رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرجاء المرتبط بالمحبَّة إذا كان الرجاء نظرة إلى المستقبل، فمن يؤكِّد لنا هذا المستقبل؟ وإلى ماذا أو إلى من نستند؟ أما يكون الرجاء سرابًا نتكمَّش به لأنَّ لا سبيل لنا إلى غيره؟ إذا كان الربُّ حوَّل سراب البرِّيَّة ماء، من أجل شعب البرِّيَّة، فهل يحوِّل برَكَته سرابًا بحيث يصبح الفردوس شوكًا وقطربًا؟ حاشا. فنحن نعلن مع الرسول: »رجاؤنا لا يخيب، لأنَّ الله سكب محبَّته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبه لنا« (رو 5: 6). ومتى فعل ذلك؟ أحين كنّا أبرارًا؟ كلاّ. بل حين كنّا »ضعفاء«، »خاطئين« أظهر الله محبَّته لنا »بأنَّ المسيح مات من أجلنا« (آ8). رجاؤنا قويٌّ لأنَّه يستند إلى محبَّة الله، الذي أحبَّنا قبل أن نحبَّه. قال يوحنّا في رسالته الأولى: »نحن ما أحببنا الله (وسبقناه حين أظهرنا محبَّتنا له) بل هو الذي أحبَّنا، وأرسل ابنه كفّارة لخطايانا« (4: 10). الله أحبَّنا قبل إنشاء العالم، اختارنا (قبل أن نعرف أن نختار) »لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبَّة« (أف 1: 4). هل يمكن أن يتخيَّل بشرٌ ما أعدَّه الله لأحبّائه؟ لا يمكن. ومع ذلك هو الحقيقة. فهتف الرسول: »ما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر ما أعدَّه الله من أجل أحبّائه« (1 كو 2: 9). وأنتم أحبّاؤه حين تعملون بمشيئته. حين تتجاوبون معه، فتردُّون على الحبِّ بالحبِّ. فماذا يفعل الله من أجل الذين يحبُّونه؟ يعدهم بالمجد الآتي، يقول لهم: »آلام هذه الدنيا لا توازي المجد الذي ينتظرنا« (رو 8: 18). بل يرينا أنَّ الخليقة كلَّها »تنتظر بفارغ الصبر« (آ19). ونحن ماذا نفعل؟ هل نشبه المؤمنين في زمن إشعيا، الذين قال النبيّ فيهم: »الثورُ يعرف مقتنيه، والحمار معلف صاحبه، أمّا بنو إسرائيل فلا يعرفون، شعبي لا يفهم شيئًا« (إش 1: 3). نرفض الرجاء. نتعلَّق بما يُرى وننسى ما لا يُرى. مع أنَّ ما يُرى هو لزمان وما لا يُرى هو إلى الأبد. نرفض الاتِّكال على الله ونحسب أنَّنا نستطيع بمقدورنا أن نفعل. نرفض الباب الضيِّق والطريق الصاعدة. هكذا نكون لا نعرف ولا نفهم. وننسى خصوصًا ما الذي فعله الله ويفعله كلَّ يوم من أجلنا. هو مشروح محبَّة يغرز جذوره في حياة كلِّ واحد منّا، بل في التاريخ كلِّه. هو »سر« يريد أن يُدخلنا الله فيه. فهل نستعدُّ أن نرى؟ هل نستعدُّ أن نسمع؟ هذا يفترض الإيمان العامل بالمحبَّة. قال الرسول: »ونحن نعلم أنَّ الله يعمل سويَّة مع الذين يحبُّونه لخيرهم في كلِّ شيء أولئك الذين دعاه حسب قصده. فالذي سبق فاختارهم، سبق فعيَّنهم ليكونوا على مثال صورة ابنه حتّى يكون الابنُ بكرًا لإخوة كثيرين. وهؤلاء الذين سبق فعيَّنهم، دعاهم أيضًا، والذين دعاهم برَّرهم أيضًا، والذين برَّرهم مجدَّهم أيضًا« (رو 8: 28-30). »سبق«. يرد الفعل أكثر من مرَّة. الله هو السبّاق. كلُّ مبادرة هي منه، ولا يكون لنا سوى الجواب. وضع أمامنا السعادة والشقاء ونحن نختار. جعل الخير والشرّ أمام الإنسان، وقام بالخطوة الأولى فجعله في الجنَّة. فلماذا يسبقنا وهو لم يعرف شيئًا عنّا؟ لأنَّه جعل رجاءه فينا. كلام هائل. الله اتَّكل علينا. جعل ثقته فينا ولهذا خلقنا. فالمحبُّون وحدهم يعرفون أنَّ كلَّ شيء هو لخيرهم. دعاهم كما يدعو الأب أبناءه: أنتَ، اذهب إلى كرمي. إن أردت أن تتبعني، تمشي ورائي. والرسول يدعونا: »تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء« (أف 5: 1). ما نحن توجَّهنا إليه أوَّلاً، بل هو توجَّه. ما نحن دعوناه، بل هو دعانا، اختارنا على ما قال: »ما أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأرسلتكم« (يو 15: 16). والنعمة الكبرى بعد أن »تشوَّهت« صورة