|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
الخميس 15 آب/أغسطس 2024: عيد إنتقال سيّدتنا والدة الإله مريم العذراء بالنفس والجسد الى السماء.. جاء في التقاليد القديمة أنه عندما حان الزمن وأراد يسوع المخلِّص أن يَنقل والدته إليه، سبَق وأعلمها قبل ثلاثة أيام بإنتقالها من الحياة الأرضيّة إلى الحياة الأبديّة السعيدة. فأسرعت العذراء مريم وصعدت إلى جبل الزيتون لتُصلّي وتشكر الله.. ثم عادت إلى منزلها وأعدَّت ما يَحتاج إليه لدفنها. وعَلِم الرسل بوحي الروح القدس، فإنتقلوا بصورة عجيبة من أقاصي الأرض حيث كانوا، إلى أورشليم، إلى بيت مريم.. ففَسَّرت لهم ما دعى إلى هذا الإنتقال السريع والعجيب، وعَزَّتهم.. ثم رفعت يديها الطاهرتين إلى السماء وباركتهم، وصلَّت لأجل سلام العالم.. وفاضت نفسها الفائقة القداسة والطاهرة بين يدي إبنها وربّها.. فحمل الرسل الجثمان الأقدس ودفنوه في الجسمانيّة.. إلا إنهم بعد ذلك بثلاثة أيام، إذ إجتمعوا في محفل تعزية، ورفعوا الخبز ليكسروه بإسم يسوع، ظهرت لهم والدة الإله وبادرتهم بالسلام.. فتَيَقّنوا إذ ذاك إنها إنتقلت إلى السماء بالنفس والجسد.. عَمَّ عيد سيّدة الإنتقال الإمبراطوريّة البيزنطيّة بين سنتي 588 و602، والحبر الروماني البابا ثاوذورس الأول (642-649)، وكان قبلاً من الإكليروس الأورشليمي، أَدخل هذا العيد إلى كنيسة روما.. وجاءت عقيدة إنتقال أُمّنا مريم العذراء بالنفس والجسد إلى المجد السماوي في التقليد الكاثوليكيّ، إذ آمنت الكنيسة منذ العصور الأولى بعقيدة إنتقال العذراء، ويَتضح لنا ذلك من خلال إيمان الأجيال المسيحيّة الأولى بهذه العقيدة، والذي توارثته عن الآباء الرسل، ومن خلال إيمان الكنيسة بعقيدة الأمومة الإلهيّة، وأيضًا من خلال ما أورده الآباء القديسون في أقوالهم عن مريم، والتي يجب أن يُحفظ جسدها من الفساد لأنها حملت النور الإلهيّ.. إنّ الكتاب المقدّس يُرينا والدة الإله متَّحدة اتحادًا وثيقًا بإبنها الإلهيّ، ومشاركةً إياه على الدوام. وعليه فأن التي حبلت بالمخلص وولدته وأرضعته وضمَّته إلى صدرها، لا يمكن أن تنفصل عنه بعد حياتها على هذه الأرض.. في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر سنة 1950، أعلن البابا بيّوس الثاني عشر عقيدة إنتقال سيّدتنا مريم العذراء إلى السماء. وفى يوم 21 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر لسنة 1964 تَمَّ صياغة العقيدة كالتالي: «إن العذراء التي حُبل بها بلا دنس، والتي حفظها الله من الخطيئة الأصليّة، بعد أن أتمّت رسالتها على الأرض إنتقلت بالنفس والجسد إلى السماء، ونالت إكليل المجد وصارت سلطانة على السماوات والأرض» وتُعيِّد الكنيسة عيد الإنتقال في الخامس عشر من شهر آب/أغسطس من كلّ عام بحسب التقويم الغريغوري المصحّح، أمّا التقويم اليولياني الغير مصحّح في 22 من شهر آب/ أغسطس من كلّ سنة.. وقد رأى البابا بيّوس الثاني عشر ضرورة ملحة في أن يُعلن تلك العقيدة الكامنة في نفوس