بولس يعيش أيّامه الأخيرة في سجن رومه
هو وحده، لا يزوره إلاَّ القليل من الناس بسبب القساوة التي تحيط به من قبل السلطة. وها هو يعطي وصيَّته قبل موته. تلك هي الرسالة الثانية التي أُرسلت إلى تيموتاوس. رسالة تُعصر بالألم والدموع، لأنَّ بولس توقَّف عن عمل الإنجيل. ولكن لا بأس. فالرسالة تتواصل. تيخيكس الذي من مقاطعة آسية الصغرى (أع 20: 4) مضى إلى أفسس. فهو »الأخ الحبيب والمعاون الأمين في خدمة الربّ« (أف 6: 21). كريسكبُّس (أو: كريسانس) مضى إلى »غلاطية« أي إلى بلاد الغال، فرنسا الحاليَّة. فهو من هناك ويكلِّم الناس بلغتهم. تيطس مضى إلى دلماطية، أي إلى كرواتيا الحاليَّة والبلدان المحيطة بها. في كورنتوس، أراستس يتابع الرسالة، وهو من كان رفيق تيموتاوس إلى مكدونية (أع 19: 22). لهذا يستطيع أن يسلِّم نفسه الآن إلى الآب السماويّ. هو سكيب. هو بعض الخمر أو الماء أو الزيت الذي يُسكَب على الذبيحة قبل أن تقدَّم لله (خر 29: 4؛ عد 28: 7). أجل، يُسكَب دم الرسول في ذبيحة استشهاده الذي تمَّ على طريق أوستيا. تلك هي الصورة الأولى، والصورة الثانية، السفينة التي قُطعتْ حبالها فمضت في عرض البحر. والصورة الثالثة، الجنديّ الذي انتهى جهادُه فطوى خيمته وعاد إلى أرضه (2 تم 4: 6). مثله بولس يعود إلى بيت الآب. قال عن نفسه: »أرغب أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح« (فل 1: 23). ورغبتُه سوف تتحقَّق قريبًا. ولكن قبل ذلك، أعطى توصياته لابنه تيموتاوس: كيف يكون الرسول، كيف يكون خادم الربِّ الذي ائتمنه الربُّ على بيته »ليعطي خدَمَه طعامهم في حينه« (مت 24: 45).
من هو الرسول؟
هو أوَّلاً الإناء المختار على مثال بولس نفسه الذي صار الإناء الذي اختاره الربُّ ليحمل اسمه إلى الأمم والملوك (أع 9: 5).
ثمَّ هو الجنديّ الذي يجاهد لكي ينتصر مع أنَّ المتسابقين كثيرون في الميدان، أو يموت على مثال بولس وهو حامل »سلاحه، الذي هو »الكتب« التي تركها في ترواس فأُحضرت إليه« (2 تم 4: 13).
وأخيرًا، الرسول هو الشاهد في الأزمنة الصعبة، مهما كثر الخصوم.