الله بفعل الخطيئة، هو أنَّه »عيَّننا«، »أعدَّنا« لكي نكون على صورة ابنه. تلك هي المحبَّة العظمى. لم يعد الابنُ الابنَ الوحيد، بل صرنا كلُّنا أبناءه، ويسوع المسيح صار أخًا لإخوة وأخوات عديدين. وتتواصل السلسلة: من الدعوة، إلى التبرير، أي جعلنا أبرارًا قدّامه، خلَّصنا من جديد »كما من الماء والروح« لكي نعيش بحسب إرادته. أخذ منّا قلب الحجر وأحلَّ محلَّه قلبًا من لحم. وفي النهاية »مجَّدنا«. إلى هذا المستوى وصلت محبَّة الله لنا. نحن نعرف أنَّ المجد هو لله وحده. ولكن لمّا صرنا مع الابن دُعينا إلى المجد على مثال الابن. ويقول لنا المسيح: »تجلسون على اثني عشر كرسيٌّا وتدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر«. ويقول لنا الرسول: »أنتم ستدينون العالم« (1 كو 6: 2). ويواصل، ويا للعظمة، فيقول للكورنثيّين الذين لم يفترقوا عنّا في شيء: »أما تعرفون أنَّنا سندين الملائكة؟« (آ3). تلك هي الدرجة التي رفعنا الله إليها. وكلُّ هذا محبَّة لنا. فإلى هذه المحبَّة يستند رجاؤنا، ونخشى بعد ذلك الفشل والخيبة، بل يخاف الكثير منّا، مع أنَّ الله قال: لا أتركك ولا أرخي بك الأيدي. وقال أيضًا: »الربُّ لا يتخلّى عن أتقيائه، بل إلى الأبد يحرسهم« (مز 23: 28). بل هو يشبِّه الله بأمِّ وأب. هذان يمكن أن يتخلَّيا عن أولادهما. هي خبرة قاسية على مستوى البشر، لا على مستوى الله. ونحاول أن نجعلها على مستوى الله، وكأنَّ الله إنسان من البشر! ولكنه يجتذبنا بحبال الرحمة وروابط المحبَّة ويهتمُّ بكلِّ واحد منّا كما الأمُّ تهتمُّ بابنها الوحيد. وهكذا نحسُّ مع الله أنَّنا موضوع اهتمامه. قد يقول المؤمن، كما قالت أورشليم، »تركني الربّ، نسيَني«. ما هذا الكلام الذي يجرح الله في الصميم، لأنَّه يرى أولاده يبتعدون عنه، يغيبون في اليأس، يفقدون كلَّ شيء حتّى الحياة. لهذا فهو يجيبنا بلسان النبيّ: »أتنسى المرأة رضيعها، ألا ترحم ثمرة بطنها (وهو كان في رحمها)؟« هذا مستحيل في عالمنا. ويواصل الربُّ كلامه: »لكن لو أنَّها نسيَتْ فأنا لا أنساك... وها أنا على كفِّي رسمتك« (إش 49: 14-16). فاسمُك، يا ابني، يا ابنتي، لا يزول، ما زال كفّي معي. »الجبال تزول والتلال تتزعزع وأمّا رأفتي فلا تزول« (إش 54: 10). إلى هذا الإله يستند بولس في سجنه. »أنت تعرف أنَّ جميع الذين في آسية تخلُّوا عنّي« (2 تم 1: 15). أين يضع رجاءه؟ في الربّ. وهكذا يبقى ثابتًا حتّى النهاية كما يجعل نفسه مثالاً لتلميذه. قال: »الله ما أعطانا روح الخوف، بل روح القوَّة والمحبَّة والفطنة« (2 تم 1: 7). ويواصل كلامه إلى تلميذه الحبيب: »أمّا أنت فتبعت تعليمي وسيرتي ومقاصدي وإيماني وصبري ومحبَّتي وثباتي واحتمالي الاضطهاد والعذاب« (2 تم 3: 10-11). وفي النهاية، يهتف بولس من سجنه في رومة، الذي كان قاسيًا جدٌّا، وسوف يقوده إلى الموت قتلاً بالسيف على طريق أوستيا، القريبة من رومة. فيقول »أمَّا أنا فذبيحة يراق دمها، وساعة رحيلي اقتربت. جاهدتُ الجهاد الحسن وأتممتُ شوطي وحافظتُ على الإيمان. والآنَ ينتظرني إكليلُ البرِّ الذي سيكافئني به الربُّ الديّان العادل في ذلك اليوم، لا وحدي، بل جميع الذين يشتاقون ظهوره« (2 تم 4: 6-8). انتظر الرسول، فانتظره »إكليل البر«. اشتاق إلى لقاء الربِّ فلبّى الربُّ اشتياقه وفتح له يديه كما الأمُّ تستقبل طفلها الآتي إليها. كان المسيح ذبيحة على الصليب، والرسول هو ذبيحة أيضًا يدفعه الرجاء. فلولا هذا الرجاء ما خطا الرسول خطوة، ولا هو انبطح إلى الأمام، ناسيًا ما وراءه، من أجل »الفوز بالجائزة التي هي دعوة الله« (فل 3: 14). والسرُّ الذي دفع بولس، قاله هو: »أنا عارفٌ على من اتَّكلت، وأنا واثق بأنَّه قادر على أن يحفظ وديعتي إلى ذلك اليوم« (2 تم 2: 12). |
|