المؤمنين، وبعد عرض ذلك على كل أساقفة العالم وموافقة غالبيتهم، أعلن البابا تلك العقيدة عام 1950، في حضور حوالي 500 ألف نسمة.. وهذه صورة تحديد العقيدة: «فبعد أن رفعنا مراراً كثيرة إلى الله توسلاتنا وإلتمسنا نور روح الحق، لمجد الله القدير الذي أغدق في سخاء عطفه الخاص على العذراء مريم أمه، ولمجد إبنه ملك الدهور الحيّ قاهر الموت والخطيئة، وزيادة في مجد أمّه المُعظّمة وإعلاءً لشأن الكنيسة جمعاء وحريتها، نُعلن بسلطان سيّدنا يسوع المسيح، والرسولين بطرس وبولس وبسلطاننا الخاص نُصرّح ونُعلن ونُحدّد كعقيدة أوحاها الله، أن مريم والدة الإله والمنزَّهة عن العيب والدائمة البتوليّة، بعد أن أنهت مسيرة حياتها على الأرض، رُفعت بالنفس والجسد إلى المجد». إنّ هذا يَعني إتحاد مريم العذراء الوثيق بالله بنفسها وجسدها، هذا الإتحاد الذي تَحقّق بتجسّد يسوع في أحشائها، وبأمانتها لله وتسليمها لإرادة الله طوال حياتها، هذا الإتحاد يَستمر بعد موتها في إشتراكها في مجد القيامة. ولذلك رفعها الله إلى السماء، ولم يَترك جسدها يرى الفساد.. وفي عهد حبريّة البابا إسكندر الثاني(7 أيلول/سبتمبر 1159- 30 آب/أغسطس 1181) صدرت رسالة إلى السلطان السلجوقي المقيم في إكيونيون، سنة 1169 عن جسد مريم لم ينَلْه فساد بعد موتها: «مريم حبِلت بلا دنس، ووَلدت بلا ألم، وإنتقلت من هنا بغير فساد، وِفقًا لكلام الملاك، أو بالحريّ لكلام الله بالملاك، لكي يَتضح أنها ممتلئة لا نصف ممتلئة نعمة، وأن الله إبنها يُتمِّم بأمانة الوصيّة القديمة التي علِمها قديمًا، أيّ أن يُكرَم الأبُ والأمّ، وأن جسد المسيح الطَّاهر الذي إتخذه من جسد أمه العذراء لا يختلف عنه (في أيّ شيء) تمامًا». ويَكتب القدّيس توما الإكويني(1225- 1274) أن يسوع المسيح أنقذ أُمّه وأعتَقها من ثلاث لعنات: 1- أنقذها من اللعنة الخاصّة وحدها وخلّصها من ألم الولادة. 2- أنقذها من اللعنة الخاصّة بالرجل وحده وهي: «بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا» (تك3: 19). 3- أنقذها من اللعنة المشتركة بين المرأة والرجل وهي: « بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا حتَّى تَعودَ إِلى الأَرض، فمِنها أُخِذتَ لأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود» (تك3: 19). تَحرَّرت العذراء مريم من هذه اللعنة الثالثة لأنّها ما رَجعت إلى التراب الذي جُبلت منه، ولكنّها إرتفعت إلى السماء بجسدها وإرتفعت فوق التراب وصعدت إلى السماء على أجنحة الملائكة. أرسل البابا بيّوس الثاني عشر، في الأول من شهر أيار/مايو لسنة 1946، رسالة رسميّة إلى أساقفة العالم جميعاً يَسألهم فيها هل من الممكن تحديد إنتقال العذراء بالجسد إلى السماء تحديد عقيدة، وهل يرغبون مع إكليروسهم وشعبهم في هذا التحديد. وبعدما جاءته أجوبة الأساقفة، هي تكاد تكون كلّها بالإيجاب، أعلن في الأول من شهر تشرين الثاني/نوفمبر لسنة 1950، بمرسومه الرسولي Munificentissimus، عقيدة أوجدها الله، «أن مريم