رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الرب ملك الكون
المزمور الثالث والتسعون 1. المزمور الثالث والتسعون هو مزمور ينشد ملك الله الذي يظهر بشكل خاص في الخلق وعبر نواميس الطبيعة الثابتة الموضوعة منذ بداية الكون. يقول التلمود بتلاوته يوم السبت ليدلّ على عمل الخلق الذي انتهى منه الرب يوم السبت. ويتّخذ هذا المزمور أيضًا وجهة اسكاتولوجية إذ يذكر حرب الله مع قوى الشر وانتصاره عليها في نهاية الازمنة. 2. الرب ملك الكون وهو ملتحف بالبهاء والعظمة. آ 1- 2: وصف للرب الملك: لبس البهاء، اتشح بالعزة. آ 3- 4: قدرة الله وسلطته على الطبيعة: ما أعظم الرب في العلى. آ 5: هذا الملك القدير يسكن في هيكله. شريعته ثابتة ثبات الكون الذي خلقه. ملك الله يرتبط بالخلق عندما يسيطر على العدو الاصلي وهو المياه الغامرة. وملكه هو منذ الأزل، بمعنى أنه يبدأ قبل بداية الخليقة، ويلتحف بالبهاء والقوّة مما يجعل الكون ثابتًا في مكانه. كان الاسرائيلي يخاف على ثبات الأرض، خاصّة إذا حدثت هزّة أرضية. ولهذا يصرخ صرخة إيمان بمعجزة الله الدائمة التي تجعل الكون لا يتزعزع منذ زمن الطوفان (28: 10). عرش الله في السماوات، عرش الله على الأرض، وحضوره في السماوات والأرض يجعل الكون ثابتًا. مهما ارتفعت المياه وثارت، فالرب أعظم منها وهو يخضعها. حاولت المياه مرّة أولى أن تفني الكون في الطوفان، ولكن الله أظهر ملكه عندما منع كل طوفان في المستقبل واستعمل المياه ليخصب الأرض. ظهر ملك الله يوم الخلق، وثبت يوم الطوفان، وسيبقى ثابتًا إلى الأبد. إن أعداءه (الماء) لم يزالوا حاضرين، ولكن الله يضبطهم بيده، يملك عليهم إلى الأبد. وكما أن الكون ثابت، كذلك شريعة الرب ثابتة. كلمة "شهادات" تعني الوحي كقاعدة للحياة البشريّة. هذا الوحي ثابت كالكون وكهيكل أورشليم، وهو أساس ملك الله النهائي الذي ظهر للناس ببداية الخلق، أما بيت الله فهو مقدّس، وكل من يقترب من الله القدوس يصير مقدسًا (خر 19: 6؛ لا 10: 3؛ 19: 2). 3. ظهر الرب لأشعيا النبي (6: 5) في هيكل أورشليم بصورة ملك، وسمّيت صهيون مدينة الملك العظيم (48: 3). وعندما يعود شعب الله من المنفى يعلن له أشعيا (52: 7): الله ملك، وملكه سيظهر لكل قوَّات السماء والأرض عندما يملك في جبل صهيون وفي أورشليم (أش 24: 23). يتصوّر المرتّل الرب ملتحفًا بالجلال الملكي (أش 26: 10) وبالقوة (أش 51: 9). وتنبع صفة الله الملكية من عمله الخلاق في بداية الكون. أما ذكر الانهار والامواج فهو تلميح إلى أن الالوهة تغلبت على المياه قبل أن تقوم بعمل الخلق (أساطير من بلاد ما بين النهرين). وستصبح الامواج فيما بعد رمزًا للأمم الوثنية الزاحفة على أورشليم (أش 5: 30؛ 8: 7؛ إر 6: 23). كما أن الله تغلب على مياه الطوفان، فهو سيتغلّب بقدرته على كل هؤلاء الشعوب، فيحافظ على مدينته ويصون هيكله رمز قداسته: "الرب قد قال". 4. أعلن يسوع أن الله ملك (مت 3: 2؛ 4: 17) وأنشد المزامير التي تشيد بالرب الملك (47؛ 96- 98). يظهر ملك الله في تاريخ الخلاص منذ عمل الخلق في بداية الكون إلى الكشف النهائي عن ملكه في نهاية الكون. والمسيح يشارك الله الآب في هذا الملك. ولهذا نتذكّر، ونحن ننشد هذا المزمور، كلمات القديس بولس إلى أهل أفسس (1: 20 ي): "الله أظهر قدرته في المسيح حين أقامه من بين الأموات وأجلسه إلى يمينه في السماوات فوق كل رئاسة وسلطان وقوّة وسيادة، وفوق كل اسم يسمَّى، لا في هذا الدهر فقط، بل في الدهر الآتي أيضًا". وهكذا نستطيع أن نجمع أصواتنا مع الاصوات العظيمة في السماء التي تقول: "مملكة العالم لربنا ولمسيحه، فيملك إلى أبد الدهور" (رؤ 11: 15). 