مع ما اتسم به كثير من الآباء الرهبان بروح التواضع كانوا يتمتعون ببركات ومواهب إلهية كثيرة. فكانوا يتساءلون إن كان يوجد من هم أسمى منهم روحيًا لعلهم يقتدون بهم. من بين هؤلاء القديس أنبا أنطونيوس، فأعلن له الرب عن شخصية أنبا بولا أول السواح، والقديس أنبا مقار، فكشف له الرب عن امرأتين متزوجتين في الإسكندرية تعيشان بروح الحب والقداسة والنسك، والقديس زوسيما القس أرشده الرب على القديسة مريم المصرية. زوجان أفضل من راهب تبادر ذات الفكر لدى أحد الآباء الرهبان الشيوخ فجاءه صوت يقول له أنه توجد في مصر زوجة قديسة تُدعى مريم تعيش مع زوجها أفخارستوس في قرية بمصر على مستوى روحي أعظم منه. بإرشاد ملاك الرب انطلق الراهب نحو القرية ليلتقي بهذين الزوجين اللذين يفوقانه في الحياة الروحية. أرشده الملاك إلى المنزل فقرع الباب وفتحت له مريم وكان زوجها يرعى الغنم. في المساء جاء افخارستوس واستقبل الراهب الضيف. وإذ أعد مع زوجته المائدة رفض الراهب أن يأكل حتى يعرف سرّ حياتهما. لم يشأ أخفارستوس أن يتحدث عن حياته مع زوجته بل أجاب: "أنا راعي غنم، وهذه زوجتي". أصر الراهب الشيخ أن يعرف أمرهما، قائلاً للزوج أن الله هو الذي أرسله إليه. عندئذ تحدث الرجل بخوف الله قائلاً: "إنني أرعى الغنم الذي ورثناه عن والدينا. فإن صنعنا ربحًا قليلاً بعون الله نقسمه إلى ثلاثة أجزاء. الثلث للفقراء، والثلث لضيافة الغرباء والثلث الأخير لاحتياجاتنا الشخصية. ومنذ زواجنا تعيش معي زوجتي كأخت لي، كل منا ينام بمفرده، بالليل نرتدي المسوح، وفي النهار نرتدي الثياب العادية، ولا يعلم أحد شيئًا عن حياتنا". أطرقت مريم برأسها نحو الأرض وتوسلت إلى الراهب الشيخ أن يكتم سرّ حياتهما حتى نياحتهما.