رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
قبل كل الجبال ولدني يقول البابا أثناسيوس الرسولي: [بينما أنه عندما يشير بصورة مطلقة إلى الميلاد من الآب فإنه يضيف في الحال: "قبل كل الجبال ولدني" (أم25:8). فهو لم يقل لماذا ولد مثلما حدث في عبارة "خلقني" حيث ذكر "من أجل الأعمال". بل أنه يقول بصورة مطلقة "ولدني"، كما جاء في القول: "في البدء كان الكلمة". لأنه حتى وإن لم تكن الأعمال قد خلقت، إلا أن كلمة الله كان موجودًا، "وكان الكلمة الله".] [لأنه عندما قال: "الرب خلقني أول طرقه"، أضاف: "لكنه قبل كل الجبال ولدني". فإن كان الكلمة مخلوقا بالطبيعة وبالجوهر، والمولود يختلف عن المخلوق فما كان له أن يضيف "ولدني”بل لكان اكتفى بلفظ "خلق" ما دام هذا اللفظ يعني أيضًا "ولدني". ولكنه هنا يقول "خلقني أول طرقه لأجل أعماله". وأضاف عبارة "ولدني" ليس عن غير قصد، بل بعد ربطها بأداة الربط "لكن"، وبذلك يعطي حماية كافية للفظ "خلق" قائلًا: "لكنه قبل كل الجبال ولدني"، لأن عبارة "ولدني" إذ تأتي مع لفظ خلق فإنها تضفي عليها معنًى معينًا.] [لأن إدخاله إلى العالم ساهم في تسميته "بكر”الكل، حتى يكون هو ابن الآب الوحيد الجنس بسبب أنه هو الوحيد الذي من الآب، كما أنه "بكر”الخليقة من أجل تبني الجميع. ولأنه هو بكر بين الاخوة، وقد قام من بين الأموات ليكون هو باكورة الراقدين (انظر 1كو20:15)، لذلك كان من الواجب أن يكون متقدما في كل شيء ، لهذا فقد "خلق أول الطرق". لكي إذ نتبعه وندخل بواسطته هو القائل "أنا هو الطريق" و"الباب"ونشترك في معرفة الآب ، فإننا نسمع الكلمات: "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق" ونشترك في معرفة الآب، فإننا نسمع الكلمات:"طوباهم الذين بلا عيب في الطريق" وأيضًا "طوبى لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله".] [كلمة الله محب البشر ليس الجسد المخلوق بمشيئة الآب لكي يحيي كدم نفسه هذا الجسد الذي أماته الإنسان الأول بسبب تعديه، كما قال الرسول: "وكرس لنا طريقًا حيًا حديثًا بالحجاب أي جسده". وهو ما أشار إليه في موضع آخر حينما قال: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديدًا". فإن كان كل شيْ قد صار خليقة جديدة فإنه من الضروري أن يكون هناك شخص هو أول هذه الخليقة.] [ومن الصواب أن يقول:"الرب خلقني أول طرقه لأجل أعماله" لكي لا يحيا الإنسان فيما بعد بحسب الخليقة الأولى وإذ توجد بداية خليقة جديدة والمسيح هو بدء طرقها، إذن فلنقتف أثره هو القائل لنا: "أنا هو الطريق".وأيضا يعلم الرسول المغبوط في رسالته إلى أهل كولوسي قائلًا: "هو رأس الجسد الكنيسة، الذي هو البداية، البكر من الأموات لكي يكون متقدما في كل شيء".] [لأنه هكذا خلق المخلص بحسب الجسد وصار أول الذين خلقوا من جديد واتخذ باكورتنا التي هي الجسد البشري الذي لبسه، وبعده يأتي الشعب الآتي الذي خلق كما قال داود "يكتب هذا لجيل آخر، وشعب سيخلق يسبح الرب". ويقول في المزمور الحادي والعشرين: "الجيل الآتي سيخبر عن الرب