رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أمام الله مقالات البابا شنودة الثالث المنشورة في جريدة الأهرام - مقال يوم الأحد 5 ديسمبر 2010 أنت يا أخي أمام الله باستمرار, ليس فقط في وقت الصلاة أو في دور العبادة, بل أنت أمامه في كل مكان وفي كل حين, في مكتبك ووقت العمل, وفي الشارع, وفي البيت, وحتى في حجرتك المغلقة, نعم أنت أمام الله الذي يري ويسمع ويلاحظ. † من الملاحظ عمليا في أخطاء الناس, إن أي شخص يخطيء قد يستحي أن يخطيء أمام الناس, أو أمام احد من محبيه لئلا تتغير ثقته عنه, أو حتى أمام أعدائه حتى لا يعيروه بذلك الخطأ, أو لذلك يفضل الخطاة أن يرتكبوا أخطاءهم في الخفاء, أو في الظلمة حتى لا يراهم احد. ولذلك قيل أمام الله عنهم أنهم أحبوا الظلمة أكثر من النور لان أعمالهم شريرة، ونص الآية هو: "وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً." (إنجيل يوحنا 3: 19). فإن كان الخطأة يخجلون أن يخطئوا أمام البشر أمثالهم, أفلا يخجلون من ارتكاب الخطية أمام الله الذي يراهم؟! يقينا أنهم لو شعروا ـ أثناء خطيئتهم ـ أنهم يفعلون ذلك أمام الله, لخجلوا وخافوا, إلا لو كانت درجة محبتهم للخطية, أو درجة استهتارهم, اقوي بكثير من الشعور بالوجود أمام الله. أو أن الخطاة ينسون أنهم أمام الله, أو يحاولون ان ينسوا ذلك, أو أنهم يبعدون عن ذهنهم أثناء الخطية كل فكر يختص بالله وبوصاياه لذلك فأن الشيطان وهو يقود إنسانًا إلى الخطية, ينسيه اسم الله بالكلية, وينسيه وصاياه, وكما قال احد الأدباء: إن الخطية تسبقها الشهوة أو الغفلة أو النسيان. لذلك نقول للخاطئ: إن كانت خطيئتك بالعمل, اخجل من الله الذي يراك. وان كانت خطية لسان فاخجل من الله الذي يسمعك وان كانت الخطية بالفكر أو بمشاعر القلب, اخجل من الله فاحص القلوب وقارئ الأفكار, نعم اخجل من الله الذي يقول لك في أعماقك: "أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ" (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 2: 2، 13، 19؛ سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 3: 1، 8، 15). عليك أن تخجل أيضًا من الملائكة التي تراك وتسمعك والتي تحيط بنا باستمرار, وفي كثير من الخطايا البشعة التي لا يحتمل الملائكة رؤيتها أو سماعها, وقد يحدث أنهم يتركونك, فتلتف حولك الشياطين وتتعبك. عليك أن تخجل أيضًا من أرواح القديسين وهم يرونك, اخجل من أرواح أقربائك; وأصحابك وزملائك الذين انتقلوا من عالمنا, و هم يرون ما تفعله وما تقوله, وبعضهم كان يثق بك جدا, وما كان يتصور انك تخطيء هكذا! وكل أولئك مندهشون جدا مما يحدث منك! والي جوار عنصر الخجل يوجد عنصر النسيان: ففي وقت ارتكاب الخطية تنسي انك أمام الله, وتنسي انك بالخطية تكون في حالة انفصال عن الله بالفكر والقلب, وأنك في حالة عدم شعور بوجود الله, وعدم شعور بقدسيته, وبنسيان كامل وصاياه. وتكون أيضا في حالة نسيان للأبدية ولدينونة الله العادلة, وفي الواقع أنت أمام الله الديان العادل, ليس في السماء فقط, وإنما أيضا