الأنا "الذات" الـ Ego
إن أقدم عدو. وأخطر عدو. حارب البشرية هو الذات. فالشيطان لا يحاربك. بقدر ما تحاربك ذاتك.
المشكلة الكبري هي الذات. فالذي ينتصر علي ذاته من الداخل. يستطيع أن ينتصر من الخارج علي العالم وعلي جميع الشياطين. والذي تهزمه ذاته ويضعف أمامها. يمكن أن يقع في أية خطية.
ولذلك فالإنسان المنتصر علي ذاته. يكون منتصراً في كل حرب روحية. ومادامت ذاته لا تخونه. ولا تفتح أبوابه للأعداء. فلا يهمه أي عدو خارجي.
***
ولعل إنساناً يسأل: ألا تأتي عثرة من الخارج: إغراء مثلاً؟ أو إثارة. أو ضغوط. أو محاربة من أي نوع؟
نقول إن الحروب الخارجية تأتي. وكذلك العثرات. ولكن لا سلطان لها عليك. السلطة هي لإرادتك. المرجع الأخير هو ذاتك. هل أنت في داخلك تقبل الاغراء أو العثرة. أو لا تقبل؟ وهل تخضع للضغوط الخارجية أم لا تخضع؟ هل انت تصمد أمام الحرب الخارجية. أم لا تصمد؟ ذاتك هي الحكم.
إن يوسف الصديق تعرض لإغراء شديد من الخارج. من امرأة سيده. ولكنه لم يسقط. لأنه كان رافضاً للخطيئة في داخل قلبه. فلم يقبل الإغراء وانتصر علي العثرة.
***
كل ما يفعله الشيطان. هو أن يقدم لك اقتراحات من عنده. ولكنه لا يرغمك علي الخطيئة...
اذن الوقوع في الخطيئة سببه الذات. وليس التركيز علي الإغراءات الخارجية وحدها. التي هي مجرد عروض تقبلها الذات أو ترفضها.
حقاً ان شدة هذه الإغراءات وكثرة الحاحها. قد يسبّب ضعف الذات من الداخل. فتستسلم أخيراً وتسقط.. ويكون ضعف الذات هو السبب المباشر. اما الإغراءات والعثرات فهي أسباب غير مباشرة.
ولهذا فإن الذات القوية من الداخل. تبعد عن الإغراءات الخارجية حتي لا تؤثر عليها فتضعف أمامها. والهروب من هذه الإغراءات يكون دليلاً علي نقاوة الذات ورفضها للتأثير الخارجي الخاطيء.
ولذلك حسناً هرب يوسف الصديق من ضغوط سيدته. ولم يكن هروبه دليل ضعف. بل كان برهاناً علي قوته الداخلية الرافضة للخطية.
***
الذات النقية ترفض حتي الفكر الخاطئ. وليس فقط الإغراءات الخارجية.
انها ترفض أن تتفاوض مع هذا الفكر. انما تطرده بسرعة. حتي لا تعطيه فرصة للاستقرار. وفرصة لإضعافها من الداخل.
وقوة الذات تأتي هنا. في غلق أبواب الفكر وأبواب القلب أمام كل اقتراح خاطيء من الشياطين.
ولقد صدق المثل القائل: أنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك. ولكنك تستطيع أن تمنعه من أن يعشش في شعرك.
من الجائز اذن ان يتعرض أي شخص للحروب الخارجية الروحية. انما المهم هو: ما موقف الذات من كل ما تتعرض له؟ أو ما مدي استجابة الذات أو رفضها لكل ذلك؟
***
قد تقابل في يوم من الأيام شخصاً يقول لك كلاماً مثيراً:
ولكن المهم هو: هل أنت من الداخل ستنفعل وتثار؟ أم أنك ستكون أقوي من الاثارة؟ وهذا الكلام الذي يكون مثيراً لغيرك. لا يكون مثيراً لك. انما تقابله في هدوء ورصانة وحكمة.
إن الذات - في طريق الخير - تتعرض لكثير من الاختبارات.
تُختبر فيها نقاوتها وقوتها. ومدي صمودها أمام المثيرات. فهل ذاتك تسندك في الطريق. أم تقف ضدك؟
لقد صدق ذلك الأب الروحي الذي قال: إذا اصطلحت مع ذاتك. تصطلح معك السماء والأرض.