وسيعلنون بره للشعب الذي سيولد الذي صنعه الرب".] [إذن فقد كمل فيه الجنس البشري وأعيد تأسيسه كما كان في البدء، بل بالأحرى بنعمة أعظم من الأول. لأننا بعد القيامة من بين الأموات لن نخاف الموت بعد، بل سنملك في السموات مع المسيح على الدوام. وهذا لأن نفس كلمة الله الذاتي من الآب، قد لبس الجسد وصار إنسانًا. لأنه لو كان مخلوقا ثم صار إنسانًا فإن الإنسان يبقى كما كان دون أن يتحد بالله. لأنه كيف يمكن لمخلوق أن يتحد بالخالق بواسطة مخلوق؟ لأن أية معونة يمكن أن يحصل عليها متماثلون من مماثليهم ما داموا هم أيضًا محتاجين إلى نفس المعونة؟ وإن كان الكلمة مخلوقًا فكيف يمكنه أن يبطل حكم الله ويصفح عن الخطيئة وهو أمر كتب عنه الأنبياء أنه خاص بالله؟] [مرة أخرى، لو كان الابن مخلوقا لظل الإنسان مائتًا كما كان قبلًا، حيث أنه لم يتحد بالله. فإنه لا يستطيع مخلوق أن يوحد المخلوقات مع الله، إذ أنه هو نفسه في حاجة لمن يوحده بالله. وليس في وسع جزء من الخليقة أن يكون خلاصًا للخليقة إذ هو نفسه في حاجة إلى الخلاص. ولكي لا يحدث هذا أرسل الله ابنه وصار ابن الإنسان باتخاذه الجسد المخلوق. وحيث أن الجميع كانوا خاضعين للموت، وكان هو مختلفًا عن الجميع فقد قدم جسده الخاص للموت من أجل الجميع. إذن حيث أن الجميع ماتوا بواسطته هكذا قد تم الحكم (إذ أن الجميع ماتوا في المسيح).] [لذلك فإن الحق يوضح أن الكلمة لا ينتمي إلى المخلوقات، بل بالحري هو نفسه خالقهم. ولذلك فقد لبس الجسد البشري المخلوق، لكي بعد أن يجدده كخالق فإنه يؤلهه في نفسه، وهكذا يدخلنا جميعا إلى ملكوت السموات على مثال صورته. لأنه ما كان للإنسان أن يتأله لو أنه اتحد بمخلوق أو لو أن الابن لم يكن إلهًا حقيقيًا. وما كان للإنسان أن يقف في حضرة الآب لو لم يكن الذي لبس الجسد هو بالطبيعة كلمته الحقيقي.] [أن يتحد ما هو بشري بالطبيعة بهذا الذي له طبيعة الألوهية، ويصير خلاص الإنسان وتألِّيه مؤكدًا. ولذلك فإن الذين ينكرون أن الابن هو بالطبيعة من الآب وأنه مولوده الذاتي من، فلينكروا أيضًا أنه قد حصل على جسده البشري الحقيقي من مريم الدائمة البتولية.] مكتوب "بالحكمة أسس الله الأرض". فإن كانت الأرض إذن قد تأسست بالحكمة فكيف تأسس هذا الذي أسسها.؟ ولكن هذا النص قد قيل بأسلوب الأمثال. ويجب أن نبحث عن المقصود من هذا لكي نعرف أن الله خلق الأرض وأسسها بالحكمة لكي تكون ثابتة وطيدة وتظل باقية. والحكمة نفسها تأسست لأجلنا لكي تصير بداية وأساس خلقتنا الجديدة وتجديدنا. وهنا أيضًا لا يقول في هذه النصوص أنه "قبل الدهر (العالم) قد صنعني كلمة أو أبًا لكي لا يبدو أن له بداية صنع، فقبل كل شيء يجب أن نبحث إن كان هو ابنًا وأن نفتش الكتب بخصوص هذا الأمر. لأنه لم يقل "قبل الدهر أسسني كلمة أو ابنًا" بل قال ببساطة "أسسني" لكي يوضح - كما قلب - أنه يقول هذا بأمثال ليس عن نفسه بل عن هؤلاء الذين يُبنون فوقه. ولأن الرسول قد عرّف هذا لذا فإنه يكتب "لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وُضع الذي