المؤمن في عالم فاسد
المزمور الثالث والخمسون
1. المزمور 53 هو إعادة للمزمور 14 (فرق واحد في آ 6). أنشدته قبائل الشمال فسمَّت الله باسم الوهيم، بينما كانت قبائل الجنوب تنشد الله في المزمور 14 باسم يهوه (الرب).
2. دوَّن هذا المزمور إنسان يريد أن يحذّر الشعب من الديانة البابلية ومن كل التجارب التلفيقية التي تتربّص بشعب الله.
أورشليم محاطة بالأعداء أو مهدّدة. فلقد حصل لها في الماضي أن حوصرت ونجت. ويتذكّر المرتّل ذلك الحصار العظيم على يد سنحاريب (701 ق م). فكلمات الكفر لدى سنحاريب ورسوله هي التي نقرأها في هذا المزمور (أش 36: 13 ي)، وتهجُّم أشعيا هو هو (أش 37: 23 ي).
ويهدئ المرتّل روع أورشليم: الله ينجّيك ويدلّ على وجوده حين ينجّيك. فلا تخافي. ولنحدّد ما تعني آ 7: حين يعيد الله شعبه من السبي، حين يعيد الله بناء شعبه.
يبقى أن اختيار هذا المزمور موفق حين ذكر عبادة الأوثان لدى الذين يحيطون بأورشليم ويضطهدون شعبها. وهو لا يهدئ روع أورشليم حين يتصوّر صفاتها وفضائلها، بل يذكر أن الإنسان لا يقدر أن يهزأ بالله، وأن الكلمة الأخيرة لن تكون لعبادة الأوثان. هدّأ روعها ولكنه نبّهها أيضًا إلى أنها تقدر أن تسقط هي أيضًا في عبادة الأوثان.
3. هم ما طلبوا الله. يعزّي النبيّ اليائسين فيذكرهم بالماضي لئلا يقتدوا بالأشرار حين يرون نجاحهم، وهكذا يرتاحون في عمل الشرّ. فما وُعدوا به هو حاضر دائمًا. رجاؤهم هو للزمن الحاضر. أما رجاؤك فللمستقبل. رجاؤهم سريع العطب، أما رجاؤك فأكيد: رجاؤهم مليء بالغش ورجاؤك حقّ. فهم ما طلبوا الله وتقول: أما يدعو هؤلاء الناس الله كل يوم؟ كلا. وهذا ما سوف أفهمك بعون الله. فالله يريد عبادة متجرّدة، وحبًّا مجانيًا أي حبًا طاهرًا. لا يريد أن نحبّه لأنه يعطينا شيئًا خارجًا عنه، بل لأنه يعطي ذاته. فالذي يدعو الربّ ليصبح غنيًا، لا يدعو الربّ بل ما يريد أن يجنيه منه. فمن دعا نادى الله إليه. وحين تقول: أعطني يا ربّ الغنى، لا تريد أن يأتي إليك الله نفسه. بل تريد أن يأتي الغنى إليك. فما تريد أن يأتي إليك، هذا ما تدعوه. أما إذا كنت تدعو الله فهو يأتي إليك بذاته ويكون غناك. ولكن في الواقع، تريد أن ترى خزنتك ملأى ووجدانك فارغًا. فالله لا يملأ الخزنات، بل القلوب. ماذا تفيدك هذه الخيرات الخارجيّة إذا كان العريُ يثقلك؟ فالذين يدعون الله لمنافع زمنيّة وخيرات أرضيّة، من أجل الحياة الحاضرة والسعادة في هذا العالم، لا يدعون الله. (أوغسطينس).