجيني code génétique. وما قانون تموز 1999 الفرنسي حول التشخيص المُبكر السابق للزرع الجيني diagnostic préimplantatoire المعروف بـ DPI سوى إشعار بأن ية التي تُعطى للطب في تعاطيه مع مستقبل إنسان الألف الثالث تمتد مساحتها شيئاً فشيئاً. فبموجب DPI، أصبح ممكناً إجراء تشخيص على الجنين في لحظات تكوّنه الأولى In vitro للتأكد من عدم وجود أمراض وراثية غير قابلة للشفاء عنده، ومن ثمّ البحث في إمكانية زرعه في رحم الأم أم لا. 3- وفي السياق نفسه، فإن علم دراسة الخلايا الدماغية والأعصاب neurobiologie ينتظر هو الآخر مستجداتٍ واستكشافاتٍ مثيرة، ستغيّرُ حتماً من طريقة فهمنا للذكاء الإنساني وللأداء البشري تالياً. فحين ستغدو بعض خفايا المناطق المجهولة من دماغنا معروفةً، سنتساءل : هل إن أدمغة الألف الثالث – وأدمغة الشباب تخصيصاً- ستبقى على ما كانت عليه في الألف الثاني؟ هذا من دون أن نستطرد عن الأدمغة الالكترونية. 4- أما علم الفضاء cosmologie والفلك - أي علم الفيزياء الفلكية astrophysique وليس التنجيم والأبراج astrologie طبعاً – فإنه يخطو هو الآخر خطواتٍ جبّارة نحو تأكيد النظريات الكوسمولوجية كنظرية النسبيّة العامّة relativité générale d’Einstein ، ونحو غزو الفضاء الخارجي، وصولاً لتنظيم رحلات سياحية إلى المريخ ابتداء من الربع الأول للقرن المقبل يتمّ الإعلان عنها حالياً على صفحات الإنترنت. ولسوف نتساءل : هل التكاليف الباهظة التي ترصدها الدول الصناعية لمشاريع الفضاء، تستأهل أن نفكر بقضاء عيد الميلاد على كوكب المريخ سنة 2025 مثلاً ؟! وبالإجمال، فإن تكن ثورة الألف القادم علميّة الطابع فإنها ، مع ذلك وربما بسببه، تطرح علينا تحدياً ثقافياً ملحاً: أي مكان سيبقى للفلسفة والشعر واللاهوت والأدب والمسرح في ثقافة الأجيال المقبلة ؟ ومن هو الذي سيروِّج ويسوِّق معرفتنا المستقبلية، ويراقبها (إذا كان ثمة مراقبة ممكنة بعد)، ويحميها من الخليط الثقافي المتعاظم يوماً بعد يوم ؟ وهل ستبقى يقة واقعاً راهناً أم ستضحي ، شأنها شأن ألعاب الكومبيوتر التي يتهافت عليها شبابنا ، حقيقةًً افتراضية Réalité virtuelle ؟ وفي كل الأحوال، لا بد لشباب الألف الثالث من معالجة هذه الأسئلة لأن العصرَ سيكون عصرُهم، ولأن القرار سيكون حينها بأيديهم. ثانياً : التحدّيات الإجتماعية 1 - يبدو واضحاً لمن يتأمل خريطة عالمنا اليوم، أنه مقسوم إلى عالمين: عالم الأغنياء وعالم الفقراء. عالم الأغنياء هو عالم نصف الكرة الشمالي (أوروبا الشمالية-أميركا الشمالية- اليابان)، وعالم الفقراء هو عالم نصف الكرة الجنوبي ( أميركا الجنوبية- إفريقيا- دول البلقان...). وتلعب التكنولوجيا المتقدمة دوراً هاماً في جعل الأغنياء أكثر غنى والفقراء أكثر فقراً. مما يضع الشباب في مأزق الهجرة التي لا بد منها صوب بلدان الشمال حيث تتجمع الأدمغة في الجامعات ومراكز البحث والشركات، في حين تضحي بلدان الجنوب مجرد حقول لاستخراج المواد