5. الله ملك في شعبه هناك مزامير عديدة تتكلم عن الله الملك (24؛ 29؛ 47؛ 93؛ 95؛ 96؛ 97؛ 98؛ 99). يربط بعض الشراح هذه المزامير بعيد رأس السنة الذي يشبه عيد رأس السنة في بابل. فالرب انتصر على قوى الفوضى الاسطورية ثم تتوَّج من جديد بعد أن حاولت هذه القوى أخذ حقه في الملك. وربط شراح آخرون بعض هذه المزامير بعيد في أورشليم أظهر فيه الله ملكه فأعطى هذه المدينة لداود، ووعدَه بنسل إلى الأبد. وربطت فئة ثالثة هذه المزامير بعيد المظال. ولكن حين نقرأ المزمور 93 نفهم أن الله لا يصير ملكًا بل هو الملك. عرشه ثابت منذ البداية، وأقلّه منذ الطوفان، والرب هو الاله منذ الأزل. هذا المزمور يتذكّر حدث الخلق والطوفان. ولكننا أمام تذكار لا أمام بداية جديدة. فما يبدأ من جديد هو المطر وتعاقب الفصول. فكل سنة جديدة تذكّرنا بملك الله الذي لا يزال يفيض خيراته على شعبه. متى وُلدت فكرة "الله ملك"؟ وُلدت منذ القديم، في أيام الخروج والقضاة، إن لم يكن في أيام صموئيل. فالله ملك وهو يقود شعبه ويخلصه ويحارب عنه، ويعمل له كل ما يعمله ملك من أجل مملكته. وهنا نلاحظ أن القبائل رغم بعض الوحدة بينها، رفضت دومًا أن تقيم ملكًا عليها كالكنعانيين والمديانيين. والسبب في ذلك هو أن القبائل كانت مقتنعة أن الربّ ملكها وهو يوحّدها حول معبده. فالوحدة التي أعطاها الله لشعبه بعد الخروج من مصر كانت وحدة عبادية ووحدة سياسية أيضًا. وهو يختار من يرسله باسمه، ولكن هذا المرسل لم يحمل لقب الملك. سمّوه "قاضيًا" أو حاكمًا ومخلصًا ولم يسمّوه ملكًا. وسوف يعارض صموئيل المطالبين بملك في أرض اسرائيل (1 صم 8: 1 ي)، لأنه يعتبر طلبهم مسًا بملك الله. وهنا نتذكّر ظاهرتين متوازيتين: 1- نتذكّر أولاً أهميّة تنصيب الملوك الارضيين في المزامير (2: 20، 21). فلو لم يكن ملك الله فكرة حية لاختفت أو ضاعت في الاسطورة، لقضت عليها ملكية الأرض وحصرتها في إطار العبادة. حينئذ يصبح ملوك الأرض مسؤولين عن الملكية التاريخية. ولكن خبر دعوة أشعيا يدلّ على أن ملكية الله التاريخية لم تزل. فالله ملك في التاريخ في نظر شعب اسرائيل. كان الله ملكًا وكان داود ملكًا. فنحن لسنا أمام مُلكيتين: ملكية سماوية وملكية أرضية. وهذا ما ساعد سفر الملوك خاصة على انتقاد مملكة الأرض باسم مملكة السماء. إن مملكة الرب سابقة لمملكة البشر لاهوتيًا وتاريخيًا، وهذا ما يبرز مسؤولية ملوك اسرائيل الذين كانوا وكلاء ملك الله على الأرض. غاب ملوك اسرائيل سنة 586، فاستعادت ملكية الله كل مكانتها وساعدت شعب اسرائيل على الحياة من دون ملك منظور. فالملك الحقيقي حاضر هنا. وإن انقطعت السلالة الملكية فهو يربط بين أجزائها المبعثرة. ب- وسيأتي وقت يُدخل شعب اسرائيل في تفكيره ممالك الآلهة الغريبة ولكن بطريقته الخاصّة. فيمزج في هذه الخلفيّة التاريخية والداودية فكرة الله الخالق. ولكن كان على الآلهة أن يستعيدوا ملكهم كل سنة. أما الرب فهو ملك منذ الأزل إلى الأبد. وبدا شعب اسرائيل وكأنه يقول: الملك الذي تعبدونه هو ملكنا، والبرهان على ذلك هو أنه بدأ ملكه مرّة واحدة وما زال ملكًا إلى أبد الدهور. في عيد رأس السنة يعيِّد العبرانيون لله الملك، لا لله الذي يصير ملكًا. لا شكّ أن هناك صراعًا بين الرب وقوى الفوضى التي تحاول. ولكن المعركة حدثت مرّة واحدة والنصر كان وما زال. وُضعت الخليقة في مكانها وأسست الأرض ووُضع حدّ للحياة. ولهذا فعندما نقول: الله ملك، نتذكّر الله الخالق قبل الله المخلّص. |
|