هنا علي الأرض. † وفي غير موضوع الخطية, فإن الذي يدرك أنه أمام الله, لاشك أنه يشعر بخشوع أمامه, فنخشع أمام قوة الله, وأمام لاهوته, وأمام قدسيته. ومن هنا يكون الشخص في حالة تواضع. فإن الذي يحيط نفسه بالعظمة, ويمشي في الأرض مرحا, ويتكبر في علاقته مع الآخرين.. لاشك أنه لا يشعر أبدا أنه أمام الله الذي يرفض هذا التعاظم وهذه الكبرياء. وذلك مهما حصل الإنسان علي مناصب أو درجات. وأذكر أنني قلت مرة في بعض أبيات الشعر: قل لمن يعتز بالألقاب إن...... صاح في فخره من أعظم مني أنت في الأصل تراب تافه.... هل سأنسي أصله من قال إني ولذلك يا أخي لا تجلس بكبرياء ولا تمشي بكبرياء, ولا تكلم أحدا بكبرياء. لأنك في كل ذلك أمام الله الذي لا يسر بتعظمك. بل عليك أن تقول في صلاتك: أنا أخجل أمامك يا رب من أن أعامل الناس بكبرياء أو بعظمة أو بسلطان, ناسيا أنني تراب ورماد, وأنهم خليقتك ورعيتك. وبنفس الوضع يكون الإنسان الحكيم متواضعا أمام الله في صلاته. فيقول له: من أنا يا رب حتى أقف أمامك, أو أتحدث إليك؟! أنت الذي تقف أمامك الملائكة ورؤساء الملائكة وكل الأجناد السمائية... هذا بعكس الذين في صلواتهم قد يشعرون بالبر لأنهم أتقياء ويصلون! بل إن الذي يشعر في الصلاة أنه أمام الله القدوس البار, الذي لا حدود لقدسيته ولبره, إنما يشعر بهذا المصلي بخجل شديد في أنه يقف أمام الله ناسيا خطاياه الكثيرة التي نجس القلب بها, لذلك فإنه يعترف بأنه أخطأ أمام الله ولم يخجل! وأنه أخطأ كثيرا ثم تجرأ أن يقف أمام الله ويكلمه ناسيا ما فعله من أخطاء! إن الذي يشعر أنه أمام الله, لابد أن يكون حريصا جدا في معاملاته مع الناس. وهو يشعر أنه أمام الله الذي ستر عليه ولم يكشفه في كل ما ارتكب من خطايا. لذلك يحرص أنه يستر علي باقي الناس, ولا يشهر بنقائصهم أو بخطاياهم، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت في أقسام أخرى. لأنه بإدراكه أنه أمام الله, يقول له: كما سترت علي يا رب ينبغي أن أستر علي غيري. وكما غفرت لي, ينبغي أن أغفر لغيري إساءتهم. ولا أحكم علي أفعال الناس, لأنني إنسان محكوم علي منك, الذي يعرف كل أعمالي في العلن وفي الخفاء. وفي الضيقة أيضا ينبغي أن يدرك كل متضايق انه أمام الله الذي يهتم به, والذي هو قادر علي أن ينقذه وينجيه. إن مشكلتنا في الضيقات أننا لا نري إلا الضيقة, ولا نري الله الذي يحمينا منها! والواقع أن الله كما يري خطايانا, يري أيضا متاعبنا. ولذلك في الضيقة ينبغي أن تدرك أنك أمام الله الحافظ والراعي والمعين والمنقذ. وبهذا تطمئن ويملك السلام علي قلبك مهما حدث. إن شعورنا أننا باستمرار أمام الله الذي يضبط حياتنا كضابط للكل, ويراقبها, هذا يجعلنا أكثر احتراصًا في حياتنا, لا نتسيب في شيء ولا نخطيء. مؤمنين أن الله يري كل ما نفعل, ويسمع كل ما نقول, ويطلع علي أفكارنا ومشاعرنا, وكل تفاصيل حياتنا مكشوفة أمامه... وفي نفس الوقت هو ليس فقط يراقبنا, وإنما أيضا يعيننا. بهذا الإيمان نحيا, واضعين أمامنا في كل حين وفي كل مكان أننا أمام الله. |
|