رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
محبة العالم «لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ» (1يو2: 15) أولاً: ما هو العالم الذي لا نحبه؟ طبعًا ليس هو كوكب الأرض الذي نعيش عليه، ولا الخليقة الطبيعية التي خلقها الله «وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا» (تك1: 31). وأيضًا ليس المقصود البشر؛ فهؤلاء أحبهم الله، وبذل ابنه الوحيد لأجلهم (يو3: 16). ولكن العالم الذي ينبغي ألا نُحبه هو النظام الذي ابتدعه الإنسان تحت إشراف الشيطان، من أجل إسعاد نفسه بالاستقلال عن الله. وهذا النظام يقوم على مبادئ فاسدة، ورغبات دنيئة، وطابعه الزيف والكذب والأنانية (جا7: 29). وبالطبع هذا هو المجال الخصب والجو الملائم الذي يجعل إبليس يسود بسلطانه على العالم، باعتباره «رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ» (يو12: 31؛ 14: 30؛ 16: 11)، «رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ» (أف2: 2)، وله”رُّؤَسَاء، وسَّلاَطِين، ووُلاَة عَلَى ظُلْمَةِ هَذَا الدَّهْرِ، وأَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ“ (أف6: 12). فالعالم إذًا عدو يستخدمه إبليس لمحاربتنا وإبعادنا عن الله أبينا. وإرادة الله أبينا هي انفصالنا عن هذا العالم بما فيه العالم الديني بنظامه وفرائضه وناموسه وعوائده التي يريد خلطها مع الإيمان بالمسيح. ومن قبل أن يُبغضنا العالم فقد أظهر عداوته لابن الله، وبدوره يُبغضنا لأنه لا يعرف الآب الذي أرسل المسيح إلى العالم (يو15: 19، 21). ثانيًا: ما الذي يشتمل عليه العالم؟ يوضِّح الرسول في 1يوحنا 2: 16 أن «كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ». هذه هي أسلحة العالم التي يجتهد أن يُسقط حتى أولاد الله فيها، ويغلبهم بها. ولقد نجح في ذلك مع حواء «فَرَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّجَرَةَ جَيِّدَةٌ لِلأَكْلِ (شَهْوَة الْجَسَدِ)، وَأَنَّهَا بَهِجَةٌ لِلْعُيُونِ (شَهْوَة الْعُيُونِ)، وَأَنَّ الشَّجَرَةَ شَهِيَّةٌ لِلنَّظَرِ (لجعل الإنسان حكيمًا وعارفًا كالله للخير والشر- تَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ). فَأَخَذَتْ مِنْ ثَمَرِهَا وَأَكَلَتْ وَأَعْطَتْ رَجُلَهَا أَيْضاً مَعَهَا فَأَكَلَ» (تك3: 6). ولكن عندما حاول المُجرِّب أن يستخدم هذه الأسلحة مع «الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ» (1كو15: 47)، هُزم وفارقه، ذلك لأن رأسنا الجديد كان متسلحًا بمحبة الآب التي كانت فوق كل اعتبار (يو14: 31)، وكان ممتلئًا ومنقادًا بالروح القدس (لو4: 1)، وكانت شريعة إلهه في وسط أحشائه، وكان يُكرمها جدًا، فكان يرد على المُجرِّب بالمكتوب. وإن كنا نذكر بأسى ”دِيمَاسَ“ الذي ترك الرسول بولس والخدمة «إِذْ أَحَبَّ الْعَالَمَ الْحَاضِرَ وَذَهَبَ إِلَى تَسَالُونِيكِي» (2تي4: 10)، فلنتحذر نحن أيضًا لأننا مُعرَّضون للسقوط في هوة محبة العالم عن طريق الميول والأحاسيس الصادرة من طبيعتنا الشريرة (شَهْوَة الْجَسَدِ)، أو الرغبات التي تتولد نتيجة ما تراه عيوننا (شَهْوَة الْعُيُونِ)، أو التمثل بروح العالم في كبريائه وتعظمه وطموحه غير المُقدَّس في حب الظهور وطلب المجد الباطل (تَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ). ودعونا نتحول إلى أمثلة من الأفاضل الذين انتصروا على هذه الثلاثية المقيتة للعالم، وهم بشر تحت الآلام مثلنا، نذكرهم لأجل تشجيعنا: 1. يوسف الذي جُرّب ”بشَهْوَة الْجَسَدِ“، فكان مثالاً للصمود أمام الإغراء المتكرر يومًا فيومًا حيث «أَبَى»، وقال عبارته الشهيرة: «كَيْفَ أَصْنَعُ هَذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟» (تك39: 8، 9). إن مَن يقف في صف الله هو مَنْ ينعم بالانتصار. 