رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الاتكال على الله إذ يتكئ المؤمن على صدر الله إن صح التعبير، يجد عونًا له في مقاومة الخطية التي أفسدت طبيعته، ويجد في الله ترسًا يحميه من إبليس وكل حيله. إنه يترقب يوم مجيء البرّ بفرحٍ، لأنه لا يخشى الدينونة، بل يترقب بالتهليل لقاءه بالله مخلصه. يَا إِسْرَائِيلُ اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ [9]. إن كان الوثنيون يثقون في الأصنام الجامدة، ويسلمون حياتهم لها، كم بالأولى أن يثق المؤمنون بالله الحي، محب البشر، المدبر والحكيم. يقول المرتل: "أنفسنا انتظرت الرب؛ معونتنا وترسناهو. لأنه به تفرح قلوبنا، لأننا على اسمه القدوس اتكلنا" (مز 33: 20-21). ليس من اتكل عليه وخزي. يوجه حديثه إلى إسرائيل، أو إلى الكنيسة كلها، من كل الطبقات، الأغنياء والفقراء، الصبيان والشيوخ. يَا بَيْتَ هَارُونَ اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ [10]. إن كانت الدعوة للاتكال على الله موجهة لكل المؤمنين، فإنه يليق بالكهنة والخدام العاملين في كرم الرب أن يتكلوا عليه كمجنٍ أو ترس لهم. يَا مُتَّقِي الرَّبِّ اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ. هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ [11]. بعد أن وجه الدعوة إلى جميع المؤمنين، ثم ركز على العاملين في الكرم، أراد أن يؤكد أن الذين يتمتعون بعون الرب، ويكون لهم الله بالحق مجنًا (ترسًا) هم الذين يسلكون في مخافته، ويعيشون بروح التقوى، بإخلاص وبروح التوبة. الرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا، فَيُبَارِكُ. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ [12]. إن كان المرتل يدعونا للاتكال على الله، فلا يعني أنه محتاج أن نذَّكره، فنحن دومًا في فكره، يحبنا وينشغل بنا، ويريد على الدوام أن يباركنا. لكنه لا يُلزمنا بأن ننال بركته، إنما يليق بنا أن نتجاوب مع إرادته المقدسة. يُبَارِكُ مُتَّقِي الرَّبِّ الصِّغَارَ مَعَ الْكِبَارِ [13]. يؤكد المرتل شهوة قلب الله أن يبارك الصغار مع الكبار. ليس عند الله محاباة، ولا ينسى أحدًا. إنه أب! * ليأتِ الصغار، ليأتِ المرضى إلى الطبيب، ليأتِ الذين هم مفقودون لمخلصهم، ليأتوا ولا يُمنع أحد عن المجيء. إن كانت الفروع (الأطفال) لم ترتكب أية خطية بعد، لكنهم هلكوا بسبب أصلهم، "يبارك الرب الصغار مع الكبار" (مز 115: 13). ليلمس الطبيب الصغار مع الكبار... إذ كان الفقدان شاملًا هكذا ليكن الخلاص عامًا. كلنا ضعنا، لنوجد جميعنا في المسيح... ليته لا يُعزل أحد عن خلاصه . القديس أغسطينوس عَلَيْكُمْ وَعَلَى أَبْنَائِكُمْ [14]. يحثهم المرتل على الاتكال على الله، لا لنوال عونه وبركته فحسب، وإنما تزداد هذه البركة، فيشعر المؤمن بالتجديد المستمر. وفي نفس الوقت يفتح الباب لنسله، فغالبًا ما يشتهي الإنسان البركة لأولاده وأحفاده أكثر مما يشتهيها لنفسه. أَنْتُمْ مُبَارَكُونَ لِلرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [15]. يشتهي المؤمنون عبر الأجيال أن ينعموا بالبركة التي تمتع بها أبوهم إبراهيم. تشير البركة هنا إلى البركة التي قدمها ملكي صادق لإبراهيم "وباركه، وقال: مبارك إبرام من الله العلي، مالك السماوات والأرض" (تك 14: 19). بركة لا يمكن تقديرها، لأنها صادرة من خالق السماوات والأرض. السَّمَاوَاتُ سَمَاوَاتٌ لِلرَّبِّ، أَمَّا الأَرْضُ، فَأَعْطَاهَا لِبَنِي آدَمَ [16]. جاءت كلمة "السماوات" هنا في المرتين بصيغة الجمع، ولعله يقصد السماء الثالثة، التي لم يستطع الرسول بولس أن يصفها. فإن كان الله قد أعطى بني آدم الأرض ليعيشوا فيها خلال حياتهم الزمنية، إلا أنه يُعد لهم الأمجاد الأبدية في السماوات! يرى العلامة أوريجينوس أن الله السماوي يقدم الأبوة السماوية، فيضمنا إليه كعائلته السماوية، أما نحن الذين لنا الأرض، فنرتبط معًا خلال علاقات زمنية . * السماء بالحقيقة عالية، والمسافة بينها وبيننا غير محدودة. إذ يقول: "السماوات سماوات للرب". ولكن، ليس بسبب هذا نكون مُهملين أو خائفين، كما لو كان الطريق إليها مستحيلًا، بل بالحري يلزمنا أن نكون غيورين. القديس أثناسيوس الرسولي فإن كان القلب على الأرض، أي إن كان الإنسان في سلوكه يرغب في نفع أرضي، فكيف يمكنه أن يتنقى مادام يتمرغ في الأرض؟! أما إذا كان القلب في السماء فسيكون نقيًا، لأن كل ما في السماء هو نقي. فالأشياء تتلوث بامتزاجها بما هو أردأ منها، ولو كان هذا الرديء نقيًا في ذاته. فالذهب يتلوث بامتزاجه بالفضة النقية، وفكرنا يتلوث باشتهائه الأمور الأرضية، بالرغم من نقاوة الأرض، وجمال تنسيقها في ذاته. لكننا لا نفهم كلمة "السماء" هنا بمعنى مادي، لأن كل ما هو مادي يعتبر أرضًا. فالذي يكنز في السماء ينبغي عليه أن يحتقر العالم كله. فالسماء هي تلك التي قيل عنها: "السماوات سماوات للرب" (مز 16:115) أي جلد روحي. لأنه لا ينبغي لنا أن نثبت كنزنا وقلبنا في هذه السماء الزائلة، بل لنثبتهما ونكنزهما في السماء الباقية إلى الأبد. أما السماء والأرض (الماديتان) فتزولان. القديس أغسطينوس وَلاَ مَنْ يَنْحَدِرُ إِلَى أَرْضِ السُّكُوتِ [17]. لا يُسمع صوت التسبيح من أفواه الأموات المنحدرين إلى أرض السكوت، أي في القبور. لهذا يليق بنا أن نتعدى الوجود في القبور، لنسبح الله أبديًا. "لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك. لا يرجو الهابطون إلى الجب أمانتك. الحيّ هو يحمدك كما أنا اليوم" (إش 38: 18-19). * العيد لا يعني التمتع بأكل اللحوم والملابس الفاخرة، ولا هو أيام للترف، إنما تكمن بهجته في معرفة الله وتقديم الشكر والحمد له. هذا الشكر وهذا الحمد، يقدمه القدِّيسون وحدهم الذين يعيشون في المسيح، إذ مكتوب: "ليس الأموات يسبحون الرب، ولا من ينحدر إلى أرض السكوت. أما نحن فنبارك الرب من الآن وإلى الدهر" (مز 115: 17-18). وهكذا كان الأمر مع حزقيا الذي خلُص من الموت، فسبح الله قائلًا: "لأن الهاوية لا