العذراء الدائمة البتوليّة، أمّ الله، بعد أن أنهت حياتها على الأرض، رُفِعت بالنفس والجسد الى المجد السماوي». وكان بيّوس الثاني عشر سبق في رسالته Mystici Corporis 1943، إلى القول بأن مريم «تتمتع الآن في السماء جسماً ونفساً بالمجد الأبدي، وتملك مع إبنها».. وأعلن الحبر الرّوماني البابا بيّوس الثاني عشر، بمرسومه الرسوليّ، «إلهنا المعطاء» عقيدة أوحي بها الله، ومفادها «أن مريم العذراء دائمة البتوليّة، أُمّ الله، بعد أن أنهت حياتها على الأرض رُفعت بالنفس والجسد إلى المجد السماويّ، أيّ أنّها لم تبقَ خاضعة لشريعة الفساد، ولم تنتظر نهاية الزمان حتّى يَتحرّر جسدها من القبر» * شهادة الوحيّ الإلهيّ: ليست لدينا شهادات صريحة مباشرة من الكتاب المقدّس تُثبت عقيدة الإنتقال. غير أنّنا نَستنتج هذه الحقيقة من بعض نصوص الكتاب المقدّس وأهمّها: متّى27: 52- 53: «وتَفَتَّحَتِ القُبور، فقامَ كثيرٌ مِن أَجسادِ القِدِّيسينَ الرَّاقِدين، وخرَجوا مِنَ القُبورِ بعدَ قِيامتِه، فدَخَلوا المدينةَ المُقَدَّسة وتَراءَوا لأُناسٍ كثيرين». فإذا نَعَم أبرار العهد القديم بالخلاص التامّ، حال إكتمال عمل الفداء، فإنّ العذراء مريم بحجّة أولى، قد نالت هي أيضًا هذا الإنعام. لو1: 28: «إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ». إنّ عبارة «يا ممتلئة نعمة»، هي إسم مريم الخاصّ، الذي يفسِّر صفتها المميّزة، نتيجة إختيار الله لها لمقام الأمومة الإلهيّة. وتدلّ هذه الصفة، ليس فقط على قوّة إمتلائها من النعمة، بل أيضًا على شموليّة هذا الامتلاء. فقد حفظتها نعمة الله إبتداءً من دخولها، من لعنة الخطيئة ومن العودة إلى التراب: «وقالَ لِلمَرأَة: لَأُكَثِّرَنَّ مشقَّاتِ حَمْلِكِ تَكْثيرًا. فبِالمَشَقَّةِ تَلِدينَ البَنين وإِلى رَجُلِكِ تنقاد أَشواقُكِ وهُوَ يَسودُكِ. وقالَ لاَدم: لأَنَّكَ سَمِعتَ لِصَوتِ أمرَأَتِكَ فأَكلتَ مِنَ الشَّجَرةِ الَّتي أَمَرتُكَ أَلاَّ تَأكُلَ مِنها، فمَلْعونةٌ الأَرضُ بِسَبَبِكَ بِمَشقَّةٍ تأكُلُ مِنها طولَ أَيَّامِ حَياتِكَ. وشَوكًا وحَسَكًا تُنبِتُ لَكَ، وتأكُلُ عُشبَ الحُقول. بِعَرَقِ جَبينِكَ تأكُلُ خُبزًا حتَّى تَعودَ إِلى الأَرض، فمِنها أُخِذتَ لأَنَّكَ تُرابٌ وإِلى التُّرابِ تعود» (تك3: 16- 19)، وهذا ما حمل البابا إسكندر الثالث على القول: إنّ مريم حُبِل بها بغير خطيئة، وإنتقلت من هذه الحياة دون فساد، لكي يَظهر بأجلى وضوح أنّها ممتلئة نعمة.. * شهادة العقل: ويَنهل اللاهوتيّون من منهل الوحي، لكي يُبنوا عليه براهينهم النظريّة واللاهوتية، ليُثبتوا عقيدة إنتقال مريم بعد الموت. أوّلاً: فساد الجسد هو عقاب الخطيئة. وبما أنّ مريم، الكليّة القداسة والبريئة من الخطيئة إستُثنيت من لعنة الخطيئة العامّة، فقد كان من اللائق أن يُصان جسدها من قاعدة الفساد العامّة، وأن تدخل المجد السماويّ مباشرة، مثلما كان مقرّرًا في تصميم الله الأوّل على الإنسان. «أَنَّكَ لن تَترُكَ في مَثْوى