رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
وُلد القديس ارسانيوس في العام 1910 في إحدى القرى الصغيرة في رومانيا لوالدين أرثوذكسيين تقيين، يوسف وخريستينا. أمه، أثناء حملها بالطفل يوحنا (اسمه قبل الرهبنة)، كانت تحلم دائماً بأن الشمس أو القمر يشع فوق بطنها، وكانت دائماً تفكّر في ما عساه يكون هذا الطفل.
توفي الوالد عندما كان يوحنا (القديس أرسانيوس) طفلاً وأُجبرت أمه على الزواج ثانية. هذا الزواج الثاني أزعج يوحنا كثيراً فصار يبقى بعيداً عن البيت لفترات طويلة، مما هيأ له التعرف على الرهبان. في آخر الأمر، انضم يوحنا إلى أخوية دير القديس قسطنطين بينكوفونو، بإسم أرسانيوس، حيث هذّب نفسه روحياً بصبر. لقد كان مستنيراً بنعمة الروح القدس وقد مُنح موهبة معرفة المستقبل. صار القديس أرسانيوس معروفاً كمعرّف ومرشد روحي. كان كل من يلتقيه يشعر بأن هذا الأب قادر على دخول أعماق نفسه وتفحصها، فقد كان قادراً على كشف أفكار الإنسان والكثير من الخطايا والأعمال السابقة. إلى هذا، فقد كان يعرف أسماء الأشخاص قبل لقائهم وبدون أن تكون سبقت له معرفتهم. فمنذ أن سيم وأعطي البركة بتقبل الاعترافات، كان دائماً يكشف الخطايا التي لم يُعتَرف بها كما كان يكشف الأمور التي سوف تكون. لقد كان دائم القلق والانزعاج من الكثيرين ممن يأتون إليه فيعترفون لكنهم يرفضون تغيير حياتهم، مختارين الاستمرار بإشباع رغباتهم. لقد كان يعرف أنه في يوم الدينونة سوف يكون كفيلهم لخلاص نفوسهم. ولهذا كان يرجو الله ويلتمس منه أن يكشف له سبب امتناع هؤلاء الناس عن ترك طرقهم الخاطئة. علم القديس أرسانيوس بيوم رقاده قبل ثلاث سنوات من موعده، وأخبر مَن حوله بأنه لم يزل أمامه ثلاثة فصول فصحية ليحتفل بها. وبالفعل، قد رقد بالرب بعد ثلاث سنوات. لقد تنبأ بسقوط المؤسسة الشيوعية وقيام الشعب الروماني ضد النظام الملحد، وسريعاً، بعد نبوءته، رقد في تشرين الثاني 1989، وقد سقط النظام الشيوعي بعد هذا بشهر أي في كانون الأول 1989. بقي القديس أرسانيوس في نفوس الكثيرين من أبنائه الروحيين، مستمراً في إرشادهم من فوق. دُفن القديس في دير بريسلوب النسائي حيث تبلغ الحرارة درجات منخفضة جداً قد تصل إلى العشرين درجة تحت الصفر. ومع هذا، فكل الأزهار التي نمت على قبره لا تذبل ولا تتجمد ولا تموت من البرد القاسي، بل تبقى طوال السنة مفتحة بشكل كامل، ويبقى القبر مزيناً بأزهار متعددة الألوان والعطور. وتشكّل هذه الظاهرة العجائبية أحدى الأمور التي شدت وما زالت تشد الآلاف من المسيحيين إلى زيارة قبر هذا القديس. إحدى رؤى القديس في أحد الأيام، فيما كان يجلس في أحد كراسي الحديقة متأملاً في الجبل المقابل، رأى غيمة كبيرة سوداء تظهر فوق القمة. وقد كان هناك ضجيج واهتياج آتيان من داخل الغيمة. وفيما راح يبحلق أكثر بالغيمة رأى أنها انقسمت إلى اثنين وعلى أعلى نقطة من الجبل كان هناك تاج ملوكي محاط بالنار، وعلى التاج كان يجلس عدو الإنسان، أي إبليس، محاطاً بجيش من الشياطين. لقد كان القديس أرسانيوس قادراً على تتبع ما كان يحدث بوضوح. وهكذا سمع الشرير يقول: "مَن منكم بارع وذكي كفاية حتى يأتي بشيء من الأفكار الشريرة الماكرة فيهمس بها في آذان الشعب حتى نتمكن من اجتذابهم وشدّهم إلى جانبنا؟ بهذه الطريقة نستطيع أن نثبّت مملكة أعظم من مملكة الله إذ لم يعد لدينا الكير من الوقت..." فظهر شيطان وسجد لقائده إلى الأرض وقال: "أيها القائد المطلق للظلمة، أنا أرى أنه من المناسب أن نهمس في آذان الشعب بأنه لا إله". أجاب إبليس قائلاً: "إن شرّك ليس الأعظم لأننا نستطيع أن نكسب عدداً أكبر من النفوس بطريقة أخرى. فليأتِني أحد بفكرة أخرى". فأتى ثانِ وقال: "أيها القائد الممتاز، أقترح أن نهمس لهم بأن الله موجود أمّا الملكوت والجحيم فلا، وبأن حياتهم تنتهي ببساطة عند قبرهم". قال إبليس بعد تأمل مطوّل: "هذه الفكرة الكريهة ليست كافية أيضاً ولن تؤهلنا لكسب نفوس كثيرة. سوف يتذكر الناس أن المسيح قال عند صعوده إلى السماء: "في بيت أبي منازل كثيرة. وإلاّ فإني كنت قلت لكم. أنا أمضي لأعد لكم مكاناً. وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً" (يوحنا 2:14-3). للأسف، إن إيمان الناس بهذه الكلمات قوي لدرجة تبطل مخططاتنا. سوف لن يكفّ الناس عن الإيمان بأنه سوف يكافئهم جميعاً بحسب أعمالهم في الحياة. فليقدّم أحد غيرك اقتراحاً آخراً". فتقدّم واحد ثالث وبعد أن انحنى إلى الأرض أمام قائده قال: "يا قائد الظلام الفائق الإكرام، أنا أقترح أنه من الأفضل بكثير أن نمدح الناس لإيمانهم بالله وبوجود الملكوت والجحيم، وبرجائهم الدينونة الأخيرة. ومن ناحية ثانية، في الوقت نفسه، نهمس في أذنهم: <لا تسرعوا إلى التوبة واتركوها لتكون عمل آخر أيامكم. فالموت لم يزل بعيداً. أما الآن، فاستمتعوا بحباتكم، أشبعوا كل رغباتكم الجسدية لأنه لم يزل عنكم وقت كثير>. وهكذا، فيما نحن ندير أعمالنا المغرية السحرية، سوف يشيخون بدون أن يدركوا هذا فيصلوا إلى نهاية حياتهم قبل أن يتوبوا. عندها يصل الموت فجأة ويجدهم غير مستعدين فيكونون ملكنا إلى الأبد". عندها حرّك إبليس رأسه معرباً عن رضاه. فزمجر وأطلق صرخة حادة طويلة بفرح شيطاني وبلهفة مستعجلة قال لهم جميعاً: "أسرعوا كلكم، امضوا وافعلوا تماماً كما أشار زميلكم". وقد فسّر القديس هذه الرؤية بأن هذه التجربة هي الدافع الذي بسببه يؤدي البشر واجباتهم المسيحية بطريقة باهتة. فالشياطين الماكرة تهمس في آذانهم، طوال حياتهم، بطريقة مغرية موجهة إياهم نحو أفراح هذه الحياة، والبشر يطيعون رافضين أن يغيّروا سبلهم ومستمرين بإرضاء شهواتهم وطبيعتهم الخاطئة، مهملين إرشاد الكنيسة حول التوبة الحقيقية، حتى في شيخوختهم... |
|