أي ان استطعت في داخلك أن تقيم صلحاً بين جسدك وعقلك وروحك. بحيث يسير الثلاثة في طريق واحد هو طريق الروح. فلا يشتهي الجسد ضد ما تشتهي الروح... حينئذ تصطلح معك السماء والأرض. فلا تخطيء إلي الله. ولا إلي الناس. ولا إلي نفسك.
***
ولكن لعل انساناً يقول انه يحب أن يسعد ذاته علي الدوام.
وهنا نسأل: هل محبة سليمة للذات. أم محبة خاطئة؟
وما هي المحبة الحقيقية للذات؟ هل معناها ان الانسان يدلل ذاته. ويعطيها كل ما تطلب وكل ما تشتهي؟ وهل محبة الذات تعني مدح الذات وتمجيدها وتفضيلها علي جميع الناس.
ان من يفعل هذا أو ما يشابهه. انما يحب ذاته محبة خاطئة.
فالمحبة الحقيقية للذات. هي أن تسيّرها في طريق الخير. وتوصّلها إلي طاعة الله وإلي محبته وإلي ملكوته. وأن تضمن لها مصيرها الأبدي.
والمحبة الحقيقية للذات. هي أن تؤدب هذه الذات إن هي أخطأت. وأن تقوّم طريقها كلما انحرفت. وإن أدّي الأمر أن تعاقبها. وأن تقف ضد رغباتها الخاطئة وتمنعها عنها.
***
فالذات قد ترغب أحياناً. أن تعيش في حياة اللذة: سواء كانت لذة جسدية أو حسية. أو لذة بالعالم وشهواته...
وهنا تكون ذات الانسان حرباً عليه. ويكون واجبه حينئذ أن يقف ضدها بكل قوة. وأن يخضعها لطريق الحق. ولا يساعدها علي ما تريد. وفي هذا المجال تبدو فضيلة ضبط النفس.
بل هذا ما يسمي بالجهاد الروحي. أي جهاد الانسان في داخله مع نفسه. أو صراعه مع ذاته إذا سلكت في طريق لا يرضاه. أو أرادت أن تسلك وهو يقاومها. ويمثل ذلك قول أحد الأدباء:
"وكنت خلال ذلك أكافح نفسي وأجاهد. حتي كأنني اثنان في واحد. هذا يدفعني. وذاك يمنعني".
***
ومن الحروب الداخلية التي يتعرض لها الإنسان. محاولة الذات في أن تكبر ولكن بطريقة خاطئة. أو ما يسمي بشهوة العظمة.
تريد الذات أن تكون كبيرة من الخارج وليس من الداخل. أعني كبيرة بالمظاهر الخارجية: من محبة المناصب والألقاب. والغني والشهرة ومديح الناس. وكل هذه أمور لا علاقة لها بطبيعة النفس ونقاوتها. ولا بالصفات الانسانية الرفيعة التي للنفس من نبل وسمو حقيقي.
وربما الانسان - في السعي وراء هذه المظاهر الخارجية - يقع في ما يتعارض مع الضمير الحيّ. وتتدني نفسه لكي تصل!! بينما الانسان النبيل يرتفع عن هذه المستويات. ولا يضحي بالجوهر الحقيقي للنفس في مقابل مظهر خارجي تافه.
***
ومن مظاهر محبة هذه العظمة ما يسمونه بعبادة الذات. أو عشق الذات. أو النرجسية.
إذ يري الانسان ذاته جميلة في عينيه باستمرار. ويريدها كذلك أن تكون جميلة في أعين الناس. رائعة كاملة بلا عيب ولا نقص..!
ويكون انساناً باراً في عيني نفسه "وحكيماً في عيني" نفسه! كما لو كان يؤمن بعصمة ذاته. أو بأنه لا يمكن أن يخطيء بالقول أو في السلوك. ويريد أن يعترف له الناس بهذا الكمال!
إنه انسان معجب بذاته. كمن يحب باستمرار أن ينظر إلي مرآة. ويتأمل محاسنه! ويدهش إن كان بعض الناس لا يرونه علي هذه الصورة في كمالها وحكمتها.
***
مثل هذا الانسان المعجب بذاته. يحب مديح الناس له.. ويحب من يمدحه. ويكره من لا يعترف بأمجاده ومزاياه!
والذي يحب المديح. لا يكتفي بمديح الناس. بل يتطور إلي أن يتحدث كثيراً عن نفسه. ويمتدحها أمام الآخرين!
