14 - 10 - 2023, 07:17 AM
|
|
|
..::| الإدارة العامة |::..
|
|
|
|
|
|
بسم الآب و الإبن والروح القدس الإله الواحد أمين
.لماذا تدين اخاك.
إنجيل اليوم هو إنجيل المرأه التي دخلت إلي بيت سمعان الفريسي،
وسكبت دموع توبة أمام المسيح، الذي كان متكئ وسط هؤلاء الذين أعتادت عيونهم علي الإدانة، وأعتادت علي أعمال الفحص في الخاطئ
، تحت مسمي أنهم يحمون الفضيلة، وفي الصورة ثلاثة مشاهد مهمه:
1ـ مشهد الإله المتجسد، الذي جاء لكي يقف محامياً
، ومدافعاً، وفادياً أمام قضية الموت، الذي أختاره الإنسان بإرادته.
2ـ الإنسانية المسكينة التي تحمل ضعفاً، قد يكون نتيجة ظروف أو أمور داخلية، أو نتيجة إرادة ضعيفة، ولكنها إنسانية ساقطة.
3ـ بشر يحملوا نفس الضعف، وتحت نفس الحكم، ولكنهم يشعرون أنهم أعلي من الخطاة، ولهم الحق في أن يدينوا، ولهم الحق أن يفحصوا القلوب، ولهم الحق أن يضعون نفوسهم مكان الإله.
وقبل التجسد، وقبل مجئ المسيح في وسطنا، ويعطينا تلك المشاعر التي صارت لنا رجاءً، كنا نظن أن الإله لا يبالي بمن يسقط
، ولا يبالي بمن يتعب، ولا يبالي بمن يحمل هذا النير الثقيل. وكانت البشرية معذبة، ومتوحشة، وتأكل بعضها بعضاً،، حتي أن البشرية صارت في وقت من الأوقات تشعر أن ليس لها رجاء. إلي أن جاء المسيح، وأخبرنا أن الإله يبالي بكل الضعفاء، ومشاعره نحونا ليست مشاعر القاضي، القاسي، الذي يصدر أحكاماً.
وصارت البشرية لمن يفكر، يشعر أنه يحمل نير شديد الثقل، وصارت الحياة في تعريفات الكثير من الفلاسفة والمفكرون أنها سيرك، وكذبة كبيرة، ومدعاه للعبث، ومسرح كبير، وهذا العالم يصير في عالم عدم، و من يحمل أقنعة يشعر بالسعادة، ولكنهم في الحقيقة، سيأتي الموت ويقضي علي كل شئ.
المشكلة الكبيرة هو أن هناك من يزيد من قساوة الحياة علي الضعيف، ومن يشعر بألم، وبينما الكل مُتعب، والكل يحمل ضعفاً، والكل يصارع، وبينما نحن جميعنا البشر نحمل عيوباً وخطايا، تأتي جماعة وتشعر أنها أعلي من البعض، تُدين وتحكم، وأحياناً تطرد، وتشعر بأن لها الحق لتقضي بين الناس، ويسقط من يسقط، ويٌدمر من يُدمر، ولكن يأتي المسيح كي يعطي رجاء في نهاية هذا النفق المظلم، الذي هو الحياة، يُعطي نوراً حينما يأتي ويرفع يديه علي الصليب،
ـ ويقول:
"تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (مت 28:11)
ـ ونصرخ كيف تريحنا؟
ـ فيجيب: أقف حائلاً بينكم وبين حكم الموت.
ونلتفت يميناً ويساراً، ونجد تلك العيون التي تفحص في داخل الخطاة،
فنري المسيح يقف ليدافع أيضاً، كما دافع عن تلك المرأة الخاطئة.
مشكلة هؤلاء الذين يدينون، إنهم يدينون الخارج، ولا يدرون ما في داخل الإنسان، كما قال بولس الرسول:
" اليوم الذي يدين فيه الله سرائر الإنسان" (رو 16:2).
أحياناً تكون الأدانة عن جهل، لا يعرف من يدين، وأحياناً عن قساوة
، وأحياناً ليشعر هذا الذي يدين إنه من الأبرار، وإنه يستطيع أن يحكم.
ولكن البشرية كلها ساقطة تحت الحكم، من يعرف خفايا البشر حتي يدين؟
من يعرف تلك الضغوط ألتي أدت إلي الخطية؟
أو تلك الأمور التي تكونت في تلك الشخصية الساقطة؟
زعيم إيطاليا "موسيليني" الذي قاد إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، كان شرساً للغاية، ويحكي في مذكراته كيف أن والده كان يسكر كل ليلة، و يرجع إلي البيت ينهال عليه وعلي والدته ضرباً بكل عنف.
وقد قرر أن يرد لوالده هذة الضربات، وأمسك بعصا، وأنتظر والده ليعود ليلاً، وحينما عاد والده وجده مختبئاً خلف الباب، يمسك بالعصا.
ـ فسأله: ما هذا الذي في يدك؟
ـ فرد عليه موسيليني: لقد وجدت إنه من الأسهل
أن أعطيك أن تضربني بهذة العصا.
وأنتهت حياة هذا الشخص الشرس بإنه قتل الملايين.