الأَمْواتِ نَفْسي ولَن تَدَعَ صَفِيَّكَ يَرى الهوة» (مز16: 10). ثانيًّا: لمّا كان جسد يسوع قد تكوَّن من جسد مريم، فقد صار من اللائق أن يَشترك جسد الأُمّ في مصير جسد إبنها الممجّد. وبما أنّ إبن الله إرتفع إلى السماء بالنفس والجسد، فكان لائقًا أن يَرتفع جسم والدته أيضًا. ثالثًا: كانت لمريم العذراء مشاركة فعليّة في الفداء، إذ وَضعت كلّ حياتها في خدمة المخلّص، ثمّ تألّمت وقدَّمت إبنها على الجلجة مع تقدمتها ذبيحة حقوقها ومحبّتها الوالديّة كلّها للآب الأزليّ. وبما أن الذين يَزرعون في الدموع يَحصدون بالترنيم، وإن شريك الأُمّ هو شريك في القيامة، فقد كان من اللائق أن تَنال، في ختام حياتها على الأرض، ثمرة الخلاص الكاملة أيّ تمجيد النفس والجسد. وكلّنا أمل أنّنا سنُعتق يومًا من عبوديّة الفساد إلى حرّيّة مجد أبناء الله «فالخَليقةُ تَنتَظِرُ بِفارِغِ الصَّبْرِ تَجَلِّيَ أَبناءِ اللّه» (رو8: 19). إذ لا بدّ لهذا الفاسد أن يَلبس عدم الفساد، ولهذا المائت أن يلبس عدم الموت «فلا بُدَّ لِهذا الكائِنِ الفاسِدِ أَن يَلبَسَ ما لَيسَ بِفاسِد، ولِهذا الكائِنِ الفاني أَن يَلبَسَ الخُلود» (1كو15: 53). وإنّنا نسرد البراهين الكتابيّة لعقيدة إنتقال أُمّنا مريم العذراء بالنفس والجسد إلى المجد السماويّ: لما كان أساس جميع النِعم والمواهب الفائقة الطبيعة التي خصّ الله بها مريم العذراء، وسببها الوحيد هو كونها أصبحت أُمَّ الله حقيقة، فلوحدة السبب المذكور نُثبت من الأسفار حقيقة إنتقال مريم العذراء بتلك النصوص نفسها، تَدلّ على براءتها من الخطيئة الأصليّة لأنّنا نرى فيها دلالة كافية وإن ضمنيّة على العقيدة المشار إليها فنقول: أوّلاً: جاء في سفر التكوين: «وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه» (تك3: 15) – قد أجمع الآباء القديسون وعلماء اللاهوت على أن المراد بالمرأة، في الآية المذكورة، مريم العذراء، وبنسل المرأة المسيح المخلّص، وبالحيّة الشيطان وبنسلها الخطيئة - وهذا لا ريب فيه ولا يحتاج إلى برهان. فيظهر من هذه الآية أن مريم العذراء قد إشتركت مع إبنها يسوع بإنتصاره على الحيّة الجهنميّة أيّ الشيطان- ، وعلى نسله أيّ أفعاله التي هي الخطيئة، وعلى عواقب الخطيئة أيّ الشهوة والموت- هكذا مريم العذراء فإنّها قد إنتصرت مثله على الخطيئة وعلى عواقبها. والحال أن المسيح قد إنتصر على الخطيئة ببراءته من كلّ خطيئة، وإنتصر على الشهوة بعِصمته من الشهوة، وإنتصر على الموت بقيامته المجيدة وصعوده إلى السماء. كما علَّم الرسول في رسالته إلى أهل كورنتوس: « ثُمَّ يَكونُ المُنتَهى حِينَ يُسَلِّمُ المُلْكَ إِلى اللهِ الآب بَعدَ أَن يَكونَ قد أَبادَ كُلَّ رِئاسةٍ وسُلطانٍ وقُوَّة [...]