جلسنا بعض الوقت مع بولس في سجنه الثاني الذي فيه تنتهي حياته. سجنٌ قاسٍ لا يزوره إلاّ بصعوبة من يريد أن يزوره. ولكنّ الإيمان يرفع الرسول إلى ما وراء الجدران، فلا تقف بوجهه الحواجز ولا المسافات ولا بُعد الأشخاص أو تخلّيهم عنه. وإن هو قال: »لا أحد معي«، ففي الواقع الله معه، يعزّيه، يقوّيه، لا يدع اليأس يدخل إلى قلبه. ومن يكون سائرًا مع الله، مسجونًا مع الربّ يسوع، لا يمكن أن يكون وحده؛ فالكنيسة كلّها معه. وإن هو صلّى كما الربّ صلّى في بستان الزيتون، أو على الصليب، فلا بدّ أن يقول: لتكن مشيئتك يا ربّ. وفي النهاية: »يا أبتاه في يديك أستودع روحي، تمَّ كلُّ شيء«. ذاك كان وضع بولس في غروب حياته. ولكن مثلُ هذا الرسول لا يُلقي السلاح بسهولة؛ فهو الجنديّ الجالس على صهوة حصانه يوجّه الرسالة من عمق سجنه، بل يريد »مصاحف« الأسفار المقدّسة لكي يدعو الأمم إلى الإيمان، كما اعتاد أن يفعل. وإن هو مُنع، أَرسل هذا إلى هنا، وذاك إلى هناك. هكذا يتمجّد الله، فتهتف الكنيسة مع رسولها نحو الربّ: »له المجد إلى أبد الدهور. آمين«.