رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سيادة المسيح عصرنا هذا هو عصر القوة. ونحن نختبر ذلك في مختلف نواحي حياتنا. ففي حقل المواصلات, نحتاج إلى محركات قوية لتسيير السيارات والشاحنات والباصات والطائرات. وعلى الغالب, نلجأ للحصول على القوة الدافعة للمحركات إلى الطاقة المستخرجة من المنتوجات البترولية. ومنذ منتصف القرن العشرين, أصبح بمقدور الإنسان أن يسخّر الطاقة النووية للأغراض الحربية والسلمية. وما أشد وأكبر القوة المنبعثة من انقسام الذرّة! ولا بد لنا أيضاً من ذكر القوى الهائلة المندفعة من الصواريخ التي تقذف بمركبات الفضاء مطلقة إياها إلى الفضاء الخارجي لتسبح فيه متغلّبة على جاذبية الأرض. عصرنا هذا هو عصر القوّة والطاقة. لكنه يجدر بنا ونحن نتأمل في اكتشافات واختراعات الإنسان المعاصر بألا نسمح لها بأن تخلب أنظارنا إلى هكذا درجة حتى ننسى بأننا نعيش في عالم خاضع لله القدير. وليس هذا الخطر بموضوع نظري بحت, إذ أن حضارة القرن العشرين أضحت ذات طابع مادّي والحاديّ وصار العديدون من معاصرينا يخالون أنهم قادرون بأن يعيشوا في عالم تسيطر عليه القوى المستنبطة من قبل الإنسان ولم يبق فيه مجال للإيمان بالله الخالق والمعتني بكل ما في الوجود. لكنه يجدر بنا ونحن نستفيد من تطبيق مختلف الاختراعات الحديثة بأن نتذكر أنها أتت إلى حيّز الوجود حسب مشيئة الله. إن نسينا الباري واعتنقنا النظريات المنكرة له تكون نهايتنا الدمار. وقد ابتدأنا في فصلنا السابق بدراسة رسالة بولس الرسول إلى جماعة الإيمان في مدينة أفسس ولاحظنا كيف أنه تغنّى بمحبة الله للمؤمنين مفهماً إياهم بأن إيمانهم بالمسيح واختبارهم لعمله الفدائي ضمن قلوبهم تمّ نظراً لاختيار الله لهم قبل إنشاء العالم. وكانت غاية الله بأن يجمع كل شيء في المسيح أي أن يجعل سيادة المسيح يسوع شاملة لكل ما في الوجود. وبعد أن أفهم الرسول أهل الإيمان في أفسس بأنهم لدى إيمانهم بالمسيح المخلّص ختموا بروح الموعد القدوس, ذكر أيضاً اهتمامه الدائم بهم وبحياتهم الروحية قائلاً: لذلك أنا أيضاً, إذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع وبمحبتكم لجميع القديسين, لا أنقطع عن الشكر لأجلكم وعن ذكركم في صلواتي, لكي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح أبو المجد, روح الحكمة والوحي في معرفته, لتستنير عيون قلوبكم فتعلموا ما هو رجاء دعوته, وما هو غنى مجد ميراثه في القّيسين, وما هي عظمة قدرته الفائقة لنا نحن المؤمنين بحسب عمل قدرة قوته, الذي أتمّه في المسيح إذ أقامه من بين الأموات وأجلسه عن يمينه في علياء السماويات, فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمّى, ليس في هذا الدهر فقط بل في الآتي أيضاً. ولقد أخضع كل شيء تحت قدميه وجعله رأساً فوق كل شيء للكنيسة, التي هي جسده وملء الذي يملأ الكل في الكل. أفهم الرسول جماعة الإيمان في أفسس أن الله كان قد اصطفاهم في المسيح