وآخِرُ عَدُوٍّ يُبيدُه هو المَوت [...] ومتَى لَبِسَ هذا الكائِنُ الفاسِدُ ما لَيسَ بِفاسِد، ولَبِسَ الخُلودَ هذا الكائِنُ الفاني، حينَئذٍ يَتِمُّ قَولُ الكِتاب: قدِ إبتَلَعَ النَّصْرُ المَوت، فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟[...] فالشُّكرُ للهِ الَّذي آتانا النَّصْرَ عَن يَدِ رَبِّنا يسوعَ المسيح!» (1كو15: 24و 26و 54و 57)، وفي رسالته إلى العبرانيين: «فلَمَّا كانَ الأَبناءُ شُرَكاءَ في الدَّمِ واللَّحْم، شارَكَهُم هو أَيضًا فيهِما مُشاركةً تامّة لِيَكسِرَ بِمَوتِه شَوكَةَ ذاكَ الَّذي لَه القُدرَةُ على المَوت، أَيّ إِبليس، ويُحَرِّرَ الَّذينَ ظَلُّوا طَوالَ حَياتِهِم في العُبودِيَّةِ مَخافَةَ المَوت» (2: 14و 15). إذًا مريم العذراء التي كانت متّحدة بإبنها وشريكة له بالتجسُّد، قد إشتركت أيضاً بإنتصاراته المشار إليها: فإنتصرت على الخطيئة بعِصمتها من الخطيئة الأصليّة ومن كل خطيئة، وإنتصرت على الشهوة لأنّها ولدت إبنها وهي بتول. وقد إنتصرت أيضًا على الموت، بإنتقالها حالاً بعد موتها إلى السماء بالنفس والجسد. ثانيًّا: جاء في إنجيل لو1: 28: «إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ» إن الملاك سَلَّم على مريم العذراء قائلاً: « إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً » والحال أن مريم كانت ممتلئةً نعمةً وليس بروحها فقط بل بجسدها، ومن أجل جسدها أيضًا. لأنّه إنّما قيل لها: يا ممتلئة نعمة لكونها مزمعة أن تَصير أُمّ الله حقيقة بجسدها الذي أعطت منه جسدًا لإبن الله الكلمة الإلهيّ المتجسّد في أحشائها. والحال ليس من الصواب أن يُقال عن مريم أنّها ممتلئة نعمة بجسدها- ولا تكون حقيقة ممتلئة نعمة بجسدها لو كان هذا الجسد الطاهر مزمعًا أن يَنحلّ بالموت، وأن يَخضع لسُنَّة الفساد الشاملة جميع أجساد البشر- فلكي تكون مريم العذراء ممتلئة نعمة بجسدها إذن، ولكي يكون إمتلاؤها من النِعم تامًّا وكاملاً في حياتها وبعد مماتها، يَنبغي أن لا يَنال جسدها فساد، بل أن يَنتقل حالاً، إلى السماء بعد موتها خلافًا لسُنَّة البشر والطبيعة. ثالثًا: وقد أشار المرتّل إلى إنتقال مريم العذراء إلى السماء بالجسد فقال مشبّهًا هذا الجسد البتوليّ بتابوت العهد «قُمْ يا رَبُّ إِلى مَكانِ راحَتِكَ أَنتَ وتابوتُ عِزَّتِكَ» (مز132: 8)، «مِن بَينِ كَرائِمِكَ بَناتُ المُلوك قامَت مَلِكَةٌ عن يَمينكَ بِذَهَبِ أُوفير» (مز45: 10). أشار إلى مجدها وجلوسها عن يمين إبنها في السماوات يقوله: «قامَت مَلِكَةٌ عن يَمينكَ بِذَهَبِ أُوفير» (مز45: 10). رابعًا: وقد شاهدها الحكيم في الرؤيا صاعدة إلى السماء من قَفر هذا العالم مستندةً إلى حبيبها فهتف قائلاً: «مَن هذِه الطَّالِعَةُ مِنَ البَرِّيَّة كأَعمِدَةٍ مِن دُخانً مُعَطَّرٍ بِالمُرِّ والبَخور وبِجَميعِ مَساحيقِ التَّاجر؟» (نش3: 6). خامسًا: وقد رآها الحبيب في جليانه صاعدة إلى السماء «ثُمَّ ظَهَرَت آيَةٌ عَظيمَةٌ في السَّماء: إمرَأَةٌ مُلتَحِفَةٌ بِالشَّمْس والقَمَرُ تَحتَ قَدَمَيها، وعلى رَأسِها إِكْليلٌ مِنِ إثَني عَشَرَ كَوكبًا» (رؤ12: 1). شفاعة وصلاة وبركة أمنا السماويّة مريم العذراء تكون معنا والى الأبد، آمين، عيد مبارك للجميع. |
|