رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إهانة الأسرار المقدسة
كان ببغداد إنسان يدعى مقدم ابن ملك ويعرف بالهاشمي، ولم يكن يهتم قط بشيء من أمور المملكة سوى أنه كان يركب في كل يوم ومعه الجند ويرصد كنائس النصارى في وقت القداس، فيدخلها راكبًا ويأمر بأخذ القربان من على الهيكل ويكسروه ويخلطوه بالتراب ويقلب الكأس، وكل ما فعل ذلك في كنيسة مضى إلى أخرى وفعل فيها ذلك، حتى كادت بغداد تخلو كنائسها من القداسات وامتنع أكثر الكهنة عن القداس خوفًا من هذا. كانت معونة الله تجذبه ولا يدري، فلما كان في بعض الأيام دخل إلى كنيسة كعادته، ففتح الله عينيه فأبصر في صينية القربان طفلاً جميلاً نبيلاً، وفي وقت القسمة أبصر الكاهن وقد ذبحه وصفى دمه في الكأس وفصل لحمه قطعة قطعة في الصينية، فبُهِت الهاشمي ولم يستطع الحركة. ثم خرج الكاهن يقرب الشعب باللحم وكأس الدم وهو ينظرهم، فتعجب وقال لجنده: "ألا تروا ما هذا الذي فعله؟" وكان يقصد بذلك الكاهن، فقالوا له: "نحن نراه"، قال لهم: "نصبر لهذا؟ هل يأخذ طفلاً يذبحه ويقسم لحمه على هذا الجمع العظيم ويسقيهم من دمه؟" قالوا له: "الله يوفقك يا سيدنا ما نرى نحن إلا خبزًا وخمرًا". فزاد خوفه وتعجبه، وبقي الشعب متعجبين لوقوفه باهتًا ولم يفعل بالقربان ما جرت به عادته. فلما فرغ الكاهن وخرج الناس استدعاه وقال له ما رآه، فقال له: "يا سيدنا ما هو إلا خبز وخمر". فلما علم أن هذا السرّ ما ظهر إلا له فقط، قال له: "أريد أن تُعرِّفني سرّ هذا القربان وبدايته". عرَّفه الكاهن كيف أسس المسيح الإفخارستيا، ثم قال له: "إنما الله أظهر لك هذا السرّ الخفي الحقيقي المقدس خلاصًا لنفسك". ثم أخذ يقرأ عليه كتب الكنيسة وبيَّن له الأسرار حتى طاب قلبه لاعتناق المسيحية، فأمر أصحابه بالانصراف وبات هناك مع الكاهن وعمده بالليل وصار نصرانيًا. استشهاده لما كان الغد أتاه أصحابه بالدابة فطردهم ولم يكلمهم، وإذ علموا الخبر مضوا إلى أبيه وأعلموه بما كان، فأحضره بالقوة وحاول معه باللين والتخويف كي يرجع فأبَى، عند ذلك أسلمه للعذاب، فعُذِب عذابًا شديدًا فلم يرجع عن أمانته، فقُطِعت رأسه بالسيف على اسم السيد المسيح وتمت شهادته، وقد كرَّم مسيحيو بغداد جسده وبنوا عليه كنيسة عُرِفت باسم كنيسة الهاشمي. وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها، صفحة 109. |
|