هو يسوع المسيح" وأيضًا "فلينظر كل واحد كيف يبني عليه". ومن الضروري أن يكون الأساس مماثلًا لتلك الأشياء التي تبني عليه حتى يمكنها أن تلتئم معه وتتحد به. ولكونه الكلمة، فإنه من حيث كونه كلمة حقًا فلا يوجد هناك من يماثلونه حتى يمكن أن يتحدوا معه - وذلك لأنه وحيد الجنس، ولكن بصيرورته إنسانًا فقد صار له مماثلون وهو الذين ارتدى جسدهم المماثل لجسده. وتبعًا لذلك فإنه "تأسس" بحسب بشريته لكي يمكننا نحن أيضًا أن نُبني فوقه حجارة كريمة ونصير هيكلًا للروح القدس الساكن فينا. وكما أنه هو أساس حقًا، فنكون نحن الحجارة التي تُبْنَى عليه، وأيضًا يكون هو الكرمة ونصير نحن أغصانه ليس بحسب جوهر اللاهوت - لأن هذا مستحيل حقًا - بل بحسب بشريته، لأن الأغصان يلزم أن تكون مشابهة للكرمة، حيث أننا نحن مشابهون له بحسب الجسد. لكن عندما لبس جسدنا الذي أخذه كقطعة من جسد القديسة مريم عندئذ يقول "أسسني" كما لو كان قد قال: "لكوني كلمة فقد ألبسني جسدًا ترابيًا". لأنه هكذا تأسس من أجلنا، آخذًا ما يخصنا على عاتقه. لكي باتحادنا معه في الجسد، وارتباطنا به بسبب مشابهة الجسد نبقى غير مائتين وغير قابلين للفساد وبه نصل إلى إنسان كامل. إلا أن هذه النعمة كانت قد أُعدت قبل أن يخلقنا بل حتى من قبل أن يخلق العالم. والسبب في هذا صالح ومذهل. فلم يكن من الائق أن يفكر الله بخصوصنا بعد أن خلقنا لكي لا يظهر أنه يجهل الأمور التي تتعلق بنا. إن بولس الرسول المغبوط يعلّم بهذا - كتفسير للنص الذي جاء في الأمثال: "قبل الدهر" و"قبل أن تكون الأرض"، وذلك عندما كتب إلى تيموثاوس قائلًا: "اشترك في احتمال المشقات لأجل الإنجيل بحس قوى الله. الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أُظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة". بل وقال إلى أهل أفسس "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح يسوع. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قدامه في المحبة قديسين وبلا لوم. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه". ولم يكن من الآئق إذن أن تؤسس حياتنا بأي طريقة أخرى سوى أن تُؤسس في الرب الذي هو كائن منذ الأزل، والذي به قد خُلقت العالمين، لكي نستطيع نحن أيضًا أن نرث حياة أبدية إذ أن هذه الحياة كائنة فيه. وحيث أنه أضاف قائلًا: "عندما أعد السموات كنتُ أنا في نفس الوقت معه"، ينبغي أن نعرف أنه لم يقل هذا كما لو أن الآب أعد السماء أو السحب العُليا بدون الحكمة، لأنه لا ريب أن جميع الأشياء قد خلقت بالحكمة، وبغيرها لم يكن شيء ما. وما قاله يعني هذا أن "كل الأشياء قد صارت في وبواسطتي، وعندما صار هناك احتياج أن تُخلق الحكمة لأجل الأعمال، فإني وأنا موجود مع الآب حسب الجوهر، لكن بالتنازل إلى المخلوقات قد طبعت صورتي على الأعمال، حتى يكون العالم كأنه في جسد واحد غير متمرد بل يكون متوافقًا مع نفسه". فكل الذي يتأملون المخلوقات بفكر مستقيم بحسب الحكمة المعطاة لهم يستطيعون أن يقولوا: "كل الأشياء تثبت بتدبيرك". |
|