وفي حديثه عن نفسه. لا يكون عادلاً. فهو لا يذكر حقيقة ذاته كاملة. إذ يتحدث عن محاسن ذاته وانتصاراته ومواقفه الجليلة. وفي نفس الوقت يخفي ما في هذه الذات من العيوب. وإن أظهر له شيئاً من هذه العيوب. يحاول أن يبررها ويدافع عن نفسه.
انه يسعي إلي كرامة من الناس. ومع ذلك فإن اسلوبه هذا. قد يجعله موضع نقد الكثيرين. وكما قال أحد الآباء:
من سعي وراء الكرامة. هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة. سعت وراءه. وأرشدت الناس اليه.
***
ان تكبير الذات - للأسف الشديد - وصل بالبعض إلي التأله!!
وقد شاهدنا هذا - في التاريخ القديم - في عبادة الفراعنة. وفي التماس إرضائهم كآلهة. وفي عبارات الإطراء والتمجيد التي تقال لهم. ولا تليق إلا بالآلهة..!
وسواء سعي الشخص إلي هذا التأليه. أو قبوله ذلك اذا ما عومل به. أو ادعاؤه العصمة في كل ما يقول وما يفعل!
والبعض قد يسمي محبة الذات هذه. بالسعي إلي تحقيق الذات!
وقد يصل به الأمر إلي الصلف والكبرياء. وإلي العناد.
ويرفض كل ما يقف ضد تحقيق ذاته. وكل من يظن أنه يقف ضد تحقيق هذه الذات. بل أن الوجوديين رفضوا الله نفسه. باعتبار أن وجود الله يعطل وجودهم. أو أن وصايا الله لا تحقق ذواتهم في رغباتها وشهواتها وكبريائها..! وقالوا في تهكماتهم: ليكن الله في السماء. وليترك لنا الأرض نحيا فيها كما نشاء..!
وفلاسفة آخرون رفضوا الله. مدعين أنه يعيش في برج عاجي. لا يهتم بمشاكل الناس واحتياجاتهم. ولا يحقق لهم ذاتهم!!
وعموماً كل من يجعل هدفه مجرد تحقيق الذات. لابد أن يصطدم بمن لا يساعده علي أن يحقق له ذاته.
***
أيضاً الحرية المطلقة التي تطلبها الذات. هي حرب من الحروب التي تتعرض لها الذات. وقد تهدف إلي الإباحية. وتنتهي إلي الإلحاد!
ان التدخين والمخدرات والمسكرات. والإدمان بصفة عامة. وراءه الذات التي تريد أن تعيش في جو خاص. أو أن تتمتع بلذة خاصة. أو أن تغيب عن ذاتها. وتسبح في خيالات مادام الواقع لا يرضيها.
والزني والدعارة وكل أنواع الدعارة. وراءها الذات أيضاً.
والتبرج والعري وراءهما الذات أيضاً التي تريد أن يعجب الناس بما لها من جمال وحُسن وجاذبية!
والحرب التي تشنها دولة علي أخري. وراءها الذات أيضاً: الذات التي تريد أن تثبت عظمتها وقوتها. أو الذات التي تريد أن تفرض سيطرتها. أو التي تريد أن تكسب الأراضي والخيرات!!
***
الذات أيضاً تقف ضد تنفيذ وصايا الله والتمتع بعشرته
كما تقف ضد محبة الناس وخدمتهم كذلك.
* الذي يكسل ولا يصلي. ولا يذهب إلي بيت الله للعبادة. إنما يدفعه إلي ذلك رغبة الذات في الراحة. أو رغبتها في إشغال وقتها في مهام أخري. أو في بعض المتع للذات!
* الذي لا يدفع من ماله للّه وللفقراء. إنما يهدف إلي أن يستخدم هذا المال من أجل ذاته. ويفضل ذاته علي الله وعلي مساعدة الفقراء وايفاء احتياجاتهم.
* والذي لا يصوم. إنما يفضل اشباع ذاته بالطعام علي اطاعته لوصية الله. وكذلك من يأخذ من الصوم شكلياته وينسي روحياته.
* ونفس الوضع بالنسبة إلي كل من يفرّط في انقاذ غيره من خطر يلمّ به. حرصاً علي سلامة ذاته هو شخصياً.
ويعوزني الوقت ان تحدثت عن كل الأخطاء التي تختفي وراء الذات ومتطلباتها.
***
بقي أن أقول ان هناك أموراً أخري تتعلق بالذات. منها: الشعور بالذات. والاشباع الخاطيء للذات. وعلاقة الذات بالتعامل مع الآخرين. وموضوع انكار الذات. وأمور أخري.