تحمدك. الموت لا يسبحك... الحيّ هو يحمدك كما أنا اليوم" (إش 38: 18-19). فتسبيح الله وتمجيده هو من اختصاص الذين يحيون في المسيح وحدهم، هؤلاء يصعدون إلى العيد، لأن الفصح ليس للأمم (الوثنيين عابدي الأصنام)، ولا للذين هم يهود بحسب الجسد، بل للذين يعرفون الحق، وذلك كما يقول ذاك الذي أرسل للإعلان عن مثل هذا العيد، "لأن فصحنا أيضًا المسيح، قد ذُبح لأجلنا". لذلك وإن كان الأشرار يقحمون أنفسهم لكي يحفظوا العيد، بينما عمل العيد هو تمجيد الله، لهذا فإنهم كأشرارٍ يقتحمون متطفلين في دخولهم كنيسة القدِّيسين. هؤلاء يوبخهم الله معاتبًا كل واحدٍ منهم قائلًا: "ما لك تتحدث بفرائضي" (مز 50: 16). ويوبخهم الروح القدس قائلًا بأنه ليس للتسبيح مكان في فم الخاطئ (ابن سيراخ 15: 9)، ولا للخطية وجود في مذبح الله، لأن فم الخاطئ يتكلم في الأمور الجامحة، كقول المثل: "فم الأشرار ينبع شرورًا" (أم 15: 28). لأنه كيف يمكننا أن نسبح الله بفم دنس، إذ لا يمكن أن يتفق النقيضان معًا؟ لأنه أية خلطة للبرّ والإثم؟ وأية شركة للنور مع الظلمة؟ هذا ما يقوله بولس خادم الإنجيل (2 كو 6: 14). أما البار، فإنه وإن كان يظهر ميتًا عن العالم، لكنه يتجاسر فيقول: "أنا لا أموت، بل أحيا وأحدث بأعمالك العجيبة" (مز 118: 17)، فإنه حتى الله لا يخجل من أن يُدعى لهم إلهًا، هؤلاء الذين بحق يميتون أعضاءهم التي على الأرض (كو 3: 5)، ويحيون في المسيح الذي هو إله أحياء لا إله أموات، هذا الذي بكلمته ينعش كل البشر، ويعطيهم طعامًا يحيا به القدِّيسون، كما أعلن الرب قائلًا: "أنا هو خبز الحياة" (يو 6: 48). القديس أثناسيوس الرسولي القديس مقاريوس الكبير لكن مادام البعض الذين يعلمون بالأنبياء ولا يؤمنون بما هو مكتوب، ويجادلون ضدنا، مسيئين فهم ما كُتب بحق: "لذلك لا يقوم الأشرار في الدين" (مز 5:1). حسنًا يليق بنا أن نقابلهم بطريقة سطحية بقدر الإمكان، لأنه إذا قيل: "إن الأشرار لا يقومون في الدين"، فهذا يظهر أنهم سيقومون في الدين، لأن الله لا يحتاج إلى إمعان نظر طويل إليهم، بل بعد قيام الأشرار في الحال يذهبون إلى عقابهم. وإذا قيل: "ليس الأموات يسبحونك يا رب" (مز 17:115)، فهذا يظهر أن هذه الحياة فقط هي الوقت المعين للندم والمغفرة. "والذي يهبط إلى الهاوية لا يصعد" (أي 9:7). فالذين يسرون بها (الحياة) هم الذين سيسبحون الله، أما الذين ماتوا في الخطايا، فلا يبقى لهم وقت أن يسبحوا بعد الموت كمتمتعين بالبركات. إنما ينوحون على أنفسهم، لأن التسبيح لمن يشكر، والنحيب لمن هو تحت العقاب. لذلك يقوم الأتقياء بالتسبيح، أما الذين ماتوا في الخطايا فليس لهم وقت للاعتراف (الحمد) بعد ذلك . القديس كيرلس الأورشليمي |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 62 | حث الآخرين على الاتكال على الله |
مزمور 62 | تأكيد الاتكال على الله |
مزمور 62 | الاتكال على الله |
مزمور 55 - الاتكال على الله |
مزمور 62 - تفسير سفر المزامير - الاتكال على الله |