الأولية، أو لتشغيل اليد العاملة بكلفة أقل أو .. مكاناً للاستجمام والسياحة ليس إلا. 2 - إن الفارق بين الشمال والجنوب ليس فقط مادةً للإعلان السياحي، بل يزيده اتساعاً بُعدٌ اجتماعي آخر له طابع حضاري تاريخي. فبنظر الكثيرين أن الحضارة التي ولدت في الشرق ( الأقصى والأوسط) منذ ما قبل المسيح دون شكّ، وترعرعت في أوروبا المسيحية حتى بداية القرن العشرين، يبدو أنها تعيش مراهقتها اليوم في أميركا. والشباب،في كل العالم، منجذبون إلى المثال الأميركي الذي يفرض سيطرته عبر وسائل الإعلام. مما يطرح تحدياً مهماً : أليس للشباب في أن يكون لهم مثالٌ آخر (modèle ) غير المثال الأميركي ؟ وهل صحيح أن الموسيقى التي تلائم شباب القرن المقبل هي موسيقى الولايات المتحدة الأميركية وحدها ؟ أو أن اللغة التي لا غنى عنها للحضارة هي اللغة الإنكليزية ؟ وإذا إفترضنا أن مقولة مركزيّة الحضارة صحيحة، فما هو مصير حضارات شعوب المجاهل الأفريقية وأميركا اللاتينية والصين ذات المليار ومئتي مليون نسمة ؟ وما هو دور شباب هذه الحضارات والمكان المُتاح لهم في صنع حضارة الألف الثالث القادم إن لم يهاجروا صوب الشمال ؟ ! 3 - أما إذا نظرنا إلى سياسة الألف الثاني المنصرم فإننا نرى أنها سياسة اندثار الإمبراطوريات والممالك وقيام الجمهوريات، فحتى الدكتاتوريات الشعبية (كالشيوعية مثلاً) انهارت تحت وطأة الأيدولجيات idéologisme السياسية. كما أن قرناً واحداً لم يمر دون أن يشهد حركة عنيفة عدوانية إما على شكل حرب، أو اجتياح، أو فتحٍ باسم الدين، أو غزو باسم الحضارة. وهذا ما يطرح على الشباب تحديا" سياسياً مهماً : هل ستسقط مقولة ب في القرن الواحد والعشرين أم سيظلّ الشباب وقود وب الدائمة ؟ وأي سياسة سيصنعها شباب القرن القادم لمن سيأتي بعدهم: هل هي سياسة الطوباويات الحالمة (كالماركسية والتشي غيفارية )، أم سياسة القهر والدم الهتلرية، أم سياسة سطوة رأس المال وسيطرة التكنولوجيا الاستهلاكية؟ وبكلمة أخرى: ما الذي سيكون عليه سياسيّو الألف الثالث الشباب؟ 4 - أما على الصعيد السوسيولوجي البحت فإن ما ينتظر الشباب كبير: فالعائلة، كمفهومٍ وواقع، تبدو معرَّضة للزوال بكل بساطة، في ظل السماح بالإنجاب من دون رابط زواجles mères célibataires ، والقوانين التي ترعى حرية زواج المثليين homosexuels ومنها مثلاً قانون PACS في فرنسا. ما يعني أن مفهوم الأبوّة والأمومة لن يبقى على ما هو عليه. وبما أن شباب اليوم هم آباء وأمهات المستقبل، فإن سؤالاً كبيراً ينتظرهم : كيف يستعدّون، وماذا نفعل لهم نحن، ليكونوا آباء الألف الثالث الذين سيصنعون مجتمع القرن الحادي والعشرين لأبنائهم ؟ |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مؤتمر الألف خادم الإنجيلي | اليوم الثالث | 6 إبريل 2024 |
الشخص الذي ينتظر طويلاً |
حيوان الليمور الذي يشبه الألف انقرض منذ 500 عام |
ذلك الحُب الذى لا ينتظر مقابلاً |
الشباب وتحديات الألف الثالث |