يسوع قبل إنشاء العالم وأنه تعالى منحهم هبة التبني ومغفرة ذنوبهم وآثامهم. ولم تكن غاية الرسول بأن يعيش المؤمنون والمؤمنات حياة الكسل والخمول والإهمال بل ذكّرهم بأن مسيرتهم الإيمانية تتطلب منهم أن يجنّدوا جميع قواهم للنمو في حياتهم الجديدة. سرّ بولس لدى سماعه بإيمانهم بالمسيح يسوع وهم يعيشون في وسط وثني متعبّد للآلهة الوهمية والكاذبة. وازداد فرحه لأن إيمانهم لم يكن إيماناً عقلياً محضاً بل ظهر في حياة طافحة بالمحبة لجميع أخوتهم وأخواتهم في الإيمان. ولم يكتف بولس بذكر ذلك بل استمر متكلماً عن مسئوليته تجاههم وكيف أنه يذكرهم دائماً في صلواته وأدعيته لكي يهبهم الله بواسطة الروح القدس بأن تستنير عيون قلوبهم ليقفوا على هذه الحقائق الروحية الهامة: 1: رجاء الدعوة الإلهية, 2: غنى مجد ميراث المؤمنين والمؤمنات, 3: عظمة قدرة قوّة الله العاملة في حياة المؤمنين والمؤمنات. فعندما يؤمن الإنسان بيسوع المسيح كمخلّصه وفاديه من الخطية لا ينتشل من هذه الدنيا بما فيها من متاعب ومشاكل. وإذ يعيش المؤمن ضمن مجتمعه فإنه يضطهد اضطهادات كبيرة, وقد تخور عزيمته ويتساءل عن جدوى ما قام به عندما وضع ثقته الكلية في المسيح المخلّص. وهكذا ذكر الرسول بولس أهمية التشبث برجاء الدعوة الإلهية. وكلمة رجاء حسب مفهومها الكتابي تعني التطلّع إلى المستقبل, إلى يوم عودة المسيح إلى العالم وظهور ملء ملكوت الله. ففي ذلك اليوم العظيم سيظهر نصيبه الباهر في نعيم الله مع سائر القديسين. وإلى أن يجيء ذلك اليوم العظيم يتوجّب على أهل الإيمان بأن يتسربلوا بلباس الرجاء. ولم يكتف الرسول بولس بالكلام عن يوم النصر العظيم, يوم عودة المسيح وانتهاء المشاكل التي كانت تقض مضجع المؤمنين بل تكلم عن الحياة في ملكوت الله كحياة مليئة بالأمجاد التي يهبها الله لهم. وبعبارة أخرى, لم يصف بولس حياة الملكوت السماوي في مرحلته الحالية كحياة خالية من المصاعب والآلام والعذابات والاضطهادات, بل ناشد أهل الإيمان في أفسس ليتأملوا في الأمور الإيجابية الباهرة التي ستكون من نصيبهم نظراً لما كسبه لهم فاديهم يسوع المسيح. ولا يعدّ هذا الكلام الرسولي كتهرّب من الواقع الأليم, بل كالشهادة الصادقة عما يكنـزه الله لمصلحتنا في الدهر الآتي. ومن البديهي أن نتساءل قائلين: ولكن كيف تتمّ هذه الأمور الباهرة؟ كيف أستطيع أنا الإنسان الشقيّ المعذّب والضعيف, كيف أقدر بأن أركّز أفكاري على أمور مستقبلية؟ تتطلب مني حياتي الأرضية بأن أجاهد يومياً للحصول على قوتي وكسائي وسائر ضروريات الحياة. أنا إنسان أعيش في السنين الأخيرة من القرن العشرين وأجد نفسي محاطاً بحضارة عالمية دهرية ومادية, كيف أعلو فوق أفق هذه الحضارة وأفكر جديّاً بما يخبئه الله لي من أمور باهرة لدى عودة المسيح إلى العالم؟ يكمن الجواب في أن الله هو الذي يمنحنا القوة والمقدرة لنتخطى الصعوبات التي تعترض سبيلنا. وإذا ما تساءلنا: كيف يتم هذا؟ وعلى أي أساس أبني يقيني بأنني لن أكون من الفاشلين في اليوم الأخير؟ يذكّرنا الرسول بأن الله قدير وقد أظهر قوته بكل جلاء ووضوح عندما أقام المسيح من بين الأموات وأجلسه عن يمينه في علياء السماويات, فوق كل رئاسة وسلطان وقوّة وسيادة وكل اسم يسمّى ليس في هذا الدهر فقط بل في الآتي أيضاً. ندعو هذا التعليم الرسولي بعقيدة سيادة المسيح على الكون بأسره. كل ما في دنيانا خاضع لسيادة المسيح المخلّص وهو سيد التاريخ. وكم علينا أن نكون شكورين لله لأنه أعطانا هذا الوحي في كتابه المقدس. فلقد تعرّضنا في هذا القرن لنظريات وأيديولوجيات ألّهت فيه المادة وجعلت التاريخ وكأنه مسيّر بمقتضى قوى حتمية تقوده نحو الهدف المنشود ألا وهو النعيم الأرضي الخالي من أي مفهوم ديني أو فوق طبيعيّ. وعندما يعتنق الناس هكذا آراء فلسفية الحادية يصبحون عبيداً لها ولا يمتنعون آنئذ عن التنكيل بأقرانهم بني البشر. ومع أننا لا نستطيع أن نفهم جميع التفاصيل التاريخ القديم منه والمعاصر, بما في ذلك المآسي ذات الأبعاد الهائلة التي حصلت في أيامنا هذه, إلا أننا نشهد بأن المسيح هو سيد التاريخ وأن المعتدّين على شرائع الله يعاقبون لا محالة أما في هذا الدهر أو في يوم الحساب. تابع بولس الرسول تفسير عقيدة سيادة المسيح على كل شيء قائلاً: ولقد أخضع أي الله الآب,كل شيء تحت قدميه وجعله رأساً فوق كل شيء للكنيسة, التي هي جسده وملء الذي يملأ الكل في الكل. هذه كلمات صريحة غير قابلة للتأويل. أخضع الله كل شيء نعم كل شيء بدون استثناء للمسيح, وجعله رأساً فوق كل شيء. ماذا تعني عبارة: كل شيء للكنيسة التي هي جسده؟ تظهر سيادة المسيح في هذه الحقبة من التاريخ ضمن الكنيسة أي ضمن جماعة الإيمان المتكوّنة من مؤمنين ومؤمنات من سائر الأقاليم والشعوب. كل من آمن بالمسيح كمخلّصه من الخطية يؤمن في نفس الوقت بسيادة المسيح على حياته وعلى مسيرة التاريخ البشري. ولا تعني عبارة الكنيسة جسد المسيح بأن الكنيسة بمفردها أو بمعزل عن ربّها ومخلّصها تكوّن جسداً مستقلاً عاملاً في دنيانا هذه. تكون الكنيسة جسد المسيح عندما يكون المسيح ويبقى رأسها المدبّر. وسيادة المسيح في العالم لا تترجم ولا تختبر وكأنها سيادة سياسية أو عسكرية, بل تنتشر سيادة المسيح المخلّص بواسطة عمل الروح القدس في قلوب الناس وبواسطة المناداة بكلمة الله التي هي في لبّها إنجيلاً أي خبراً مفرحاً. هذا هو العمل الرئيسي الذي أسنده المسيح الظافر للكنيسة. ومتى تكون الكنيسة مطيعة لربها وفاديها تقوم بعملها تلقائياً وبفرح عظيم. وحيثما ينادي بكلمة الله تنتشر سيادة المسيح في قلوب المؤمنين به والعاملين بكلمته المحرّرة؟ إن كنت قد آمنت به كمخلّصك من الخطية فاشكر الله واحمده على هذه النعمة العظيمة التي أسبغها عليك. ولكنك إن لم تكن قد اتخذت هذه الخطوة الحاسمة أرجوك بألا تؤجل إلى الغد المجهول قرارك الهام. آمن اليوم بالمسيح الفادي وأنعم بالخلاص في هذا الدهر وفي الدهر الآتي, آمين. |
|