2. رجل الله أليشع الذي جُرِّب ”بشَهْوَة الْعُيُونِ“ حيث لمعان الفضة وبريق الذهب، لكنه رفض بشموخ قائلاً لِنُعْمَان الذي عرض عليه الهدايا: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَنَا وَاقِفٌ أَمَامَهُ إِنِّي لاَ آخُذُ. وَأَلَحَّ عَلَيْهِ (نُعْمَانُ) أَنْ يَأْخُذَ فَأَبَى» (2مل5: 16). 3. رجل الله موسى الذي جُرِّب ”بتَعَظُّم الْمَعِيشَةِ“، حيث كان عرش مصر في انتظاره، وتاج المُلك والسيادة من حقه، لكنه «أَبَى ... مُفَضِّلاً بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ ... لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (عب11: 24-26). ثالثًا: ما هو مآل العالم؟ الجواب نجده في 1يوحنا 2: 17 «الْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ». وفي 1كورنثوس 7: 31 نقرأ «لأَنَّ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ تَزُولُ». إنه مجرَّد سراب وخيالات زائفة، وكل ما فيه متزعزع ومتغير، بينما «نَحْنُ قَابِلُونَ مَلَكُوتًا لاَ يَتَزَعْزَعُ» (عب12: 28). وعلى نقيض العالم الزائل، فهناك «الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ» (1يو2: 17). رابعًا: كيف نغلب العالم؟ 1. بالولادة من الله: «لأَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ» (1يو5: 4)، حيث إننا بالولادة من الله نأخذ طبيعة الله الأدبية التي بها نهرب «مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ» (2بط1: 4). 2. الإيمان: «وَهَذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا» (1يو5: 4). وهذا الإيمان يجعلنا نضع ثقتنا في الله أبينا. كما أن الإيمان يُلمّع البركات والميراث الأبدي، فيتضاءل العالم في عيوننا. 3. إدراكنا أن يسوع المسيح ابن الله: «مَنْ هُوَ الَّذِي يَغْلِبُ الْعَالَمَ، إِلاَّ الَّذِي يُؤْمِنُ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ؟» (1يو5: 5). إنه – تبارك اسمه - «اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ» (يو1: 18). ومشهد مَجد الله في وجه يسوع المسيح يجعل العالم باهتًا في عيوننا. 4. جعل الصليب نصب عيوننا، وحينئذٍ نهتف مع الرسول بولس: «حَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ» (غل6: 14). 5. التمسك بوعد الرب «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلَكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يو16: 33). 6. روح الحق الذي يسكن فينا «أَنْتُمْ مِنَ اللهِ أَيُّهَا الأَوْلاَدُ، وَقَدْ غَلَبْتُمُوهُمْ لأَنَّ الَّذِي فِيكُمْ أَعْظَمُ مِنَ الَّذِي فِي الْعَالَمِ» (1يو4: 4). 7. وضع رجاء مجيء الرب نصب عيوننا، فنقبل بصبر بغضة واضطهاد العالم لنا، ونقبل سلب أموالنا بِفَرَحٍ، عَالِمِينَ فِي أَنْفُسِنا، أن لَنا مَالاً أَفْضَلَ فِي السَّمَاوَاتِ، وَبَاقِيًا (عب10: 34)، ونستطيع إزاء كل ما يقابلنا به العالم أن نرنم فرحين: «وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رو8: 37). |
|