من يعرف أن وراء قصة هذا الشرس المتوحش
، طفولة متعبة، وأب شرس سبب له هذة الجراح الداخلية؟
أنت الذي تدين غيرك، هل تعرف خفايا الخاطئ؟
هل تعرف لماذا هو ضعيف؟ هل تعرف كيف يجاهد بينه وبين نفسه، وبينه وبين الله؟
• يقول القديس يوحنا الدرجي:
" الحكم علي الآخرين يُعتبر سلباً للحق الإلهي"
• وأحد الآباء العظماء يدعي الأب زينون يقول:
" من يدين الآخر، ملاكه الحارس يتنحي عنه، و يجده الشيطان،
ويطالبون بهلاك نفسه".
• يقول الأنبا موسي الأسود:
" لا تحب أن تسمع خطيئة أحد، لئلا تدين أحد خفية. أحفظ أذنيك لئلا تجمع لنفسك حزناً داخلياً".
• ويقول أنبا بيمن المتوحد: " إذا رأيت خطيئة أخ لك، فأستر عليه،
فالوقت الذي تغطي فيه خطايا أخوك، يغطي الله خطاياك أيضاً"
• يقول الأنبا أنطونيوس:
" إياك أن تعيب في أحد من الناس، لئلا يبغض الله صلاتك"
فحينما علمنا السيد المسيح الصلاة قال هكذا: "أغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا" (مت 12:6)
فإن كنت أنت لا تغفر، لا يُغفر لك.
حتي وإن كان هذا الذي تدينه خاطئ،
فمن أعلمك أن المسيح لم يغفر له؟
المرأة الخاطئة التي دخلت في بيت الفريسي، والفريسي قال هذة المرأة خاطئة، ولم يكتفي بإدانة المرأة نفسها، بل أدان المسيح نفسه، لأنه ترك هذة المرأة الخاطئة تلمس قدميه وتقبلها.
أما السيد المسيح فقد قال له: لو كان هناك دائن لمديونين، واحد خمسين، ولآخر بخمسمائة، فسامح الأثنين، فمن منهما يحبه أكثر؟
أجاب: الذي سامحه بالأكثر
فرد عليه السيد المسيح: أنتم الأثنين مدانين، وقد سامحتكم.
المسيح يستطيع أن يغفر، وأن يرفع الخطايا.
"لأن فيه يحل كل الملء، وأن يصالح لنفسه عاملاً الصلح بدم صليبه" (كو 19:1)
" هو مات لأجل الجميع، كي يعيش الأحياء لا لأنفسهم، بل لأجل الذي مات لأجلهم وقام" (2كو 15:5)
فهو قادر أن يغطي كل خطايانا مهما كانت.
"فإن الله بيت محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا،
البار لأجل الأثمة" (رو 8:5)
مات المسيح لأجل الفجار، الفاجر هذا هو من يصنع الخطايا دون أن يبالي.
من أنت الذي تدين أخوك؟ إن كان المسيح قائماً حائلاً بدم صليبه، صانعاً الصلح.
"الذي بذل نفسه لأجلنا، لكي يفدينا من كل إثم، ويطهر لنفسه شعباً غيوراً في أعمال حسنة" (تي 14:2)
هذا الخاطئ الذي تحكم عليه، من أعلمك إنه لم يقدم توبة؟
وأن المسيح قبلها.
" الشعب السالك في الظلمة أبصر نوراً، الجالسون في أرض الموت أشرق عليهم" ( إش 1:9)
و في نفس الإصحاح يقول:
"لأنه يعطي لنا ولد، نعطي إبناً، إلهاً قديراً" (إش 6:9)
كيف أبصر السالكين في الظلمة نوراً؟
لقد تجسد الإله، ورفع عنهم الخطايا، هو يستطع أن يغفر، وأن ينجي، وأن يعفو.
"كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل أحد إلي طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا، إذ جعل نفسه ذبيحة إثم، إذ سكب نفسه وأحصي مع أثمه، وهو حمل خطايا كثيرين، وشفع في المذنبين" (إش 6:53)
من أنت الذي تدين؟ ومن أنت الذي تحكم وتقضي، إن كنت لا تعرف خفايا البشر، ولا تعرف كيف صارهذا الضعيف ضعيفاً، وكيف سقط هذا الخاطئ؟ أنت لا تعرف شيئاً حتي تدينه.
أما الذي يعرف، فقد جاء لا ليدين، بل ليرفع الخطايا،
ويشفع في المذنبين.
• يقول القديس إمبروسيوس:
" بإحتمال المسيح الموت، أمات الموت، لذلك فإن الله الكلمة المتجسد هو القادر أن يعيد فسادها الأول إلي طبيعتها إلي حالها الأول بإتحادنا به"
•ويقول أحد الآباء:
"التوبة تجعل الزناة بتوليين"
إذن لا تكن فريسي، ولا تنظر إلي أحد وتدينه، قد يأتي المسيح ويرفع خطايا هذا الخاطئ حينما يتوب، وقد يقبله، ويأخذه في أحضانه
، أما أنت الذي أدنت، فإنك تخرج خارجاً في الظلمة الخارجية ولا تجد من يعينك، لأنك أدنت بدون أن تعرف، وأخذت سلطاناً ليس لك، أما أن رأيت خاطئاً يسقط، فإن لم تستطع أن تستر عليه، فعلي الأقل صلي من أجله ليعين الله ضعفه ويرحمه.
لإلهنا كل مجد وكرامة إلي الأبد أمين
|